أدب الهاتف الجوال
محمد صالح المنجد
إنها وسائل عظيمة يحملها الناس في جيوبهم اليوم، يتصلون بها ويتصل بهم، ويستقبلون بها الرسائل، ويرسلون، ويحسبون، ويسجلون، وللمواقع يتصفحون، إنها ملفات وحواسيب، وعدة أجهزة في جهاز واحد، والله يخلق ما يشاء، ويُعلِّم البشر ما لم يكونوا يعلمون، ومثل هذه النعم ينبغي أن تستثمر في طاعة الله تعالى، وفيما أباحه لنا، وأن يعلم العبد أن لله فيها آداباً وأحكاماً، وهذا يبين أن الاتصال حاصل بين الدين والحياة، وأن الدين غير منفصل عن نواحي الحياة، وما يستعمل فيها من أجهزة، إنه أمر تتبين به شمولية الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأنه مهما استجد من المخترعات، والمبتكرات، والأجهزة، والآلات؛ فإن للشريعة فيها أحكام، ومواقف، وآداب، وأخلاق.
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
عناصر الخطبة :
1. الجوال من نعم الله علينا.
2. آداب هاتف الجوال.
3. المرأة والجوال.
4. حكم النغمات الموسيقية في الجوال.
5. بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالجوال.
6. فوائد الجوال في الدعوة إلى الله وبيان كيفية ذلك.
7. تابع للأحكام الفقهية للجوال (الطلاق والنعي عن طريق الجوال).
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
الجوال من نعم الله علينا
أما بعد:
الحمد لله الذي جعل لنا من النعم ما لا نحصي، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)(سورة النحل:18) أي: يتجاوز عنكم ما قصرتم فيه من شكر نعمه، وهذه النعم العظيمة التي أنعم بها سبحانه وتعالى علينا في كل ما علَّمنا، (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(سورة النحل:8)، وخلق لنا من الأشياء ما يسر الحياة، وسهل السبل، ومن ذلك وسائل الاتصالات النافعة التي قربت البعيد، واختصرت المسافات والأزمنة، ويسرت الأعمال والمهام، والقيام بصلة الأرحام.
إنها وسائل عظيمة يحملها الناس في جيوبهم اليوم، يتصلون بها ويتصل بهم، ويستقبلون بها الرسائل، ويرسلون، ويحسبون، ويسجلون، وللمواقع يتصفحون، إنها ملفات وحواسيب، وعدة أجهزة في جهاز واحد، والله يخلق ما يشاء، ويُعلِّم البشر ما لم يكونوا يعلمون، ومثل هذه النعم ينبغي أن تستثمر في طاعة الله تعالى، وفيما أباحه لنا، وأن يعلم العبد أن لله فيها آداباً وأحكاماً، وهذا يبين أن الاتصال حاصل بين الدين والحياة، وأن الدين غير منفصل عن نواحي الحياة، وما يستعمل فيها من أجهزة، إنه أمر تتبين به شمولية الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، وأنه مهما استجد من المخترعات، والمبتكرات، والأجهزة، والآلات؛ فإن للشريعة فيها أحكام، ومواقف، وآداب، وأخلاق، ومن ذلك:
آداب هاتف الجوال
- مراعاة أحوال الناس عند الاتصال، وعدم إقلاق راحتهم، فقد يكون مريضاً، أو صاحب حاجة، أو مستعجلاً، أو مشغولاً، أو أماً مرضعة، أو مشتغلاً بضيوفه، ولذلك فإن فقه المسلم لقوله تعالى: (وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)(سورة النور:28) يحمله على أن يتأدب الأدب، وألا يسيء الظن بصاحب الهاتف إذا اتصل عليه فلم يستقبل مكالمته، أو قطع الرنين، فلا يقول له: أغلقت الهاتف في وجهي، ورفضت استقبال مكالمتي، وهو يعلم قول الله تعالى: (وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)(سورة النور:28)، وإذا كان الذي أتى الباب فطرقه؛ فرُد من الباب يجب عليه أن لا يغضب، وألا يلوم صاحب البيت؛ فإن له حقاً، فكذلك المتصل عليه له حق، فأما إذا كان المتصل عليه هارباً من حق؛ فإنه لا يجوز له أن يتهرب من دين عليه لمن يتصل به.
- الحذر من أنواع الإيذاء بالجوال، وهي متعددة، وبالهاتف الثابت أكثر قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)(سورة الأحزاب:58) فهؤلاء يتحملون الإثم العظيم، إذ لا يجوز إزعاج المسلم، وهذا يجعل المتصل يتحرى؛ من صحة الرقم الذي يتصل به، وأنه يقصد صاحبه فعلاً، ويتأدب بآداب الشريعة بالبدء بالسلام وهو تحية الإسلام، وعلى المتصل به أن يرد برد السلام، فهذا من شعائر ديننا.
- ومن الآداب: أن يُعرِّف بنفسه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يطرق الباب قال: ((من ذا)) قال: أنا، فقال: ((أنا، أنا)) كأنه كرهها[1]. متفق عليه، وعليه كذلك ألا يحرج من يتصل به فيقول: أما عرفتني، هل نسيتني، بل يُعرِّف بنفسه لأن هذا هو أدب الشريعة.
- وعليه ألا يتحدث بلا حاجة، وألا يضيع الوقت، فكثير من الأوقات تضيع - والأموال تبع للأوقات - بالخوض فيما لا يعني، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))[2]، وهذه تحصل اليوم بالجوال كثيراً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال فيما يحرج المسئول، ولا يفيد السائل.
- ومن الآداب: أن يغض من صوته لقوله تعالى: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ)(سورة لقمان:19)، وهذا فيه مراعاة الأدب الجم وخصوصاً مع الوالدين، والعالم، ومن ينبغي توقيره؛ إلا أن يكون ثقيل السمع يحتاج إلى رفع صوته لإسماعه؛ فيرفع صوته حينئذ للحاجة.
- وبعض الناس يحرجون إخوانهم المسلمين بأن يتصل به ثم يغلق الخط ليكلفه مؤونة ونفقة الاتصال به هو وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))[3].
- وكذلك فإنه لا يجوز استعمال هذا الجوال الذي صار آلة للتصوير في تتبع عورات المسلمين، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، وإيذاء عباد الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله))[4]حديث صحيح رواه الترمذي.
- وكذلك التجسس على الناس بتسجيل مكالماتهم وهذا مخالف لقوله تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا)(سورة الحجرات:12)، وقد يتصل بعضهم فيستدرج الآخر إلى كلام لا يريد أن يقوله أصلاً لكنه يستفزه ليقوله، ثم يسجله كي يبتزه به بعد ذلك، وكثيراً ما تفعل بعض الذئاب البشرية هذا مع الفتيات، وربما لا تكون الفتاة أصلاً من صاحبات ممشى السوء، لكنه يستدرجها حتى يستخرج منها من الكلمات ما يبتزها به بعد ذلك، ويستدرجها للحرام، وهذا حرام ولا شك.
وكذلك فإن تسجيل مكالمة من لا يعرف أنك تسجل مكالمته فيه حرج شرعي واضح بل قد يكون مكراً، وخديعة، ونوعاً من الخيانة.
وكذا فتح سماعة الهاتف الخارجية ليسمعه من حولك وهو لا يعلم أنهم يسمعونه، ويظن أنه يحادثك سراً، والمجالس بالأمانة، فإذا أسمعت الآخرين الكلام الذي استأمنك عليه فهذه خيانة للأمانة.
وصار استعمال الجوالات والهواتف للمقالب، والإيقاع بالناس، واستدراج بعض ذوي الهيئة لابتزازهم، أو إيقاعهم في الحرج والألم؛ تسلية بزعم البعض، بل صار وللأسف ديدناً لبعض هؤلاء الأشرار الذين يستعملون الجهاز لتقليد أصوات النساء، ويستعملون ذلك ابتزازاً للمال أحياناً ليعيد لهم الضحية تعبئة رصيد جوالاتهم استدراجاً له، فيقع الطرفان في الإثم: هذا لأنه يسير وراء من يحسبها أنثى بالحرام، والآخر لأنه يريد سرقة المال منه، وتقليد صوت الأنثى من قبل الرجل؛ وهذا العمل صاحبه ملعون لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.[5] رواه البخاري، وربما انتحل بعض المتصلين صفة صاحب مسؤولية، أو موظف له موقع حساس كي يروع أخاه المسلم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: ((لا يحل لمسلم أن يروع مسلماًَ))[6] رواه أبو داود وهو حديث صحيح، وبعضهم يتفق مع بعض أصحابه أن يتصلوا به وهو في المجلس مع آخرين ليبين لهم نوعاً من المكانة، ويتشبع بما لم يعط، ويكون كلابس ثوبي زور، وربما أرادها استدراجاً لأموالهم، وأن يتظاهر أمامهم بأنه شخص له أهمية يلاحقه التجار، ويريدون عقد الصفقات معه، فتأمل كم استعمل هذا الجهاز في أنواع من المحرمات، وأكل المال بالباطل، وما أدراك ما أكل المال بالباطل من هؤلاء الذين يرسلون الرسائل وفيها: مبروك كسبت خمسين ألفاً، أو كسبت سيارة؛ ليقوم الذي وصلته الرسالة بالاتصال؛ فيخصم عليه أول ما يتصل كذا وكذا من الريالات، ومثله اتصل وشارك بالمسابقة الفلانية، وعلى السحب الفلاني؛ وهذا حرام، حتى لو كان جاداً في المسابقة؛ لأنها ميسر، يدفع المتصلون فيها ما يدفعون ليشتركوا في سحب أو انتخاب للأرقام إلكترونياً فيفوز العدد النادر، ويخسر الآخرون، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)(سورة البقرة:188)؛ ولا شك أن هذا الميسر الذي يكون بالجوالات، والاتصالات؛ من أكل أموال الناس بالباطل، ((لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به))[7]، واسأل الأرقام السبعمائة وغيرها عما فعلته هذه المسابقات الآثمة الظالمة بفواتير الهاتف لعباد الله، وبعضهم آثمون مشاركون، وبعضهم قد غروهم فهم جاهلون لا يدرون عن القصة إلا عند انقطاع الخدمة، أو استلام الفاتورة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(سورة المائدة:90)، وكم أعانت ودعمت من قنوات الرذيلة، ونشر الفساد الفضائي في الأغاني، والفيديو كليب، وغيره، وكم صارت المشاركة لهم في الإثم والعدوان قائمة عبر رسائل sms وغيرها التي ترسل إلى هذه القنوات فهي مدخول رئيس، بل ربما يكون هذا أعظم مجالات الربح لديهم، وتأمل فيما يهدر من أوقات العمل بهذا الجوال الذي يتكلم به في ذلك الوقت لغير مصلحة العمل المدة الطويلة مما يُفوت على صاحب الحق حقه من رب عمل، أو مراجع، أو غير ذلك.
والإسراف الحاصل بهذه المكالمات داخل في النهي الذي نهانا الله عنه بقوله: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(سورة الأعراف:31)، وأخبر بأنه لا يحب المسرفين، وبعض الناس قد تحملوا أحمالاً باهظة بسبب هذه الفواتير مما أدى إلى طلاق الزوجات، وخراب البيوت، وتقطيع العلاقات الاجتماعية بسبب ذلك.
وتأمل ما يحدث من الحوادث أثناء قيادة السيارات عندما تستعمل هذه الجوالات، ويفقد التركيز في قيادة الآلة التي يمكن أن تكون أداة للقتل بسبب عدم الانتباه للطريق الذي يحتاج إلى تركيز كثير في غمرة المسرعين، والمجانين، والمتهورين، والمخالفين، وبعض الإحصاءات تذكر أن نسبة مئوية عالية من الحوادث تكون بسبب استعمال الهاتف أثناء قيادة السيارة، حتى صارت عند بعض الخبراء السبب الثاني بعد السرعة في أسباب الحوادث، بل قالوا: إنها تضاعف احتمالات وقوع الحوادث بنسبة 400% أي: استعمال الجوال أثناء قيادة السيارة، وفقدان التركيز.
- ومن الآداب: أن لا يرد به في بيت الخلاء على السلام؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، وقد مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام قاعد يقضي حاجته فسلم عليه فلم يرد[8]، قال النووي رحمه الله: "فيه أن المسلِّم في هذا الحال لا يستحق جواباً، وهذا متفق عليه"[9] لكن المتصل في كثير من الأحيان لا يعرف أن صاحب الجوال أصلاً في هذا المكان، ولذلك فعليه أن لا يرد أصلاً، وذكر الله في أماكن قضاء الحاجة منهي عنه، وقد كرهه أهل العلم وذموه، وذلك أن ذكر الله ينبغي أن ينزه عن أماكن النجاسات، وقضاء الحاجات.
- وقد يحصل من أنواع الضرر بسبب عدم إغلاقه في بعض الأماكن ما يؤكد على الانتباه لهذا الأمر؛ كالطائرات أثناء إقلاعها وطيرانها، والمستشفيات، وبعض الأجهزة الحساسة المرتبطة بأمور حيوية، وكذلك التشويش على الناس في أماكن عبادتهم في البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وفي أحب البقاع إلى الله وهي المساجد، حيث صارت مسرحاً للموسيقى، واستعراضاً للنغمات، فتسمع هذه الأصوات حتى يظن الإنسان نفسه أمام إذاعة، أو شاشة، أو مسرح، وهذا يدل على قلة الغيرة على بيوت الله، وقلة الاحترام لهذه الأماكن التي يعبد فيها الله، وتصلى الجماعات، وتقام الجمع، ويكون الاعتكاف، والذكر، والتلاوة، وحلق العلم.
المرأة والجوال
عباد الله:
إن للمرأة والجوال شأن عظيم وقد قال تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا)(سورة الأحزاب:32) وينبغي أن نعرِّف نساءنا، ونذكر، ونؤكد، وننصح، ونحذر من هذه القضية فإن المرأة بطبيعتها في صوتها لين، وترخيم، ورقة، وخضوع، فكيف إذا تقصدت ذلك، وزادت منه، والحديث مع الرجل الأجنبي بهذا فتنة ولا شك، وإيقاع له في الفتنة، ونحن نعلم بأن الأذن طريق إلى القلب يؤثر فيه، وينكت النكت نكتة إثر نكتة، وهذه النكت السوداء إذا علت القلب صارت راناً يغلفه (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(سورة المطففين:14)، وكم سقط إنسان في رذيلة بسبب الكلام بينه وبين امرأة أجنبية عنه عن طريق هذه الأجهزة التي صارت مفتاحاً للشرور، ومن هذا النوع تبدأ الفاحشة، وتؤدي إلى أنواع من الكبائر التي حرمها الله تعالى، وبالغ في ذكر إثمها، وشناعتها، وقبحها، وأنها فاحشة وساءت سبيلاً.
حكم النغمات الموسيقية في الجوال
عباد الله:
وإن جعل هذه الأجهزة مجالاً للمحرمات من الأغاني، والموسيقى، ولهو الحديث الذي يصد به عن ذكر الله، والنغمات المحرمة التي تُحمل من المواقع، والمحلات، والحواسيب التي صارت اليوم رمزاً لبعض الناس، وواجهة، ودلالة على ما يعجبه، وما تعلق قلبه به من هذه الألحان، والكلمات، والمغنيين والمغنيات؛ إنها سوء كبير، وقد أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء عن حكم النغمات الموسيقية في الجوال فقالت: "لا يجوز استعمال النغمات الموسيقية في الهواتف، أو غيرها من الأجهزة؛ لأن استماع الآلات الموسيقية محرم كما دلت عليه الأدلة الشرعية، ويستغنى عنه باستعمال الجرس العادي"[10]، وبعض الناس يعمد إلى استعمال الآيات القرآنية، وكلمات الأذان في رنات الهاتف، وفي هذا بعض المحاذير ومنها:
- تعريض ذكر الله من القرآن وغيره إلى الامتهان عندما تنطلق هذه الأصوات داخل بيت الخلاء مثلاً.
- أن تقطع الآية في موضع غير مناسب مثل: يسألونك عن الأنفال قال الأنف، وتأتي المكالمة.
- أن توقير كلام الله يقتضي أن لا يجعل مجرد وسيلة تنبيه لمكالمة؛ لأن الله أنزله ليكون حياة للقلوب، ليتدبر الإنسان الآية عند سماعها، وليس للتذكير بورود مكالمة (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)(سورة الحج:32)، وإن من الأدب مع الله؛ الأدب مع كلامه، والأدب مع بيوته ومساجده، والأدب مع عباده، والذي يمكث في المسجد يرابط في انتظار الصلاة، أو يحضر خطبة الجمعة، أو حلقة العلم، أو يصلي مع الجماعة، أو يعتكف؛ فإنه لا يصح له أن يؤذي، ولا أن يؤذى بهذا.
عباد الله:
إن المسلم ينبغي أن يكون حريصاً باستمرار على طاعة الله في كل زمان ومكان، وأن يكون له مع كل هذه المستجدات، والآلات؛ وقفات يعرف بها أحكام الشريعة، وآدابها.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، هذبنا بشرعك، واجعلنا بالقرآن عاملين مستمسكين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله، وأصحابه، وخلفائه، وأزواجه، وذريته الطيبين، وأتباعهم إلى يوم الدين.
بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالجوال
عباد الله:
ينبغي للمسلم أن يتأدب مع الله في كل حين، فعندما يكون في صلاته واقفاً بين يدي ربه؛ فينبغي أن يكون متأهباً لذلك، قد قطع العلائق والعوائق، وكل ما يجعل القلب يتعلق بشيء خارج الصلاة، وما يتعلق بمعيق يعيق عن الخشوع ويزيله، ومن ذلك أجراس الجوالات، والنغمات المحرمة خاصة؛ لأنها ليست مباحة في الأصل، فإذا كان الجرس العادي يشغل، وينبغي إسكاته وإغلاقه قبل دخول المسجد، وقبل الصلاة؛ فكيف إذا كان مقطوعة موسيقية، وأغنية من الأغاني المحرمة، وبعضهم يقول: أتحرج أن أغلقه أثناء الصلاة؛ لأن الحركة أثناء الصلاة أمرها شديد، فنقول: عجباً لك تتحرج من عدم إغلاقه، ولا تتحرج من ترك الصوت المحرم ينطلق، ولا تتحرج من إشغال عباد الله عن الصلاة وهم بالعشرات من حولك، ولا تتحرج من إسماعهم الباطل من النغمات والأغاني، ومعلوم أن الحركة إذا اضطر إليها المصلي لمصلحة الصلاة، ومصلحة المصلين؛ فينبغي عليه أن يقوم بأقل الحركات الممكنة لأجل التخلص والقيام بما فيه مصلحة الصلاة.
وبعضهم يقول: يوجد في الأجهزة المصحف كاملاً فهل يأخذ حكم المصحف؟
الجواب: أنه إذا لم يكن ظاهراً على الشاشة فليس له حكم المصحف من منع مسه لغير المتطهر، ومنع الدخول به لبيت الخلاء، وهكذا، أما إذا ظهر على الشاشة فقد ظهر القرآن حينئذ، وكذلك فإنه لا بأس إذا أغلقه أن يدخل به إلى دورة المياه، ومعلوم أن وضعه خارجها يعرضه للسرقة، والضياع، وقد تكلم العلماء في مسألة من دخل الخلاء، وفي يده خاتم فيه ذكر الله؛ أنه يحوله إلى باطن كفه، ويقبض عليه؛ لكي يخفي هذه الكلمة.
وبعضهم يسأل عن حكم شحن الجوال في الحرم وغيره؟
والجواب: أنه إذا عُلم أنهم يسمحون بذلك فلا حرج في هذا وهو الغالب.
وينبغي أن يتذكر المسلم أن التميز الحقيقي ليس برقم الجوال وإنما بالطاعة لله، والتدين بدينه، والحرص على إنفاذ أحكام شريعته، وليس التباهي والتفاخر بهذه الدنيا الفانية التي ليس لها عند الله شأن ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضه ما سقى كافراً منها شربة ماء))[11]، وإرادة الافتخار، والخيلاء، والتباهي، والاشتهار بهذه الأرقام هذه لا شك ضارة بالقلب، أما أن يكون في ذلك مصلحة تجارية، أو لهيئة من الهيئات، أو حاجة من الحاجات؛ فلا حرج في ذلك.
فوائد الجوال في الدعوة إلى الله وبيان كيفية ذلك
أيها المسلمون:
لقد صار لرسائل الجوال اليوم شأن عظيم، وفوائد كثيرة، ففيها تذكير بالله، وتعليم للعلم الشرعي، ووعظ بما يحي القلوب، ويذكر الغافل، ويعلم الجاهل، وينبه الناسي، وصار يمكن استعمال هذه الرسائل في الدلالة على الخير، والتعريف به، ومواقع العلم، وحلقه، والتذكير بالدروس والمحاضرات النافعة، ومن فوائدها الاستغناء عن كلام النساء الأجانب، فإذا احتاجت إلى وسيلة اتصال فالرسالة تغنيها عن الكلام، وفي الاستفتاءات الشرعية مجال واسع لهذا وخصوصاً مما يستحيى من التلفظ به ولا بد من معرفة الحكم بشأنه، وصارت هذه الرسائل وسيلة للدعوة إلى المناسبات الطيبة؛ كولائم الأعراس، والاجتماعات العائلية، والدورية لأهل الحي، ونحو ذلك مما فيه جمع القلوب والنفوس، وتواصل عباد الله فيما بينهم، وإحياء روابط الأخوة الإيمانية بين المتآخين الذين يتواصلون بهذه الرسائل، ويعين بعضهم بعضاً على طاعة الله وعبادته، وحفظ كتابه، وتدارس سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأحكام دينه، وفيها من الفوائد التجارية، والدراسية وغيرها كثير؛ كإرسال الدرجات للطلاب ونحوها.
إن استثمار هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله عز وجل، ونشر ذلك، وإعلانه؛ هو من باب إظهار الدين، والذي يعمل على إظهار الدين في هذا الزمن الذي عمت فيه كثير من الغربة؛ له أجر عظيم، والتذكير بفضائل الأعمال، وغيرها في غمرة غفلة الناس وانشغالهم؛ نوع من أنواع المجاهدة لإعلاء كلمة الله.
وينبغي مراعاة الأدب في الرسائل، في طريقة كتابتها، وإرسالها، وحال المرسل، والمرسل إليه، والحذر من نشر الإشاعات عن طريقها قال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)(سورة النور:15)، فكما أن بعض الأخيار يستثمرون هذه الوسيلة في نشر الخير، فإن بعض الناس يستغلها في نشر الشر وقد قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)(سورة الحجرات:6)، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الرؤيا العظيمة التي رآها فقال: ((فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول))، ثم ذكر أنه ((الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق))[12]، والآن يمكن للجوالات أن تنشر الكذبة فتبلغ الآفاق، بل وأخطر منه استعمال الجوال في نشر البدع، وإحياء البدع، ونقل البدع في تعبدات ما أنزل الله بها من سلطان، من تخصيص أيام وليالي، وأعداد، وأحوال، وأزمنة، وأمكنة؛ بتعبدات لم يرد الشرع بها، ولا تقييدها بها، وقد تكون بدعة أصلية، أو إضافية، والبدع أنواع، ورجب وما أدراك ما رجب فيه بدع كثيرة حتى صنف العلماء "تبيين العجب فيما ورد من البدع في شهر رجب" من دعوى فضائل ما أنزل الله بها من سلطان، ورجب شهر محرم فلا تظلموا فيه أنفسكم، والمعصية فيه أشد، وينبغي أن يكون مضماراً للطاعة، وهكذا شهور السنة، لكن أن يخص بأنواع من القيام، والصيام، والاحتفالات، والإسراء والمعراج، وغير ذلك مما لم ينزل الله به سلطاناً، ولم تأت السنة والشريعة فيه بدليل صحيح؛ فإن هذا فتح باب شر على الأمة، وهو توجيه الشيطان للناس ليتعبدوا لله بغير ما شرع لهم بزيادة في الدين، والإحداث فيه، وإتيان ما هو باطل يرد على صاحبه، والنتيجة أن هذا العامل المسكين لا ينتفع بالعمل ولا يستفيد، وإنما يُردَّ عليه ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))[13].
وبعض الناس يستعمل الرسائل في إحراج عباد الله، ويتألى على الله بأمور باطلة، ويقول: ستسأل عن هذا أمام الله إذا لم تنشرها بأعداد معينة، وبعضها بالعشرات، وكل هذا باطل، وافتراء على الله، ومن الذي يملك أن يتحكم في مصائر الناس يوم القيامة، وأن يقال لفلان سأسألك عن كذا، وسأقف أحاسبك يوم القيامة عن كذا، فلا يحاسب العباد إلا رب العباد، ولا يتألى على الله أحد، فلا تفتري يا عبد الله.
وبعضهم يستعمل هذه الرسائل في السخرية بعباد الله، وقد قال ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ )(سورة الحجرات:11)، وبعض الرسائل تحتوي على كلمات بذيئة، وما يسمونه بنكات لكنها سخيفة مكذوبة، ورسومات قبيحة، وصور فاضحة، وهذا من الفحش في القول، وما يلحق به من فحش الصورة، والرسم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يبغض الفاحش البذيء))[14].
فينبغي أن يكون ما يرسل طيباً، وبعض الرسائل رسائل بذيئة ساقطة فيها دعوى للفحشاء، والاتصال على الأرقام لممارسة الحب كما يقولونه بالكلام، وإرسال مقاطع وصور بعد ذلك، واستدراج إلى أماكن يسافر إليها لمعصية الله، وهذا حرام، والسماح به، وتمرير مثل هذا، وفتحها، وإرسالها للغير، والاستجابة لها، والاتصال عليها؛ أدنى ما فيه أنه مساعدة للشر، وإعانة عليه؛ لأن هذه المكالمات لها قيمة ستأخذ هذه الجهات المشينة نصيباً منها، وكذلك الذين يتصلون على الجوالات للزعم بأن صاحب الجوال مسحور، ووضع له سحر، أو أن عليه أن يفعل ذلك، وأن يودع في الحساب كذا، وسيفك عنه السحر بمبلغ كذا، وإذا لم يفعل هذا فسوف يحصل له كذا كذا، وبعض الناس عندهم بساطة في التفكير، ومحدودية فيه، وسذاجة في الرأي، وضعف في العلم، وجهل يجعلهم يستجيبون لتهديد هؤلاء؛ فيرسلون الأموال خشية السحر، وخشية تفاقم الأمر ونحو ذلك؛ لأن قلوبهم ترجف بسبب عدم استقرارها بذكر الله، وتوحيده، ولو كان التوحيد مستقراً في النفوس لما رأيت هذا يحدث.
وكذلك فإن التشهير، وفضح الناس برسائل الجوال أمر باطل، والحذر الحذر من أن تصور، أو تسجل في هذه الجوالات أسرار الناس من صور بناتهم، وزوجاتهم، وبعض ما يكون بين الزوجين، فإنها تستعاد كلها، وقد اشترت بعض الشركات المنتجة لبرمجيات الاستعادة جوالات مختلفة من موقع ab.com المزاد الالكتروني العالمي المشهور ثم قامت باسترجاع معظم ما فيها مما سجل ومسح، وظن الذي باعه لمحل الجوال بأنه قد تخلص منه، فإذا هو موجود كله؛ لأن هذه البرمجيات قادرة على استرجاع ذلك كله فلا تسجل فيها أصلاً حتى قال بعض هؤلاء من غير المسلمين: "لو علم الذين يبيعون الجوالات للمحلات ما يستخرج منها لفضلوا أن يجعلوه تحت عجلات شاحنة كبيرة من أن يبيعوه، أو أن يستبدلونه في هذه المحلات".
تابع للأحكام الفقهية للجوال (الطلاق والنعي عن طريق الجوال)
وبعض الناس يطلق زوجته برسائل الجوال، ويرسلون بهذه الرسائل ما يخرب البيوت، ألا فليعلم هؤلاء أن الغضب يجب أن يكف، لا أن يتبع برسائل الجوال، وأن طلاق الذي يرسل إذا كان نصاً صريحاً في الطلاق فإن القلم مثل اللسان، فالقلم أحد اللسانين، ويتحمل مسؤولية ما كتبه في رسالته.
وأما النعي برسائل الجوال فإن كان المقصود بالإخبار بموت الميت أن يأتي من يعرفه للصلاة عليه، ومواساة أهله، وأن يأتي من له حقوق، أو عليه؛ فلا بأس بهذا، وأما نعي أهل الجاهلية فإنما كانوا يفعلونه فخراً، وتعاظماً، وتعظيماً للميت، وكثيراً ما يكون النعي في رؤوس الطرقات، ومداخل الأسواق، ونحو ذلك من الأماكن لمن يستأجر ليصيح، وينوح، ويذكر بمآثر هذا الميت، ويشيد به، فيكون النعي مشتملاً على أنواع من الكذب، والمحرمات، بخلاف الإخبار المفيد فإنه لا بأس بذلك.
اللهم إنا نسألك أن تحيينا مسلمين، وأن تميتنا مؤمنين، وأن تلحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين، اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذريتنا، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[1] رواه البخاري (6250) ومسلم (2155).
[2] رواه البخاري (1477) ومسلم (593).
[3] رواه البخاري (13) ومسلم (45).
[4] رواه الترمذي (2032) وصححه الألباني في صحيح الجامع (7985).
[5] رواه البخاري (5885).
[6] رواه أبو داود (5004). وصححه الألباني في صحيح الجامع (7658).
[7] رواه الترمذي (614) وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (1729).
[8] رواه البخاري (337) ومسلم (369).
[9] شرح النووي على مسلم (4/65).
[10] فتاوى اللجنة (26/261).
[11] رواه الترمذي (2320) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5292).
[12] رواه البخاري (7047).
[13] رواه البخاري (2697) ومسلم (1718).
[14] رواه البيهقي (20587) وابن حبان (5693) وصححه الأرنوؤط.