كيفية تحقيق سلامة القلب
الأمر الذي شغلني حقيقة هو قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وكما هو معروف في اللغة أن (إلا) أداة استثناء أي لا ينفع يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم، فلن ينفع المال بل قد يكون مضرة، ولن ينفع أقرب الناس ولو كان الابن، ولو كان هذا الابن رسولاً مقربًا من أولي العزم من الرسل كما حدث مع إبراهيم وأبيه.. فقط الذي ينفع الإنسان أن يلقى الله بقلب سليم.
{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:87-89].
هذه الآيات وما يسبقها من دعاء إبراهيم عليه السلام لربه قد احتوت على معانٍ عديدة، يرجى الاطلاع عليها من كتب التفاسير..
لكن الذي أريد أن أركز عليه، والأمر الذي شغلني حقيقة هو قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، وكما هو معروف في اللغة أن (إلا) أداة استثناء أي لا ينفع يوم القيامة إلا صاحب القلب السليم، فلن ينفع المال بل قد يكون مضرة، ولن ينفع أقرب الناس ولو كان الابن، ولو كان هذا الابن رسولاً مقربًا من أولي العزم من الرسل كما حدث مع إبراهيم وأبيه.. فقط الذي ينفع الإنسان أن يلقى الله بقلب سليم.
والسؤال: ما هو القلب السليم؟ وكيف أصل إلى هذه المرحلة؟ وهل هناك مقياس لمدى سلامة القلب؟
بداية لنذكر ما نقل إلينا من العلماء السابقين وما ذكرته كتب التفاسير، فقد قال ابن عباس: "هو القلب الحَيي يشهد أن لا إله إلا الله"، وقال مجاهد والحسن: "هو الخالي من الشرك"، وقال غيرهم: "هو القلب الصحيح"، وهو قلب المؤمن إلى غير هذه المعاني التي تدور في هذا الإطار، وكلها صحيحة، والله أعلم.
فالوقوف على معنى القلب السليم أمر سهلاً، لكن الصعب هو تحقيق سلامة القلب، ومعرفة الطريق إلى ذلك.
وحتى نعرف ذلك لا بد من قراءة المقال السابق (مقارنة بين الروح والجسد)، وبعد قراءتك أخي لهذا المقال أظن أن الرؤية قد اتضحت، فتحقيق سلامة القلب لن يكون إلا بتغذية القلب بالصلاة والقرآن.
فبالنسبة للصلاة لا بد وأن تحقق إقامتها كما أمر الله: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [البقرة من الآية:43]، ودليل إقامة الصلاة هو الوصول إلى حالة الخشوع، فالخشوع ليس كما يعرف البعض أنه حالة يمكن أن يتصنعها الإنسان أو أن يجبر نفسه عليها، ولكني أرى أن الخشوع في الصلاة هبة من الله لمن أقامها كما أمر الله، فحينما تقرأ قول الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1-2]، هذا الفلاح نتيجة حتمية لمن وصل إلى درجة الخشوع في الصلاة، ولن تصل إلى هذه الدرجة إلا إذا حققت إقامتها.
أما عن كيفية إقامتها فسأخصص مقالاً مبسطًا قريبًا بإذن الله، وملخصه أن الصلاة تمر بثلاثة مراحل..
أولاً: ما قبل الصلاة، ثانيًا: أثناء الصلاة، ثالثًا: بعد الصلاة..
وفي كل مرحلة من هذه المراحل نجد أوامر وسننًا لحبيب القلوب وسيد البشر صلى الله عليه وسلم إن التزمنا بها، وأتقناها كما كان يفعل نصل إلى درجة الإقامة بإذن الله، وهذه الإقامة هي التي توصلنا حتمًا وبالضرورة إلى تحقيق قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت من الآية:45]، فالصلاة تنهى نهيًا ذاتيًا عن الفحشاء والمنكر فقط إذا أقمتها كما أمر الله.
ولنعد إلى علاقة الصلاة بسلامة القلب فهي أهم دليل على سلامته وصلاحه، ولنتأمل مرة ثانية قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (السلسلة الصحيحة:1358)، ويفيد هذا الحديث بوضوح أن سلامة الأعمال متوقفة على الصلاة، ولعلك أدركت أخي القارئ مدى الترابط بين الآية والحديث، فسلامة القلب متوقف على إقامة الصلاة، وكذلك صحة الأعمال وقبولها متوقف على إقامة الصلاة..
ثانيًا: الغذاء الثاني للقلب والروح وهو القرآن الكريم.
ولإتمام المعنى ولعدم التكرار يرجى قراءة المقالين (القرآن الكريم هو الصراط المستقيم) ومقال (شروط الانتفاع بالقرآن الكريم).
فبعد أن ذكر الله تعالى الفئة المستفيدة من الهدي القرآني ذكر بعدهم الفئة التي لا تستفيد من القرآن الكريم، وذكر من صفاتهم: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة من الآية:10]، فعدم الاستفادة من الهدي القرآني يترتب عليه حتمًا مرض القلب، فإذا كانت الصلاة علاقة بين العبد وربه يترتب على إقامتها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، فإن القرآن هو الذي يوضح ما هو منكر وما هو فحش، وما هو خير وما هو شر، فهو يرسم لنا الطريق الذي يوصلنا إلى الله وهو الدستور الذي ينظم لنا حياتنا، ويرجى قراءة مقال (معالم المنهج القرآني) للاستفادة أكثر.
وملخص ما سبق حتى نصل إلى قلب سليم يجب أن نقيم الصلاة كما أمر الله وأن تكون لنا قرة عين كما كانت لحبيبنا رسول الله، ثم نقرأ القرآن ونتدبره ونعمل بما فيه ليكون وبحق منهج حياتنا وربيع قلوبنا..
أما عن مقياس سلامة القلب فهو: أن تجد السعادة واللذة في القرب من الله وفي الوقوف بين يديه وأن تشعر بالضياع والهلاك إذا فرطت في حق الله.
هذا والله وأعلم.
- التصنيف: