السياحة: الإسلام وضع لها ضوابط وصحح مفاهيمها المشوهة

منذ 2015-01-18

في بداية كل صيف يبدأ موسم السياحة والسفر؛ ويتجهز كثير من المسلمين إلى الذهاب للمنتجعات الصيفية؛ طلبا للاستجمام والراحة أو لازدياد الثقافة والعلم، ولكن كثيرا منهم يقعون في مخالفات شرعية لذهابهم إلى البلاد غير الإسلامية، والمنتجعات الفاسدة، فضلا عن ذهاب بعض النساء بدون محرم؛ مما يجعل السياحة معصية بدلا أن تكون عادة أو استجماماً.

في بداية كل صيف يبدأ موسم السياحة والسفر؛ ويتجهز كثير من المسلمين إلى الذهاب للمنتجعات الصيفية؛ طلبا للاستجمام والراحة أو لازدياد الثقافة والعلم، ولكن كثيرا منهم يقعون في مخالفات شرعية لذهابهم إلى البلاد غير الإسلامية، والمنتجعات الفاسدة، فضلا عن ذهاب بعض النساء بدون محرم؛ مما يجعل السياحة معصية بدلا أن تكون عادة أو استجماماً؛ لذلك نحاول أن نستعرض أقوال العلماء في السياحة التي توضح أحكامها حتى يبتعد المسلم من الوقوع في المعصية؛ وهو يستطيع أن يستفيد من سفره وأن يجعله طاعة لله - تعالى -، ومن المعروف فإن السياحة باتت تشكل عنصرا مهما من عناصر الاقتصاد ومصدرا أساسيا لميزانيات الدول، ولذلك فإن جميع الدول تحاول استعراض قدراتها السياحية في مثل هذه المواسم لإغراء الناس الذهاب إليها لما للسياحة من فوائد اقتصادية تعود خزينة الدولة.

وقد عرفت السياحة عند المسلمين بأسماء مختلفة كالسفر والسير في الأرض كما عبر عنها القرآن الكريم، والرحلة لطلب العلم؛ حيث كان المسلمون يجوبون في الفيافي والقفار طلبا للعلم أو ذهابا إلى قضاء فريضتي الحج والعمرة، فضلا عن التوجه إلى البلدان الأخرى لنشر الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، وإذا نظرنا إلى هذه الطرق نجد أن جميعها تدخل ضمن الطاعات، ولكن السير في الأرض يمكن أن يكون الاستفادة من تاريخ الأمم السابقة والتدبر مما أصابهم من الهلاك والدمار والنظر إلى آيات الله الكونية ليتحول من استجمام إلى نوع من الطاعة، وإذا رجعنا إلى المعاجم العربية نجد أنهم يعرفون السياحة على أنها تحمل معاني كثيرة، ولكنها في الاصطلاح المشهور اليوم تقتصر على بعض تلك المعاني، فتدل على التنقل في البلاد للتنزه أو للاستطلاع والبحث والكشف ونحو ذلك، لا للكسب والعمل والإقامة.

أما إذا نظرنا إلى ما قاله علماء الشريعة عن السياحة علينا أن ننظر إلى مفهوم السياحة في الإسلام.

جاء الإسلام ليغير كثيراً من المفاهيم المشوهة التي تحملها عقول البشر القاصرة، ويربطها بمعالي الأمور ومكارم القيم والأخلاق، وكانت السياحة في مفهوم بعض الأمم السابقة مرتبطة بتعذيب النفس وإجبارها على السير في الأرض، وإتعاب البدن عقابا له أو تزهدا في دنياه، فأبطل الإسلام هذا المفهوم السلبي المنتكس للسياحة.

روى ابن هانئ عن أحمد بن حنبل أنه سئل: عن الرجل يسيح أحب إليك أم المقيم في الأمصار؟ فقال: «ما السياحة من الإسلام في شيء، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين».

ويقول ابن رجب الحنبلي عن كلمة الإمام أحمد:

والسياحة على هذا الوجه قد فعلتها طوائف ممن ينسب إلى عبادة واجتهاد بغير علم، ومنهم من رجع لما عرف ذلك.

فجاء الإسلام ليرتقي بمفهوم السياحة، ويربطه بالمقاصد العظيمة، والغايات الشريفة، ومن ذلك:

1. إنه ربط السياحة بالعبادة، فأوجب السفر أو " السياحة " لأداء ركن من أركان الدين وهو (الحج) في أشهر معلومة، وشرع العمرة إلى بيت الله - تعالى - في العام كله، ولما جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأذنه في السياحة (بالمفهوم القديم الذي تقصد به السفر للرهبنة أو تعذيب النفس فقط)، أرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المقصد الأسمى والأعلى من السياحة فقال له: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» رواه أبو داود وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود "، فتأمل كيف ربط النبي - صلى الله عليه وسلم - السياحة المشروعة المندوبة بالهدف العظيم والغاية السامية.

2. كما اقترنت السياحة في المفهوم الإسلامي بالعلم والمعرفة، وقد سيرت أعظم وأقوى الرحلات السياحية في صدر الإسلام لغرض طلب العلم ونشره، حتى ألف الخطيب البغدادي كتابه المشهور " الرحلة في طلب الحديث "، وقد جمع فيه من رحل من أجل حديث واحد فقط!، ومن ذلك ما قاله بعض التابعين في قوله - سبحانه وتعالى -: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (التوبة/112).

قال عكرمة: (السائحون): هم طلبة العلم.

3. ومن مقاصد السياحة في الإسلام الاعتبار والادِّكار، وقد جاء في القرآن الكريم الأمر بالسير في الأرض في عدة مواطن: قال - تعالى -: قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (الأنعام/11).

وقال - سبحانه -: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (النمل/69).

قال القاسمي - رحمه الله -:

هم السائرون الذاهبون في الديار لأجل الوقوف على الآثار؛ توصلا للعظة بها والاعتبار ولغيرها من الفوائد.

4. ولعل أعظم مقاصد السياحة في الإسلام تكون في الدعوة إلى الله - تعالى -، وتبليغ البشرية النور الذي أنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو وظيفة الرسل والأنبياء، ومن بعدهم أصحابهم رضوان الله عليهم، وقد انتشر صحابة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في الآفاق يعلمون الناس الخير، ويدعونهم إلى كلمة الحق، ونحن نرجو أن تحذو سياحة اليوم تلك السياحة العظيمة المقصد، الشريفة الغاية والهدف.

5. وأخيراً فإن من مفهوم السياحة في الإسلام السفر لتأمل بديع خلق الله - تعالى -، والتمتع بجمال هذا الكون العظيم؛ ليكون ذلك باعثا للنفس البشرية على قوة الإيمان بوحدانية الله، وليكون عونا لها أيضا على أداء واجبات الحياة، فإن ترويح النفس ضروري لأخذها بالجد بعد ذلك.

يقول - سبحانه وتعالى -: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت20).

 

ضوابط السياحة في الإسلام:

لقد جاءت شريعتنا الحكيمة بكثير من الأحكام التي تنظم السياحة وتضبطها وتوجهها كي تحافظ على مقاصدها التي سبق ذكرها، ولا يتجاوز بها إلى الانفلات أو التعدي، فتعود السياحة مصدر شر وضرر على المجتمع، ومن تلك الأحكام:

1. تحريم السفر بقصد تعظيم بقعة معينة إلا إلى ثلاثة مساجد:

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى».

رواه البخاري ومسلم.

وفي الحديث دليل على حرمة الترويج للسياحة " الدينية " كما يسمونها لغير المساجد الثلاثة، كمن يدعو إلى السياحة لزيارة القبور والمشاهد والأضرحة والمراقد، ولاسيما تلك الأضرحة التي يعظمها الناس ويرتكبون عندها أنواع الشرك والموبقات، فليس في الشريعة تقديس لمكان تؤدى فيه عبادة ويكون فيه تعظيم سوى هذه الثلاثة.

فلا يجوز إنشاء سفر لقصد مكان مقدس غير هذه الأماكن الثلاثة، ولا يعني ذلك حرمة زيارة المساجد في بلاد المسلمين، فإن زيارتها مشروعة ومستحبة، وإنما الممنوع هو إنشاء السفر لهذا الغرض، فإذا كان له قصد آخر من السفر، وجاءت الزيارة تابعة فلا بأس، بل قد تجب لأداء الجمعة والجماعة.

ومن باب أولى حرمة السفر لزيارة الأماكن المقدسة في الديانات الأخرى، كمن يخرج لزيارة " الفاتيكان " أو الأصنام البوذية وغير ذلك مما يشبهه.

2. وقد جاءت الأدلة أيضا في تحريم سياحة المسلم في بلاد الكفار مطلقا، لما فيها من مفاسد تعود على دين المسلم وخلقه باختلاطه مع تلك الأمم التي لا تراعي دينا ولا خلقا، ولاسيما مع عدم وجود الحاجة لهذا السفر من علاج أو تجارة ونحو ذلك، إنما هو للمتعة والترفيه، وقد وسّع الله - تعالى -بلاد المسلمين بحمد الله، فجعل فيها من بديع خلقه ما يغني عن زيارة الكفار في بلادهم.

قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله -: السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين، أو السفر لتجارة، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين.

أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة.

3. ومما لا شك فيه أن الشريعة تنهى عن السياحة في أماكن الفساد؛ حيث تُشرب الخمور وتَقَع الفاحشة، وتُرتكب المعصية، مثل شواطئ العري وحفلات المجون وأماكن الفسق، أو السفر لإقامة الاحتفالات في الأعياد المبتدعة، فإن المسلم مأمور بالبعد عن المعصية، فلا يرتكبها ولا يجالس من يقوم بها.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة بالسعودية:

لا يجوز السفر إلى أماكن الفساد من أجل السياحة؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والأخلاق؛ لأن الشريعة جاءت بسد الوسائل التي تفضي إلى الشر.

فكيف بالسياحة التي تشجع المعصية والفاحشة، وتنظم لدعمها وتشجيعها؟!.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضاً:

إذا كانت هذه السياحة مشتملة على تسهيل وتيسير فعل المعاصي والمنكرات والدعوة إليها: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون عوناً على معصية الله ومخالفة أمره، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه.

4. أما زيارة آثار الأمم السابقة وأماكنهم: فإن كانت أماكن عذاب، وقع فيها من الخسف أو المسخ أو الإهلاك لهم بسبب كفرهم بالله - سبحانه -: فلا يجوز حينئذ اتخاذ هذه الأماكن للسياحة والاستجمام.

قال ابن القيم - رحمه الله - في أثناء ذكره للفوائد والأحكام المستنبطة من غزوة تبوك ومنها: «أن من مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لا ينبغي له أن يدخلها، ولا يقيم بها، بل يسرع السير، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها، ولا يدخل عليهم إلا باكياً معتبراً، ومن هذا إسراع النبي - صلى الله عليه وسلم - السير في وادي محسر بين منى ومزدلفة، فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه».

ولا يخفى على أحدٍ أن واقع السياحة اليوم يغلب عليه المعصية والوقوع في الفواحش والتعدي على الحرمات، مِن تبرج مقصود، وعري في أماكن معروفة، واختلاط مستباح، وشرب للخمور، وترويج للفساد، وتشبه بالكفار وجلب لعاداتهم وأخلاقهم بل وحتى أمراضهم الخبيثة، فضلا عن ضياع الأموال الطائلة والأوقات والجهود، يغلف ذلك كله اسم جميل " السياحة "، فنذكِّر كل غيور على دينه وخلقه وأمته بالله - سبحانه وتعالى - ألا يكون عونا للترويج لهذه السياحة الفاسقة، بل يكون حربا عليها وعلى الثقافة التي تروج لها، وليفتخر بدينه وثقافته وخلقه، فقد حمته من كل المفاسد، وأوجدت له البديل الواسع في خلق الله - تعالى -في بلاد المسلمين المحافظة.

ومن أراد الاستزادة من هذه المعلومات فعليه أن يراجع موقع الإسلام «سؤال وجواب»، وفي الختام فإننا نجد من كلام العلماء الأجلاء أن الإسلام أباح لنا السياحة والسفر، ولكنه أمرنا أن نبتعد عن أماكن الفسق والفجور حفاظا على تميز الشخصية المسلمة التي يجب ألا تذوب مع المجتمعات الأخرى؛ لأن فريضة الأمر بالمعروف النهي عن المنكر تجعل المسلم دائما شخصية متميزة تحمل على كاهلها ميراث النبوة التي يجب إبلاغها إلى الأمم الأخرى، ولذلك حفاظا لهذا الكيان المسلم ينبغي ألا يذهب إلى أماكن المعاصي حتى لا يتأثر، وقال - تعالى -: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.

عبد القادر علي ورسمه

  • 11
  • 2
  • 24,034

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً