السقوط الأخلاقي والعسكري للحوثيين
الحوثي -في الأخير- سيخسر كل من اعتقدوا أنه ملاذهم الجديد للخروج باليمن إلى بر الأمان، فثمة أطراف مدنية في صنعاء، ومدن يمنية أخرى صفقت للحوثي؛ لأنها اطلعت على الوجه المدني والناعم لهم في موفمبيك، إضافة إلى ممارسات فردية تسعى لتقديم دورٍ مدني في تلك المدن.
ثمة من يفهم ويتحرك في محيطه بثقافة أن "الصميل خرج من الجنة"، حيث تصبح تصرفات ذلك الفرد أو تلك الجماعة مبنية على ثقافة: "أن بالقوة يمكن أن تحصل على كل ما تشاء"، دون مراعاةٍ لمشاعر أو قناعات الأطراف الأخرى المحيطة بك، وهذه الثقافة هي ذاتها التي تنطلق منها الحركة الحوثية "الإثنا عشرية" في اليمن.
رغم محاولة إلصاق التيار الحوثي لنفسه في سياق الثورة الشبابية، لكنه في ذات الوقت يمارس ذات الثقافة التي مارسها طغاة العرب الذين ثارت شعوبهم ضدهم في دول الربيع العربي.
الحركة الحوثية تلعب اليوم في أكثر من ملعب، مستغلة الثقافة الشيعية في ممارسة "مبدأ التقية"، وهو "مبدأ قائم على أن تُظهِر خلاف ما تبطن"، بل تعَد التقية إحدى العقائد المهمة في مسيرة هذه الجماعة.
الحرب الدائرة في دماج اليوم كشفت سوأة الحوثيين عبر أكثر من وجه، فهناك سقوط عسكري مدوٍّ لأوهام أن مقاتلي الحوثي عناصر لا تهزم، وهي حقيقة يعلمها من هو على اطلاع بالشأن القريب لهذه الحركة "الأسرية" منذ وقت مبكر.
الحوثيون تعرضوا لنكسات وهزائم عسكرية قاسية ففي محافظة الجوف عام 2011، تعرضوا لهزائم فادحة، وسقطوا عسكريا أيضا في محافظة حجة، واليوم يتكرر المشهد لكنه أكثر وضوحًا وحضورًا على الصعيد المحلي والدولي، كون الحوثيين فتحوا لأنفسهم جبهة حرب طائفية، في محاولة منهم لاستئصال عرقي للبقية الباقية من أهل السنة في دماج، لكن هذه المرة كسرت الجرة - كما يقال - وكان الكسر في رؤوس الحوثيين.
على مقياس النتائج العسكرية ميدانيًّا، فإن النتائج الأولية للحرب - خلال الأسابيع الماضية - تتحدث عن هزيمة عسكرية فاضحة بحق الحوثيين، ليس فقط، ولكنها هزيمة في عقر دار "السيد عبد الملك الحوثي"، الذي يعتقد أن صعدة أصبحت مملكة خاصة به، لكن دماج قتلت آماله، ناهيك عن عجز مقاتلي الحوثي وعدم قدرتهم التقدم شبرًا واحدًا في الجبهات التي يسيطر عليها أهل دماج، إضافة إلى انتزاع السلفيين وجبهة النصرة العديد من المواقع الحوثية سواء في دماج أم غيرها من مواقع المواجهات.
من السقوط العسكري للحوثيين - أيضًا - هو الكم الهائل من القتلى في صفوفهم، حيث تتحدث مصادر قبلية عن مقتل أكثر من 500 قتيل في كل الجبهات القتالية التي استحدثها "حلف النصرة" في كل من: "دماج كتاف حرض"، إضافة إلى العتاد العسكري الكبير الذي غنمه مقاتلو حلف النصرة.
كما لا يمكننا تجاهل ما يحدث للحوثيين من تكبد خسائر فادحة، خاصة بعد تدمير دبابتين - إضافة إلى 7 مدرعات وعدد من الأطقم العسكرية كانت بأيديهم، وكل تلك الترسانة العسكرية تم نهبها من الجيش في حروبهم السابقة، وهي ضربات موجعة في قلب الترسانة العسكرية الكبرى للحوثيين التي يتحدوا خصومهم بها.
أما السقوط الأخلاقي فقد تعامل الحوثيون مع تداعيات الحرب بصورة أفقدتهم كل معاني القيم الإنسانية والأخلاقية.
تاريخ الحروب لم يتحدث عن انتزاع الإنسانية بشكل كلي كما حصل من ممارسة من الحوثيين ورفضهم القاطع في إنقاذ الجرحى في جبهة دماج، وتعاملهم الفج مع كبرى الجهات الإنسانية الطبية والإغاثية، وفي مقدمتها الصليب الأحمر.
حتى إسرائيل لم تفعل كما فعل الحوثيون، فقد سمحت بإنقاذ جرحى الفلسطينيين، إضافة إلى فقدانهم كل معاني التقدير السياسي مع الأطراف السياسية في البلد، وتحديدًا تعاملهم المهين مع اللجنة الرئاسية التي تسعى جاهدةً ليل نهار في إيقاف نهر الدم، بل وصل الحد إلى تلقيهم الإهانات يوماً بعد يوم كما صرح بذلك رئيس اللجنة الرئاسية أ/ يحيى أبو أصبع لوسائل الإعلام.
وقبل الأخير أعتقد أنه على الحوثيين أن ينخلعوا من أكفان "التقية"، وعليهم الخيار بين تقديم أنفسهم كحركة مدنية كما قدموها في موفمبيك، أو الإصرار أن يظلوا كمليشيا مسلحة ظهرت لليمنيين وحشيتها ودمويتها الموغلة في العنف، وعدم الاعتراف بالآخر، بل وتسعى إلى تقديس الشخوص وتقسيم المجتمع اليمني إلى طبقتين "قناديل السادة - وإلى زنابيل - أبناء القبائل وبقية مكونات الشعب".
حرب دماج اليوم توحد اللحمة اليمنية، وتقضي على الطائفية والسلالية والمناطقية ليقف الجميع خندقًا واحدًا ضد هذا الفكر.
من يصدّق أن مقاتلي أبين ومأرب وشبوة في الصفوف الأولى لحلف النصرة، ومن كان يظن أن دماج ستوحد بين كافة الأطراف المتدينة، أو كما يطلق عليها البعض "الإسلامية" حتى تنظيم القاعدة دخل على الخط بقوة، معلنًا أنه سوف يتم تأديب الحوثيين ومعاقبتهم - حسب بيانهم-.
لا ننسى في الأخير أن الحوثي بنهجه الإقصائي سيوسع من رقعة التمرد الحوثي الحوثي أولًا، والتمرد الجغرافي ثانيًا، ناهيك عن مراجعات رجال القبائل الذين باتوا يفقدون أبناءهم كل يوم في جبهات "لا ناقة لهم فيها ولا جمل" سوى من أجل السيد "عبدالملك الحوثي"، فلا يوجد هناك - أصلًا - شيء اسمه إسرائيل أو أميركا.
الحوثي -في الأخير- سيخسر كل من اعتقدوا أنه ملاذهم الجديد للخروج باليمن إلى بر الأمان، فثمة أطراف مدنية في صنعاء، ومدن يمنية أخرى صفقت للحوثي؛ لأنها اطلعت على الوجه المدني والناعم لهم في موفمبيك، إضافة إلى ممارسات فردية تسعى لتقديم دورٍ مدني في تلك المدن.
أظن أن على الحوثي التحرك بجدية، خاصة من أولئك المناصرين الذين رأوا فيه أملًا جديدًا لليمن لتحديد موقف صريح من حركة تعتمد القوة في تصفية خصومها السياسيين والدينيين.
أحمد عائض
- التصنيف:
- المصدر: