خواطر وجدانية: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}
إنهم فرسان الإسلام، أتوها من بلاد بعيدة يحملون إليها نورًا ربانيًا، وهديًا قرآنيًا..
ذات صباح... أطلَّت ثلَّة مباركة.. نيِّرة وجوههم، طيبة نفوسهم، كريمة أخلاقهم... إمامهم عمر، وقائدهم عمرو... على أكتافهم راية الهداية، يرمقون الأرض الليبية وقد غشيها الظلام..
إنهم فرسان الإسلام، أتوها من بلاد بعيدة يحملون إليها نورًا ربانيًا، وهديًا قرآنيًا.. ها هم يرصُّون الصُّفوف، ويهيئون النفوس، يقفون بشموخ على مشارف أرضها، وينادي منادي الكفاح "يا خيل الله اركبي" فيتعالى الصياح، وتتناثر الرماح، وتهبُّ الرياح؛ لتبشر السهل والبطاح...
الله أكبر.. الله أكبر... حي على الفلاح.
هتاف يزلزل الأرض، تتهاوى دونه الرايات، وتتساقط عروش الكفار فيأتي النصر يطهر الترب شبرًا شبرًا.. مِصرًا مصرًا..
الله أكبر، تطرق أسماع الليبين لأول مرة؛ غير أنها تلامس في قلوبهم الفطرة، فيدخل الناس في دين الله أفواجًا ويتخذونه هديًا ومنهاجًا..
ويبزغ الفجر فيغمر أرجاء أرضهم نورًا..
ويعطر أجواءها ذكرًا..
تتفتح أفئدتهم متعطشة للإيمان..
وتتشنَّف آذانهم توَّاقةً للقرآن، ثمَّة تناغم جميل، وحب فريد بين الشجر والحجر، والجبل والبحر، والرمل والمطر، والطير والبشر، كلها تسبِّح لله وتحني له الجباه، حينها تبتهج الحياة؛ فتسطع الشمس باسمة تلقي إليهم بأشعتها البرَّاقة تحية إجلال! وتطير العصافير، حاملة على أجنحتها التباشير..
إلى الحجاز حيث الخليفة الأمير والجمع الغفير، والخير الوفير فتعلو أصواتهم؛ لتعانق تكبيرات إخوانهم {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:4-5] ما أعظم فرحهم! وما ألذَّ عيشهم! كلَّما هاجت بفكر الذكريات، ومرَّت بخاطري تلك اللحظات؛ اهتزت أوتار الشوق والحنين وتعاقبت الأجيال عليها؛ لكنَّ الزمن يتقلب والنفس منه تتحير وتتعجَّب تمرُّ بأمتي الحبيبة أزمان عصيبة؛ تتزعزع من هولها الصُّم الصُّلاب، فما تلبث أن تنقضي ويعود الرخاء، والازدهار والنماء، وتأتي عليها سنوات عجاف، تتجرع فيها السُّم الزِّعاف، ثم تأتي من بعد ذلك أعوام فيها يُغاث الناس ويعصرون...
هكذا تُخيَّلُ إليَّ الدنيا؛ ساحة صراع، ومحل نزاع، غواية وهداية غفوة وصحوة، يرتع الظلم حيناً؛ ليسود العدل أحياناً أخرى، سنن كونية لا تتبدل: {لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ} [الأنفال:8]، تتقاذفنا أمواج الزمن فتبعدنا عن ماضينا، وفي لحظة ركود، وتقهقر وخمود، ينهض الغرب نهضة أذهلت العالم وأدهشته.
وكلمة أخيرة: تأبى مشاعري إلا أن تفيض بها، أهمس بها في أذن حبيبتي الغالية.. وأمي الحنونة تلك هي أرض اليمن.. كما همس الشافعي رحمه الله معبرًا عن شوقه.. وحبه لأهل غزة قائلاً:
وإني لمشتاقٌ إلى أرضِ غزةَ *** وإن خانني بعد التفرقِ كتماني
سقى الله أرضًا لو ظفِرتُ بتُربها *** كحّلتُ به من شدةِ الشوقِ أجفاني
مشاعركِ وأحاسيسكِ يختلط بها دمي ولحمي، أعلم يقينًا كم قاسيتِ من أبنائكِ الجفاء، وربما الاحتقار والانتقاص ورأيتهم يسومونك سوء البلاء..
مهلاً يا حبيبتي.. لا تلوميهم لستِ السبب، إنما هم حكامهم الذين دنسوا اسمك حين ربطوه بأسمائهم، وأهانوا عَلَمكِ يوم رفعوه مع صورهم، حينها فقد كره أبناؤكِ سماع اسمكِ أو رؤية بريق علَمكِ..
غير أني أعدكِ ويعدكِ إخواني اليمانيون أنهم سيغمرونكِ حبًا، ويعمرونكِ حقًا، ويسقونكِ شهدًا، ويضعونكِ في أجفانهم صدقًا، ألا فلتقبلي عذرهم... وانتظريهم فهم على درب إخوانهم سائرون.
يُسرى بنت سعيد با صالح
مجلة البيان- العدد 300 - شعبان 1433 هـ - يوليو 2012
- التصنيف: