جمعة أمين فقيد المهاجرين المعاصرين
إنني إذ أنعي إلى الأمة الإسلامية الشيخ والأستاذ (جمعة أمين رحمه الله)، فلست أنعي ذلك الرجل صاحب المؤلفات والعلم الغزير، أو المربّي الذي ربّى أجيالاً بفعاله ولسانه، وبنفسه وماله، فكم بذل من عمره ودهره في سجون الطغاة المستبدين ومعتقلاتهم، وكم كان له من مواعظ ودروس، وسلوكٍ حسنٍ كان أبرزها الزهد والعزوف عن الظهور وتصدر الشاشات، وكم أنشأ من مدارس وأشرف عليها وعلى إدارتها حتى وافته المنية وهو على ذلك..
{وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل41:].
جاء في تفسير القرطبي باختصار: "{وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} معنى الهجرة هي تَرْكُ الْأَوْطَانِ وَالْأَهْلِ وَالْقُرَابَةِ فِي اللَّهِ أَوْ فِي دِينِ اللَّهِ، وَتَرْكُ السَّيِّئَاتِ، وَقِيلَ: {فِي} بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ لِلَّهِ، {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} أَيْ عُذِّبُوا فِي اللَّهِ.
وقال قتادة: المراد أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليهِ وسلّم، ظلمهم المشرِكون بِمكّة وأخرجوهم حتّى لحِق طائِفة مِنهم بِالحبشةِ، ثمّ بوّأهم اللّه تعالى دار الهِجرةِ وجعل لهم أنصارا مِن المؤمِنِين. والآية تعمّ الجمِيع، {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} فِي الحسنةِ سِتّة أقوالٍ منها: النّصر على عدوِّهِم قاله الضّحّاك، ولِسان صِدقٍ حكاه ابن جريجٍ، وما بقِي لهم فِي الدّنيا مِن الثّناءِ، وما صار فِيها لِأولادِهِم مِن الشّرفِ، وكلّ ذلِك اجتمع لهم بِفضلِ اللّهِ، والحمد لِلّهِ، وروِي أنّ عمر بن الخطّابِ رضِي اللّه عنه كان إِذا دفع إِلى المهاجرين العطاء قال: هذا ما وعدكم اللّه فِي الدّنيا وما ادّخر لكم فِي الآخِرةِ أكثر، ثم تلا عليهم الآية" (انتهى كلام القرطبي رحمه الله).
لماذا نكتب هذه الكلمات التي قد تبدو من نوافل الكلم عند البعض، ومن واجباته عند الآخرين، لا سيما أن الحقوق تتفاوت فيما بينها وجوبًا وندبًا، حسب الأحوال والقدرة، والتي كثيرًا ما ترتبط بالزمان والمكان، وقد شاء الله أن نكون فيما كان فيه الراحل رحمه الله..
- من حال غربة وهجرة وسفر، نأمل ونرجو من الذي لم يخب من وقف على بابه، ولم يضل من سعى إليه، أن يجعل أعمارنا وأعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم عز وجل.
إنني إذ أنعي إلى الأمة الإسلامية الشيخ والأستاذ (جمعة أمين رحمه الله)، فلست أنعي ذلك الرجل صاحب المؤلفات والعلم الغزير، أو المربّي الذي ربّى أجيالاً بفعاله ولسانه، وبنفسه وماله، فكم بذل من عمره ودهره في سجون الطغاة المستبدين ومعتقلاتهم، وكم كان له من مواعظ ودروس، وسلوكٍ حسنٍ كان أبرزها الزهد والعزوف عن الظهور وتصدر الشاشات، وكم أنشأ من مدارس وأشرف عليها وعلى إدارتها حتى وافته المنية وهو على ذلك..
وإنما أنعي رمزًا وعلمًا من أعلام ورموز الرعيل الأول، الذين استضاءت الدنيا ببركة جهادهم وصبرهم، وما تحمّلوا من لأواء وعنت، وأوجدوا في الظلام طريقًا منيرًا اهتدى السائرون بهديه، وآب الآيبون بزاد فضله، ففاء من فاء إلى فطرة ربه، التي لطالما حيل بينهم وبينها عقود عددا.
فاضت روح الشيخ والأستاذ في غربته في لندن، ومن قبله فاضت روح أخيه الداعية الشيخ (محمد مختار المقرئ رحمه الله)، لتمضي قافلة الدعاة الأخيار الذين يقدمون أنفسهم وأعمارهم قبل أن يقدموا كتبهم وكلماتهم، بذلا وعطاء لما أشرق في قلوبهم من ضياء، ملأ الدنيا عبقا وأريجا، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وحب الخير للناس جميعًا، سافروا إلى الله بقلوبهم قبل أن يسافروا إليه بأبدانهم، إنهم قوم رحلوا عن الدنيا بأبدانهم وعاشوا فيها بعظيم آثارهم.
- التصنيف: