القرآن تدبرٌ وعملٌ (1)
حين نقف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة بالقرآن، وكيف استقبل جيل الصحابة القرآن، وتعاملوا معه، والذي يمكن إيجازه في قولهم: "أنهم كانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعملوا ما فيهن من العلم، و بذلك تعلّموا العلم والعمل جميعاً.
بينما كنت في شأن من شئون معاشي، إذ ساق الله إليّ ممن أحسبهم من خيرة الناس وكرامهم من أهل القرآن رجلاً، وعالماً من القائمين والعاكفين على مشروع (القرآن تدبر وعمل).
وهو -ممن أحسبهم- من الصفوة الأخيار الذين بدأوا ذلك الجهد منذ أكثر من عشرين عاماً، حتى يصل إلى ما وصل إليه المشروع ، أو النسخة الموجودة بالموقع الإلكتروني، والماثلة للطباعة حالياً، والتي هي بين يدي القرّاء والمنتفعين بها.
على مدار قرابة الساعة من الزمن ظللت مستمعاً ومستفسراً ومستمتعاً بكل جوارحي لصاحب الفضيلة، ذلك الشيخ والعالم الرباني الذي قضى جُلّ عمره يجوب الأقطار خادماً للقرآن، ونشره عبادةً وسلوكاً وتدبراً وعملاً.
كان من دواعي سروري، وما بلغ بي غاية السعادة، أنني رأيت حلماً وخيالاً لطالماً جال بخاطري! واعتمل في صدري، وتاقت نفسي وفؤادي لتحقيقه على أيدي المتخصصين، أو حيازة شرف السعي في تحقيقه والشروع فيه، رأيته واقعاً قائماً على أبهى وأجمل وأروع مما جال في الخاطر وداعب الخيال.
تذكرت الإمام الشيخ (محمد الغزالي) وهو يأخذ بتلابيب العقول، ويهتف في ساحات وميادين الدعاة والمختصين المنكبين على الحفظ والنقول، والذين حوّلوا الناشئة إلى أشرطة مسجلة تردد حروفاً ومعانٍ دون تدبر وفهم لحدود أو مبان، ويقول لهم إننا نسئ بتعاملنا هذا مع القرآن من حيث نريد الإحسان.
ولقد سطّر الشيخ الغزالي رحمه الله تجربته مع القرآن، وما خلص إليه من ضرورة إعادة النظر في منهج تعاملنا مع القرآن، وأودع ذلك الجهد من آراء ورؤى في كتابه: (كيف نتعامل مع القرآن).
حين نقف على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته للصحابة بالقرآن، وكيف استقبل جيل الصحابة القرآن، وتعاملوا معه، والذي يمكن إيجازه في قولهم: "أنهم كانوا إذا تعلّموا عشر آيات لم يجاوزوهن إلى العشر الأخر حتى يعملوا ما فيهن من العلم، و بذلك تعلّموا العلم والعمل جميعاً.
وما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح متصل أنه مكث أربع سنين في تعلُّم سورة البقرة، وهو ما رواه ابن سعد في (الطبقات الكبرى:4 /164) قال: "أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا أبو المليح عن ميمون أن ابن عمر تعلَّم سورة البقرة في أربع سنين".
وما أخرج الخطيب في رواية مالك عن بن عمر قال: "تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزورًا"، لكن هذه الرواية محل نظر عند السادة المحققين، غير أن نحر الجزور ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
ثم نُجيل النظر في منهج تعاملنا مع القرآن وما ترتب عليه من تداعيات وآثار، نجد أننا بحاجة ملحة إلى وقفة جادة وعاجلة، وانتفاضة توقظ الضمائر والعقول، لعلها تعود إلى رشدها وهداها، الذي ارتضاه خالقها لها.
ما أسلفنا ذكره هو تمهيد له ما بعده من حديث نراه مهماً، بعد توضيح فكرة المشروع، وملامحه وأهدافه، والذي يشرف عليه مركز المنهاج للتدريب التربوي، الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ (خالد بن صالح السلامة) جزاه الله خير الجزاء..
ذلك أننا نؤمن ونعتقد -كما أسلفنا في سابق كتاباتنا- أننا ننتمي إلى أمة لن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها. وأننا ننتمي إلى حضارة ما قامت ولا استقامت إلا حين اهتدت بهذا القرآن واستضاءت، كما أن تأخرها واضمحلالها ونكباتها وأزماتها، تكون بقدر ابتعادها عن هذا السراج المنير، الذي نزل به الروح الأمين على قلب الهادي البشير.
- التصنيف: