إعصار جونو والدفاع عن الهيئة
محمد صالح المنجد
وأيضاً فإنه يحذر من السب والشتم، والغيبة والنميمة، وليس من النميمة أن يُخبِر إنكاراً للمنكر عن غشٍ يحصل؛ لأن هذا من إنكار المنكر، وأما ما يفعله بعض الطلاب من سبّ المدرس إذا أتاهم بأسئلةٍ رأوها صعبة؛ لأنهم لم يذاكروا، فإن هذا ظلمٌ واعتداء، وغيبةٌ محرمة.
- التصنيفات: التصنيف العام -
عناصر الخطبة:
1. الإعصار رسالة النذارة وعظمة الجبار.
2. وما يعلم جنود ربك إلا هو.
3. المصيبة ابتلاء للمؤمنين وانتقام من العاصين.
4. حكمة المصيبة وواجب العباد.
5. أحكام متعلقة بركوب البحر.
6. خيرية الآمرين وخسة الناقمين على الحسبة.
7. الحسبة صمام الأمان للمجتمعات.
8. توجيهات للمقبلين على قاعة الامتحانات.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الإعصار رسالة النذارة وعظمة الجبار
الحمد لله العزيز الجبار، القوي القهّار.خلق وابتلى، وأنعم واختبر، فهؤلاء عباده في قبضته، يفعل فيهم ما يشاء، يسخّر الأمر ويدبّره، ويرسل الرياح ويصرّفها، وينزل المطر ويفرّقه، ويقسّمه كيف يشاء، وهو سبحانه وتعالى يبتلي عباده بما يشاء.
يأتيهم على حين فجأة، وعلى حين غِرّة، فلا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.
وهكذا فوجئ جنوب جزيرة العرب في المكان الذي أراد الله فيه أن يرسل الإعصار، فأنشأه في البحر، وضرب به جانب البر، اقتلع الأشجار، وجرف اللوحات، وخرب البيوت، واكتسح اليابسة، وأوقف الصادرات.
حل رعبٌ في القلوب، وقُطِعَت وسائل الاتصال والطاقة الكهربائية.
فيضاناتٌ تجتاح، ونداءات استغاثة، والخسائر بالمليارات، والذي عُرِض أقل بكثيرٍ مما حَدث، والمراسلون لا يستطيعون الوصول إلى الأماكن المختلفة في الأودية، وما حل من انعدام حركة السير.
لقد دخلت المياه على الناس في بيوتهم، وصعدوا إلى الأدوار العلوية، وهم يخشون أن تلاحقهم المياه؛ لأنها ملأت الأدوار السفلية.
توقفت حركة الطيران، وشلت وسائل النقل، وتقطعت بالناس السبل، وهكذا ابتلاءاتٌ، ووَفَيَاتٌ، وإصاباتٌ.
من الذي أنشأه؟ الله -عزَّ وجلَّ-. من الذي سيّره؟ الله -عزَّ وجلَّ-. من الذي يعلم إلى أين يتجه، ومن سيصيب؟ الله -عزَّ وجلَّ-.. (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49)، وهذا العالم المادي الذي لا يعرف الكثيرون فيه الآخرة؛ إنما ينسبون كل شيءٍ إلى الإعصار، وكأنه الذي خلق نفسه، وأنه يفعل ما يشاء، ويقولون: ثأر الطبيعة، وغضبة الطبيعة.
فمن الذي خلق الطبيعة؟ ومن الذي يرسل العواصف والأعاصير، والزلازل والفيضانات؟.
هذه العقيدة الفاسدة التي ترفض أن تذكر ربّها، هذه العقيدة الفاسدة التي يرفض أصحابها أن يذكروا ربّهم، فينسبون كل شيءٍ إلى الطبيعة وغضبتها، وينسون أن الله يغضب، وأنه يغار، وأنه يزلزل، وأنه سبحانه وتعالى خلق كل شيء: (يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) (الرعد:13) (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) (الروم: من الآية48).
أين التطور العلمي، والأقمار الصناعية، والتقنيات العالية، والبوارج، وحاملات الطائرات؟ هل تستطيع أن تخلق إعصاراً؟ أو تسيره كيف تشاء؟ أو تمنعه من الوصول إلى مكان كذا؟ (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الإسراء: من الآية85).
إنه غرور البشر، ويريهم الله من الآيات ما يخبرهم بحقيقتهم، وحجمهم، وعلمهم: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) (الأنعام: من الآية65)، يخلق من الآيات ما يشاء: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (الإسراء: من الآية59) ولكن من الذي يخاف؟ لا زالت العربدة على القنوات الفضائية، وهي تنقل أخبار الأعاصير، وهذه الآيات المخيفة، ويرجعون إلى ما هم فيه! بعد نقل الخبر يرجعون إلى المعاصي والمنكر! فلا ترى اتعاظاً: (وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً) (الإسراء: من الآية60)، وهكذا رأينا بأنفسنا: كيف يحدث ما يخيف؟
وما يعلم جنود ربك إلا هو
الإعصار من جهة، واستمرار الفساد من الجهة الأخرى، عبرٌ عظيمة، ولكن من يعتبر؟ وهؤلاء البشر بقوتهم العسكرية الكبيرة الضخمة ماذا فعلوا أمام إعصار؟ (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر: من الآية31)، والله تعالى له جنودٌ، ومنها: الريح: (إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا) (الأحزاب: من الآية9) أي من الملائكة.
وقال تعالى عن قوم عادٍ: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) (فصلت: من الآية16) صرصراً يعني باردة (فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى) (فصلت: من الآية16)، (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (القمر:19).
يغير الجو سبحانه كيف يشاء، وهو الذي يتحكم في العالم العلوي والسفلي، وفي الأحوال الجوية، ويقدِّر من التصحّر، وذوبان الجليد، والاحتباس الحراري ما يشاء.
وحسب البشر أن يفهموا ما يحدث، لو استطاعوا أن يفهموا كيفية حدوث هذه الأشياء لكان ذلك عندهم شيئاً كبيراً، ولكن من الذي يصرّفها؟ وأين الذين يتشدقون بصناعة الأمطار، والاستمطار الصناعي، فليأتوا بما يوقف هذا الإعصار إن كانوا صادقين، وهذه الدول الكبرى لم تقدر على وقف الأعاصير التي تهب عليها.
إنه غضب الله وابتلاؤه، إنه يصيب بالبأساء والضراء: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الزمر:62)، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً) (الإسراء:16)، (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) (الأعراف:183).
المصيبة ابتلاء للمؤمنين وانتقام من العاصين
عباد الله
هل يكون الحدث أو المصيبة انتقاماً وابتلاءً في وقتٍ واحد؟ الجواب: نعم؛ فإنها انتقامٌ من العصاة، وابتلاءٌ لأهل الإيمان، في الحدث الواحد الذي يقدرّه ربنا يبتلي به أهل الإيمان، وينتقم به من أهل العصيان، فيكفّر عن أولئك سيئاتهم، ويأجرهم على صبرهم، ويرفعهم درجات بما أصابهم من هذا الابتلاء، وما أذهب به من النفوس والأموال، وما حصل به من الخوف، وكل هذا من الابتلاء.
وكذلك ينتقم الله به من أهل المعصية والكفر والبدعة، ويسلط ما يشاء عليهم سبحانه؛ ولذلك فإن المسلم يسأل الله الرحمة والعافية لإخوانه المسلمين مهما بعدوا عنه، ويحمد ربه أن جنّبه هذا الابتلاء، وعافاه من هذا الإعصار، ولا يكون هذا إلا في أصحاب القلوب الحية.
حكمة المصيبة وواجب العباد
لقد جاءتنا مصيبةٌ قريبةٌ من دورنا، فماذا فعلنا لشكر ربنا إذا عافانا؟ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: من الآية35).
إن هذه المحن والمصائب تعرِّف الناس عزَّ الربوبية وقهرها، وذل العبودية وقسرها، وأن الخلقّ كلَّهم بيده؛ عبيده وملكه، راجعون إلى حكمه وتدبيره، لا مفر لهم منه، ولا مهرب، ولا محيد، ولا محيص.
فالمؤمنون يؤمنون بقدر الله وأفعاله، وأنها جارية على الحكمة والمشيئة، وهو سبحانه وتعالى الحكيم العليم الخبير، أعلم بمن خلق، وأعلم بما يصلح العباد، فقد يصلحهم بابتلاءٍ يبتليهم به، ويقربهم منه، فتلهج ألسنتهم بالدعاء، ويخافون بعد أن أمن الكثيرون مكره، والتهوا بالدنيا والمعاصي عن ذكره، فأعادهم إليه بما ابتلاهم به، لجؤوا إلى الله.
وهكذا يعالج الله نفوس العباد بما يقدّره عليهم، ويخبرهم من خلال هذا الابتلاء بأن الدنيا ليست دار مقر، وأن فيها من المصائب والآلام، والغموم والأحزان، والفقر والشدة، والضنك والمشقة والأذى ما يميّزها عن دار كرامته، ويجعل الفرق بينها وبين جنته عظيماً في أعين الناس، فالدنيا ليس فيها أمانٌ مطلق، وأما الجنة فدار السلام، فيها الأمن المطلق، ثم التنبيه والتحذير للعباد لمن أصابهم، ولمن جاورهم، فيقول: هذه قدرتي، وهذا ابتلائي: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) (الأنعام: 42-43)، ولذلك فإن الواجب التضرع إلى الله، واللجوء إليه.
دعاءٌ بخشوع وتذلّل، ولجوءٌ تامٌ وتوكل، لكن قسوة القلب عند بعض الناس تمنع من الاتعاظ: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43)، فلم يبق إلا أن يُؤخذوا.
وكذلك فإن تعبد الله بانتظار الفرج منه عبادة عظيمة، والمسلم يرجوه، وينتظر فرجه: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران: من الآية179).
وكذلك فإن في الموحدين المسلمين من الرحمة بإخوانهم، ومد يد العون لهم، والدعاء لهم، والوقوف بجانبهم، ما يحملهم على مؤاخاتهم وإعانتهم كما قال عليه الصلاة والسلام: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).[رواه مسلم برقم (4685)]
أحكام متعلقة بركوب البحر
وعندما يحدث مثل هذا الإعصار الذي يرتج به البحر، فإن من الأحكام المتعلقة بذلك عدم ركوب البحر عند ارتجاجه، وقد جاء في الحديث الحسن : ((من ركب البحر عند ارتجاجه فمات فقد برئت منه الذمة)). [رواه أحمد في المسند برقم (19821)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حسن لغيره (3/105)] قال الحافظ بن حجر العسقلاني: "إسناده حسن"، وقال في شرحه: "فيه تقييد المنع بالارتجاج، ومفهومه الجواز -أي جواز ركوب البحر- عند عدمه –أي عدم الارتجاج- وهو المشهور من أقوال العلماء، فإذا غلبت السلامة فالبر والبحر سواء... وأول من ركبه للغزو معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- في خلافة عثمان" [فتح الباري (6/88)]، وكان للمسلمين في البحر غزواتٌ عظيمة.
وكذلك فإنه إذا ارتج جانب البحر، ورأى الناس من علو الأمواج ما فيه التذكرة العظيمة بقدرة الله، فإنهم يستغفرون: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (لأنفال:33). إن هذه الآية وهي قول الله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) تدل على أمانٍ أول، وهو أن وجود النبي عليه الصلاة والسلام في قومٍ يمنع عنهم العذاب الاستئصالي التام الكلي، والأمان الثاني: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال أبو موسى -رضي الله عنه- : كان لنا أمانان، ذهب أحدهما -أي بموت النبي صلى الله عليه وسلم-، وبقي الآخر –أي بالاستغفار-، فمن أصرّ على الذنب فإن العذاب غير ممتنع عنه، وأما من تاب وأناب، وأقلع واستغفر، فإن الله تعالى ينجيه.
اللهم إنا نسألك أن ترفع البلاء عن إخواننا المصابين، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وارزقهم الصبر على ما أصابهم.
اللهم عوّضهم عن خسارتهم، واخلف لهم بخيرٍ يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك لهم العون والفرج والسلامة يا أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين.
أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله علي وعلى آله وصحبه، وذريته وخلفائه، وأزواجه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
خيرية الآمرين وخسة الناقمين على الحسبة
عباد الله
إن من أعظم ما يمنع العذاب عن البلد أن يكون فيها مصْلِحُون؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يُهلك القرى بظلمٍ وأهلها مُصْلِحون، والإصلاح ضد الفساد، والإصلاح محاربة الفساد، والفساد هو المنكر الذي حرّمه الله، وقد فضّل الله هذه الأمة، وجعلها خير أمةٍ أخرجت للناس؛ لأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله.
وأما المنافقون فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف كما أخبر الله.
وإنما الأمر بالمعروف شيمتنا والآمرون به هم خيرة الزمن
الحسبة صمام الأمان للمجتمعات
صمام الأمان للمجتمع هم الذين يأخذون على أيدي الخارقين للسفينة، يأخذون على أيديهم فينقذون الجميع؛ لأن أهل السفينة لو تَركوا الذين يخرقونها لغرقوا جميعاً، فالآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم صفوة الأمة وحصنها الحصين، وهم المفلحون كما وصفهم الله تعالى.
وهذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آدابٌ وأحكام يجب الالتزام بها، وواجب الجميع القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قدر الاستطاعة، وإذا تفرغ له أناسٌ فيجب إعانتهم ومساندتهم، والوقوف بجانبهم.
الأمر يا عمرو بالمعروف مفترض والقائمون به لله أنصار
والتاركون له عجزاًَ لهم عذر واللائمون له يا عمرو أشرار
فلا يلوم أهلَ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا أصحابُ الشهوات، وحثالة المجتمع، فإذا رأيت من ينتقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويشن على القائمين به أنواع الاستهزاء والحملات، والنقد والتشويه فاعلم أنه عبد لشهوة، أو خادم لرذيلة.
وإذا كان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من البشر فلا بد أن يكون لهم أخطاء، لكن المنافقين يتواصون بتضخيم الأخطاء، وتعميمها، واستغلالها بنواياهم السيئة في محاربة هذه الفريضة الإسلامية العظيمة، والسبب واضح ومفهوم؛ وهو أن يخلو لهم الجو ليعبثوا في أعراض العباد كما يشاؤون، فهم يريدون الخوض في الشهوات كما يشتهون، ولا يريدون أحداً أن يقف في طريقهم، ولا أن يعكّر عليهم استمتاعهم المحرم.
وإذا كان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر لا يرضون بهذا الحرام، ولا باستعلانه، فهؤلاء يريدون علناً أن يأخذوا ما يشاؤون فيذهبوا به، وأن يجتمعوا كيف شاؤوا؛ ليعملوا الحرام، فلا شك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعارض مع هذا.
والذين يريدون خرق السفينة، يريدونها بهيمية شهوانية، وحريةً تامة؛ فيتكلمون عن قضية الحرِّيَّة، حرِّيَّة المرأة؛ لأنهم يريدونها سلعة.
لأنهم يريدون الاستمتاع بها كيفما يشاؤون، وإلا فإنك لتستغرب انعكاس الفطرة، فالمرأة هي من أوكل الله لها حراسة البيت، والقيام بالإنجاب، والحمل والإرضاع، والتربية وخدمة الزوج، والحصن الحصين في تلك القلعة، فتستغرب من طلبهم أن تخرج، وتختلط، وتتبرج، وأن تكون مغنيةً ورياضيةً، وممثلةً وسكرتيرةً عند رجلٍ في مكتبٍ مغلق، فما معنى هذا؟ لماذا هذه الدعوات؟ لا شك أن أصحاب الشهوات لا يريدون تعكير مزاجهم في الاستمتاع بالحرام بقضية أناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويمنعون ركوب أجنبيةٍ مع شخصٍ يأخذها إلى مكانٍ ليفجر بها.
إن هذا من أعظم المنكرات، والله يغار، وغيرة الله أن تُنتهك حرماته، وعندما يأتي من يغار لغَيرة الله تعالى، وعلى ما يغار الله عليه، فيسب ويشتم، وينتقد ويُسخر منه، ويُستهزأ به، وينادى بكفّه ومنعه، والتخلّص منه، وأن هذا تخلّف واعتداء على الحرِّيَّات، فما معنى ذلك؟ إطلاق الأمور للشهوات، وإطلاق الأعنّة لهذه الكلاب المسعورة لتعبث في أعراض المسلمين والمسلمات.
عباد الله..
إن الحسبة عبادة عظيمة تدخل في البيع والشراء، تدخل في العلاقات بين الناس لتنظيمها، وإقامتها على وفق الشريعة، تدخل في منع الظلم في المعاملات، واستغلال الإنسان البشع لأخيه الإنسان.
إنها تمنعُ أنواعاً كثيرةً من الظلم، وليست مقتصرةً على منكرٍ واحد، ولكن إذا لم يقم لله تعالى من أهل الإسلام بهذه الفريضة من أمره بذلك: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ)، (وَلْتَكُنْ) هذا أمر (مِنْكُمْ أُمَّةٌ) جماعة وطائفة (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، فماذا سيحل بالناس؟ فالناس ليسوا كلهم من أهل الإيمان والدين، والورع والاستقامة والطاعة، وأنهم سيكفون عن المعاصي، ويعرفون حدود الله ويقفون عندها، ولا يمدون أيديهم وأرجلهم إلى حرام، ولا يرتكبونه من تلقاء أنفسهم، وأنهم مستقيمون على الطاعة والدين، وملتزمون بأحكام الإسلام الظاهرة والباطنة، كلا لن يكون ذلك.
إذاً لا بد من سلطان يردعهم، ولا بد أن يكون هناك من يأخذ على أيديهم، وأن يرفع بأمرهم
لا بد لهؤلاء من عقوبةٍ تمنع وتردع.
ولذلك كان أهل الحسبة، وأهل السلطان، وأهل القضاء في تعاضدٍ مستمر؛ لأجل إقامة المجتمع على الحقّ، وعلى الصراط المستقيم.
فنسأل الله أن يحفظ أهل الخير، وأهل الحسبة، وأهل الطاعة، وأن يهديَ من قصَّر وفرَّط وعصى إلى الصراط المستقيم، وأن يردنا جميعاً إلى الحق والإسلام القويم.
توجيهات للمقبلين على قاعة الامتحانات
وعلى مقربةٍ وساعاتٍ من قاعات الامتحان التي يختبر فيها كثيرٌ من الطلاب والطالبات؛ فإن الحرص على ما ينفع، والاستعانة بالله، وعدم العجز، هذا مما ينبغي.
والدين نصفان: توكلٌ وإنابة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة: من الآية 5)، فالدين استعانةٌ وعبادة، والتوكّل: هو الاستعانة، والإنابة: هي العبادة، فالتوكل هو الاستعانةُ، والإنابة هي العبادة: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة: من الآية23)، والتوكل على الله عظيم، ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبلٍ أُمر بإزالته لأزاله، والواجب على الطالب أن يتبرأ من حوله وقوته، ولا يركن إلى فهمه وذكائه وحفظه، وإنما يتوكل على الحي الذي لا يموت، ثم يبذل الأسباب؛ لأن بذل الأسباب من التوكل الصحيح، وعدم بذل الأسباب خطأٌ كبير، فإنه لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم على ناقةٍ له، فقال: يا رسول الله، أدعها وأتوكل، أو أرسلها وأتوكل؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ((اعقلها وتوكل)).[رواه الترمذي برقم (2441)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1086)] ((اعقلها)) ببذل السبب؛ بربطها، ((وتوكل)) بقلبك على الله، فالالتجاء إلى الله بالدعاء عظيم.
وقد اخترع بعضهم أدعيةً ما أنزل الله بها من سلطان، فيترك الطالب ما يُشاع ويُذاع منها، ويقبل على ما ثبت وجاء.
ومن ذلك دعاء الخروج من المنزل: ((بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).[رواه الترمذي برقم (3348)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (499)]. ((اللهم، إني أعوذ بك أن أضِل أو أُضل، أو أزِل أو أُزل))، وهكذا نقد يضل عن الجواب الصحيح، ويزلّ في الجواب الصحيح فيخطئ، ((أو أظلِم أو أُظلم))، فقد يظلم بغش، وقد يظلم في التصحيح ((أو أجهَل أو يُجهل علي)).[رواه أبو داود برقم (5094)، وقال الألباني: حسن صحيح، انظر الكلم الطيب برقم (60)]، وهكذا قد يعتدي على غيره، أو يُعتدى عليه، ولذلك يغدو من بيته ملتجئاً إلى ربه بهذا، ويسمّي الله قبل البدء.
وقول: بسم الله، فيه استعانة بالله -الباء للاستعانة-، وكذلك التبرّك بذكر اسمه قبل الشروع في الأمور؛ لتكون مباركة، ويكون فيها الخير.
وعلى الطالب أن يتقي الله في زملائه، فلا يثير بينهم قلقاً، ولا فزعاً خصوصاً قبل الاختبار.
وإذا دخل قاعته أكثر من ذكر الله: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: من الآية28)، وإذا نسيَ شيئاً من الإجابة ذكر ربه؛ لأن الله قال: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف: من الآية24).
وإذا فاته شيءٌ، واكتشفه بعد فوات الأوان، فلا يقول : لو ؛ لأن ((لو تفتح عمل الشيطان))، ولكن يقول : ((قدّر الله، وما شاء فعل)).[رواه مسلم برقم (2664)].
وأيضاً فإنه يحذر من السب والشتم، والغيبة والنميمة، وليس من النميمة أن يُخبِر إنكاراً للمنكر عن غشٍ يحصل؛ لأن هذا من إنكار المنكر، وأما ما يفعله بعض الطلاب من سبّ المدرس إذا أتاهم بأسئلةٍ رأوها صعبة؛ لأنهم لم يذاكروا، فإن هذا ظلمٌ واعتداء، وغيبةٌ محرمة.
وكذلك فإنّ على المدرس أن يتّقي الله عزَّ وجلَّ، فيأتي بالأسئلة بالقسطاط المستقيم، فليست القضية قضية تعجيز للطلاب، ولا أيضاً تفويت لمعرفة من اجتهد ممن لم يجتهد، وإنما هو بيْنَ بيْن.
والأسئلة أمانةٌ، وإخفاؤها أمانة، فأما نشرها وإذاعتها، أو بيعها وترويجها على الشبكة وغيرها؛ فإنها من الخيانة، وغشٌ واضحٌ للأمة وللناس.
وإذا كانت هناك أدعيةٌ لم تثبت، فهنالك أدعيةٌ ثابتةٌ، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمرٌ قال: ((يا حي، يا قيوم، برحمتك أستغيث..)).[رواه أبو داود برقم (3446)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (4777)]، وكذلك قال: ((اللهم، لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحَزن – أي الصعب – إذا شئت سهلاً)).[رواه ابن حبان برقم (974)، وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح، انظر تحقيق شعيب الأرنؤوط لصحيح ابن حبان (3/255)].
وحذار من المنشّطات التي تتلف الجهاز العصبي، وإن أدت مفعولاً في البداية، لكنها سمٌ زعافٌ، وتحطيمٌ في النهاية، فإياك وإياها.
والأمانة الأمانة، و((من غش فليس منا)).[رواه الترمذي برقم (1315)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6406)]، سواء كان غشاً بأوراقٍ، أو حركاتٍ، أو أجهزةٍ، والآن الغش بالأجهزة الحديثة والتقنيات: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: من الآية2).
وإن معرفة اختبار القبر، وما أعد الله في الآخرة إنه تذكرةٌ عظيمة: ((من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟)).[رواه أبو داود برقم (4753)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/218)]، (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ) (الصافات: من الآية24)، وهنالك السؤال والحساب، وإذا كان رسوب الدنيا له حل، فإن رسوب الآخرة ليس له إلا النار.
فنسأل الله النجاة يوم الدين، وأن يجعلنا من الفائزين، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: من الآية185).
اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا إنك أنت التوّاب الرحيم.
اللهم كفّر عنا سيئاتنا. اللهم إنا نسألك أن تحشرنا مع الأبرار. اللهم إنا نسألك أن تدخلنا الجنّة مع الأبرار. اللهم ارزقنا الفردوس الأعلى. اللهم إنا نسألك العفو والعافية، والهدى والتقى، والعفاف والغنى.
نعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، ونسألك عيش السعداء، وموت الشهداء.
اللهم إنا نسألك أن تحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.