فليقل خيراً أو ليصمت
حسن الخليفة عثمان
صنفاً من الخلائق بعد حين من الدهر يقضيه قابعاً أمام الكاميرات والشاشات، على أرائك الإستوديوهات بمقرات بث الفضائيات، وفي زخم المنتديات، وغير ذلك من جماهيريةٍ طاغية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الكتابة في منابر صحفية كبيرة، إذا به يتحول أمام نفسه إلى وصيّ على شئون العالم السياسية، والاجتماعية، والحارث القائم على حراسة الهوية، والعقيدة الإسلامية أو الوطنية، بما تفرض عليه -من وجهة نظره- من ضرورة تحصين وصيانة العقول، والبنية المعرفية وخريطة الإدراك للأمة، من خلال المحاضرات والدروس والبيانات والمقالات والحوارات، على مدار اليوم والساعة، وبما يصاحب ذلك من المدح صباحاً والقدح مساءً، أو الثناء ليلاً والهجاء نهاراً!
- التصنيفات: تزكية النفس - الواقع المعاصر -
ليس من لوازم العبقرية وضروراتها أن يكون لك في كل بئرٍ دلو، وفي كل نادٍ مقعد، وفي كل حادثة حديث، ولا من الحكمة بمكان أن تظن أن حركة الأفلاك ستضطرب، وأن الكون قد تتعطل نواميسه إذا فقد إطلالتك ومشاركتك، المتمثلة في تحليلك المنقطع النظير، أو في مقالتك التي تُرغم فيها أنوف الكلمات سجعاً وجناساً حتى تُخرج للقرّاء عبارةً الله أعلم بمعناها ومغزاها، أو في مقطع فيديو، تُسكن فيه من تشاء الفردوس الأعلى من الجنان، وترسل به من تشاء إلى سقر في قعر النيران.
وإنما الحقيقة في كل ما سبق، هي أن صنفاً من الخلائق بعد حين من الدهر يقضيه قابعاً أمام الكاميرات والشاشات، على أرائك الإستوديوهات بمقرات بث الفضائيات، وفي زخم المنتديات، وغير ذلك من جماهيريةٍ طاغية على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الكتابة في منابر صحفية كبيرة، إذا به يتحول أمام نفسه إلى وصيّ على شئون العالم السياسية، والاجتماعية، والحارث القائم على حراسة الهوية، والعقيدة الإسلامية أو الوطنية، بما تفرض عليه -من وجهة نظره- من ضرورة تحصين وصيانة العقول، والبنية المعرفية وخريطة الإدراك للأمة، من خلال المحاضرات والدروس والبيانات والمقالات والحوارات، على مدار اليوم والساعة، وبما يصاحب ذلك من المدح صباحاً والقدح مساءً، أو الثناء ليلاً والهجاء نهاراً!
شهدت الساحة السياسية في الآونة الأخيرة أحداثاً هامة، -إن لم تكن جساماً في دلالاتها وأبعادها وتفاصيلها، وقد آثرنا عدم تناولها بالرأي أو التعليق- ليس آخرها المؤامرة القذرة التي تم بموجبها تسليم اليمن إلى الميليشيات المسلحة، أو ما تضمنته كلمة الرئيس محمد مرسي في المحكمة، كما أنه ليس أولها التطورات المتلاحقة على مدار الساعة وليس اليوم في الموقف الإقليمي والعالمي المحيط بالشأن العربي عامة والشأن المصري والسوري خاصة، ولما كنا في ذلك من الذين لا يقعون تحت طائلة القاعدة التي تفرض عدم تأخير البيان عند الحاجة إليه، فقد وسعنا أن نفئ إلى الأخرى التي تقضي بأنه لا يُنسب لساكت قول.
25 يناير القادم 2015 حدده البعض بالقطع واليقين والجزم الذي لا لبث فيه، موعداً لسقوط الانقلاب في مصر، في تعهد واضح وصريح أمام الأمة بل وزاد وأكد أن من يظن أن 25 يناير القادم سيكون كسابقاته فهو واهم.
وأياً كان التقييم أو التوقع للموقف، وأياً كان الرأي في المرحلة برمتها وأسلوب إدارتها، فهذا لا يبرر أبداً ولا يسيغ للمرء أن يتحول إلى ما يبدو أنه عقبة في وجوه العاملين، أو يتحول إلى ثرثار ناعق في كل نادٍ يخطب ويهرف بما يعرف وما لا يعرف، ولن يخسر المرء كثيراً إذا التزم الصمت والأناة في المواقف التي قد يراها البعض مهمة وحرجة، وقد يلقي عليه غيره فيها باللائمة والتسبب في تثبيط العزائم وبث الخذلان في النفوس إن هو تكلم في حال يسعه فيها الصبر والصمت.
وإننا إزاء ما يسعى إليه الساعون، وما أعلن عنه المشاركون المنضبطون بالنضال، والتظاهر السلمي الراقِ في ذكرى ثورة 25 يناير القادم، فإن من الخير أن نذكّر النبلاء والمناضلين طلباً لحريتهم، ودفاعاً عن إنسانيتهم وكرامتهم، في مواجهة الطغاة والمستبدين، بما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وصل اللهم وسلم على الذي قال: « » (صحيح البخاري:6475).