مُصافَّة الصـبي المميِّز
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مليكة رضي الله عنها دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه فقال: «قوموا فلأصلي بكم»، فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم معي والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين (متفق عليه).
- التصنيفات: فقه الصلاة -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
في لقائنا المتجدد الذي خصص لبيان أحكام الإمامة والائتمام نتناول مسألة تتعلق بالصفوف، وهي هل يجوز أن يدخل الصبي المميِّز الصف مع الرجال؟
والمسألة على قسمين: مصافة الصبي المميز في الفرض، ومصافته في النفل.
فأما في الفرض: فقد أجازها جمهور العلماء، وهم الأحناف والمالكية والشافعية واختاره من الحنابلة ابن عقيل. وعند الحنابلة أن مصافته لا تصح، وهو المنصوص عن الإمام أحمد كما في الإنصاف (انظر الإنصاف [2/287])، وهو الصحيح من مذهبهم.
أدلة الجمهور:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مليكة رضي الله عنها دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه فقال: « »، فقمت إلى حصير لنا قد اسودَّ من طول ما لبث، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم واليتيم معي والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين (متفق عليه).
ووجه الاستدلال هو أن اليتيم صف مع أنس، فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، والسكوت منه إقرار. ومعلوم أن اليتيم من مات أبوه ولم يبلغ الحلم، ولا فرق في المصافة بين الفرض والنفل.
الدليل الثاني: عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبيه: « » إلى أن قال: "فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين" (رواه البخاري)، فدل الحديث على جواز إمامة الصبي المميز، فإذا جازت إمامته فمصافته تجوز من باب أولى.
وقد علل المخالفون للجمهور: بأن المميز لا تصح إمامته، فلا يصح أن يصافهم كالمرأة! (المغني لابن قدامة [2/214])، وبأنه يخشى أن لا يكون متطهراً، فيقطع الصف ويصير البالغ فذاً (انظر القواعد والفوائد الأصولية ص [20]).
والراجح هو قول الجمهور؛ لقوة ما استدلوا به وصحته وصراحته، وكون التعليل الذي علل به المخالفون منقوضاً بحديث أنس وحديث عمرو بن سلمة، وهما واضحان جداً في الدلالة على المراد.
الحالة الثانية: مصافة الصبي المميِّز في النفل:
المذاهب الأربعة: الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة ذهبوا إلى جواز مصافة الصبي المميز في النفل، واستدلوا على ذلك بحديث أنس السابق في مصافته لليتيم في النفل مع النبي صلى الله عليه وسلم. ولما كان النص صريحاً في النفل قال به الحنابلة بينما لم يقولوا به في الفرض. والله تعالى أعلى وأعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.