المسلمون بين الإنجاز والاستفزاز
إن نشر الرسوم التهكمية بنبي الإسلام إنما هو جزء من قائمة طويلة استفزازية تدفع بعامة المسلمين للتصرف بشكل جنوني وتحويل أنظار المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتحويلهم إلى مجرد دمى جامدة يتحكم بها الإعلام الغربي بما يخدم مصالحه ويرضي تطلعاته.
يمر المسلمون اليوم ومنذ أعوام غير قليلة بمرحلة مخاض سياسي جديد؛ لكنه لا يزال يراوح مكانه بين مكاسب ومطالب، وفي هذه المرحلة يشعر كثير من المسلمين بالإحباط بسبب السياسات العالمية المجحفة بحق المسلمين وقضاياهم المختلفة، فمن انتهاك لحقوق الإنسان المتمثل في إرهاب الدولة العبرية للإنسان الفلسطيني، والإرهاب العالمي المتمثل في اتهام المسلمين بالإرهاب وتصويرهم كوحوش عالمية ضارية تجوب العالم ويجب تطويقها وتطويعها، لتدخل في دورة تأهيلية في غابة الديمقراطية المزعومة لتتأهل للسلم والسلام العالمي تارة بالمفهوم الأمريكي المتمثل في تغيير خارطة الشرق الأوسط القديم؛ ليصير جديدًا يرضي تطلعات الدول الاستعمارية، وتارة بالمفهوم الأمريكي والغربي على السواء الذي ينال من مقدسات العالم الإسلامي والاستهانة بها مرة بالكتاب الخالد القرآن الكريم وتأليف كتاب بديل زعموا محاولة لتغيير القناعات الإسلامية والثوابت القطعية، ومرات أخرى بالاستهانة والاستهزاء بالقادة العظماء الذي يبدأ بهم تاريخ الأمة وإليه ينتهي، ابتداءً بالقائد العظيم والنبي الكريم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، واعتبار هذا العمل ما بين استهانة واستهزاء إنما هو من باب الحرية الشخصية التي يكفلها قانون الديمقراطية الذي ينص عليه قانون أُم الديمقراطيات.
وهنا يجد المسلمون أنفسهم محاصرين بين سندان الاتهام وكابوس الالتهام لمقدرات المسلمين والنيل من مقدساتهم، ما يثير في المسلمين مشاعر مختلطة من الغضب والشعور بالظلم والضيم؛ تبعثهم على ارتكاب أعمال تصب أحياناً في مصلحة الرأي العالمي الذي يصور المسلمين بصور بشعة، ويستغل تلك الأعمال في إدانة المسلمين ووضعهم في قائمة الاتهام.
إن نشر الرسوم التهكمية بنبي الإسلام إنما هو جزء من قائمة طويلة استفزازية تدفع بعامة المسلمين للتصرف بشكل جنوني وتحويل أنظار المسلمين عن قضاياهم الأساسية، وتحويلهم إلى مجرد دمى جامدة يتحكم بها الإعلام الغربي بما يخدم مصالحه ويرضي تطلعاته.
إن السكوت على الاستفزازات المستمرة من قبل الآخر المعادي ليس بالأمر الجيد ولا المشروع، لكن ذلك لا يعني التجاوز في أعمال لا تخدم مصالح المسلمين.
إن الإنجاز العظيم هو في عدم الاستجابة لتداعيات الحرب الإعلامية المتتالية ضدنا نحن المسلمين، وضبط البوصلة تجاه الآخر ومعاملته ليس بالمثل، ولكن بكل أناة وعقل، بحيث تحسب كل خطواتنا من خلال الشرع الحكيم والهدي النبوي الكريم.
إن ديننا الإسلامي يحثنا على العمل الجاد والنظر للأمور برويَّة، ووضع الأمور في نصابها الصحيح، والتعامل مع الغير بكل عدل وتسامح مهما بلغت الإساءة لمعتقداتنا أو لتراثنا وتاريخنا أو لعظمائنا، كما أن ذلك لا يعني ترك الحبل على الغارب، والوقوف بموقف الضعيف المتخاذل، بل لابد من تسجيل موقف حر وقوي تجاه كل من أساء لنا، لكن في إطار حكيم.
إن انتفاضة الحب التي شملت الكرة الأرضية إنما تعبر عن روح قوية متطلعة إلى النصر وفي قاموسنا: (( وإن النصر مع الصبر))، لابد من الصبر والمصابرة، ولا مانع من المقاطعة والمظاهرة، وكل موقف إيجابي يخدم قضيتنا، ويدافع عن حياض الدين والوطن، وقبل ذلك وبعده عن النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين.
ما يخدم قضيتنا أكثر، وما ينصر نبينا بشكل أكبر؛ هو فتح قنوات حوار قوية ومستعلية مع الشرق والغرب، وعرض الصور المشرقة من حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإيضاح سيرته وهديه وخلاصة دعوته، وبيانها بشكل أوضح وبأسلوب أعمق بكل الوسائل المسموعة والمرئية والمكتوبة وكل الوسائل المشروعة.
إن مما يجعل العدو لا يبرح مكانه في التعدي على النبي الكريم وعلى كل ما جاء به هو بعرض صورة كاشفة لهذا النبي الكريم بشمائله وأخلاقه وسيرته العطرة وتفاصيل حياته وتعامله مع الآخر الذي تعلمناه منه، وهذا ما يجعل القاصي والداني يدخل في دين الله أفواجًا، وهو إنجاز يضطر العدو للاعتذار والإحجام عن كل صورة مشوهة تطرح بقصد وبغير قصد محاولة منه لاستفزاز المسلمين.
إن الإنجاز العملي الذي يجلي الصورة الجميلة والعادلة والحقة التي تميز بها النبي الكريم هو أولى من الاستجابة لاستفزازات حاقدة تفرح بالاستجابة لها أكثر من أي شيء آخر، والبديل الإسلامي هو في إنجاز حضاري لا يتعاطى مع الحرية الشخصية كحرية بلا ضوابط؛ بل مع حرية منضبطة بانضباط تام.
ومن الإنجاز أن يشرح المسلمون مفهوم الحرية الشخصية في الدين الإسلامي وفي الهدي النبوي الكريم، وحسب المسلمين بذلك إنجازًا في التاريخ الإنساني المعاصر.
زين العابدين بن غرم الله الغامدي
- التصنيف:
- المصدر: