مجالات الابتلاء وأنواعه

منذ 2015-01-20

ينقسم الابتلاء عدة انقسامات باعتبارات مختلفة، فإذا نظرنا إلى الابتلاء من حيث المادة التي يحصل بها من نحو الأموال والأنفس والثمرات وجدنا له مجالات عديدة

ينقسم الابتلاء عدة انقسامات باعتبارات مختلفة، فإذا نظرنا إلى الابتلاء من حيث المادة التي يحصل بها من نحو الأموال والأنفس والثمرات وجدنا له مجالات عديدة، وإذا نظرنا إليه من حيث الأشخاص أو الجماعات أو الأمم وجدنا له أنواعا مختلفة.

 

مجالات الابتلاء:

الدنيا دار ابتلاء، وهي بمثابة القاعة (أو الساحة) التي يجري فيها الاختبار، وهي أيضا الزمن المقرر لهذا الاختبار، أما مجالات هذا الاختبار، ومواد ذلك الامتحان، فتتلخص فيما على هذه الأرض من ثروات ومنتجات وزينة وما يجري فوقها من عمران، يقول اللّه تعالى: {إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7].

 

وإضافة إلى ذلك فإن الابتلاء يكون أيضا في مجال الأنفس من نحو الصحة والسقم، والقوة والضعف، والسعادة والشقاوة، كما يكون في الأموال من نحو الفقر والغنى، والعوز والرفاهية، وقد أشار المولى عز وجل إلى المجالين جميعا فقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:136]، وقال عزّ من قائل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155].

ويلحق بالأموال ويتبعها كل ما يشابهما من الجاه والسلطان والممتلكات العقارية ونحو ذلك، أما الأنفس فيلحق بها ما يصيب الإنسان في أبنائه أو أقاربه أو أحبائه من نحو الصحة والمرض، والحياة والموت، والنجاح والفشل وما أشبه ذلك.

 

ثانيا: أنواع الابتلاء:

 

للابتلاء بالنسبة لمن يقع عليه أنواع عديدة أهمها:

1- الابتلاء التكليفي، ونعني به:

الابتلاء على مستوى الإنسان بوجه عام، ويمكن أن نطلق عليه ابتلاء التكليف وحمل الأمانة، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا} [الأحزاب:72].

 

2- الابتلاء الشخصي:

ويراد به: ما يصيب الإنسان في نفسه أو فيمن حوله من أفراد أسرته من السّرّاء والضّرّاء، وإلى هذا النوع من الابتلاء أشارت الآية الكريمة {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعًا بَصِيرًا . إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:2، 3].

 

3- الابتلاء الاجتماعي (ابتلاء الناس بعضهم ببعض):

المقصود بهذا النوع من الابتلاء: أن يبتلي اللّه الناس بعضهم ببعض، وذلك إما برفع بعضهم فوق بعض درجات مصداقا لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ} [الأنعام:165]، وإما بالتفاوت فيما بينهم في حظوظ الحياة الدنيا من الرفعة والضعة، أو الغنى والفقر. إن الابتلاء هنا يشمل الصنفين جميعا أي المفضّلون (الأغنياء)، والمفضّل عليهم (الفقراء) ذلك أن الغنى- ما لم يعتصم بالإيمان- يريد زيادة غناه على حساب الفقير بلجوئه إلى الكنز، واستسلامه لغريزة الأنانية، وحب التكاثر والطمع، وينقاد للظلم والفساد أحيانا، وينسى حق اللّه في ماله فلا يعطف على فقير أو مسكين، ويقسو قلبه ولا يتصف بالرحمة أو الإنصاف في حالات أخرى، أما الفقير- ما لم يتمسك بأهداب التقوى ويصبر على البلوى- فإنه قد يحتال لفقره بالكذب والنفاق ويلجأ إلى زخرف القول ويسعى في الأرض فسادًا.

 

4- الابتلاء الجماعي أو الأممي:

ويتمثل ذلك فيما يصيب الأمة أو الجماعة بأسرها من رغد العيش أو ضيقه، من اعتدال المناخ أو قسوته، ويشمل أيضا ما يصيب الأمم من نحو الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وما أشبه ذلك من الابتلاءات التي لا يقتصر أثرها على فرد دون آخر أو جماعة دون سواها. ومن أسباب ظهور هذا الابتلاء الذي قد يتمثل في فساد المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، ما يقترفه الناس من المعاصي وما يرتكبونه من الآثام.

وقد حذرنا المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم من موجبات هذا النوع من الابتلاء فيما يرويه عنه عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما حيث قال: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأقبل علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بوجهه فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس خصال أعوذ باللّه أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط اللّه عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل اللّه عز وجل في كتابه إلا جعل اللّه بأسهم بينهم» (ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)

  • 13
  • 0
  • 48,645

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً