على هامش تفجيرات العريش في مصر
حسن الخليفة عثمان
أمّا أن تكون دماء المجندين في القوات المسلحة من عامة الشعب حلقة في سلسلة مؤامرات عبد الفتاح السيسي، لاستقرار عرشه، وبسط نفوذه، ولو كان الثمن أن يوقظ السذج كل يوم على مذبحة من المجندين المغلوبين على أمرهم
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
في ضوء الهرولة منقطعة النظير، إدانةً و شجبًا واستنكارًا لحادث (مذبحة الفرافرة) الأليم، والذي لا يحتاج التعبيرعن رفضه إلى كل هذا الهوس، والهزيان، من النخبة، والمثقفين الإسلاميين، أو السياسيين المحسوبين على معسكر الرافضين للانقلاب، هذا الهوس الذي يصل في بعض سياقه إلى درجة الاصطفاف اللحظي مع القاتل الحقيقي لهؤلاء الضحايا، وإليك شيئًا من التوضيح:
- في الثامن عشر من أغسطس لعام ألفين وأحد عشر، هاجمت وحدة عسكرية إسرائيلية نقطه لقوات حرس الحدود على الحدود المصرية الإسرائيلية، وقتلت خمسة جنود مصريين، واعتذرت عن الحادث بدعوى الخطأ!
- وفي الخامس من أغسطس لعام ألفين واثنا عشر، قُتل ستة عشر جنديًا، وأصيب سبعة من القوات المسلحة، وخرج وزير الدفاع الإسرائيلي ليلتقط صورًا تذكارية مع العربة التي نفذت الهجوم، بحسب تصريحات جيش الاحتلال آنذاك.
- وفي العشرين من نوفمبر من العام الماضي، قُتل أحد عشر جنديًا في تفجير استهدف حافلة للجيش شمالي سيناء، وفي يونيو الماضي من العام الحالي قُتل ضابط وأربعة جنود؛ في هجوم لمهربين على نقطه تفتيش بالوادي الجديد، وأخيرًا قُتل واحد وثلاثين عنصرًا، وأصيب ستة آخرون بحسب تقديرات غير رسمية، أما التقديرات الرسمية فالضحايا ضابطان وضابط صف، وتسعة عشر جندىًا، وإصابة أربعة .
آخرين من قوات حرس الحدود، ومقتل أحد الجناة بمدينة الفرافرة، في نفس نقطة التفتيش التي قتل فيها الجنود قبل أسابيع.
هذه الأحداث كلها حدثت في ظل مسؤولية عبد الفتاح السيسي الحالم، الذي استطاع أن يُلاعب الجميع، بدءً من بعض أصحاب اللحى الكثة الذين لو جاء لهم الفاجر أبو لهب مغتصبًا للسلطة، ولوّح لهم بمفاتيح الزنازين والسجون، لجعلوه خليفة عمر بن الخطاب، ولو أتاهم من رفع السوط عنهم، وآخاهم، وقال لهم: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم"، لقالوا له: "أنّى يكون له الملك علينا، ونحن أحق بالملك منه"، ولأقسموا بالله جهد أيمانهم أنه "لن ينصره الله و قد فتحها للشيعة"، ولبحثوا عمن يفتحها لليهود، ويُملّكها للصليبيين، ويسوّدوه عليهم، حسدًا من عند أنفسهم، وانتهاءً بقوم تعجّلوا الشيء قبل أوانه، فَجَرت عليهم السنن؛ بأن عوقبوا بالحرمان منه.
فور حدوث حادثة رفح الأولى في فترة وجود الدكتور محمد مرسي، كان القائد المسؤول المؤتمن في موقع الحادث بنفسه، ليقف على ملابسات الحادث، وأبعاده من موقع الحدث، ولَيزر ويطمئن على المصابين بنفسه، ثم يعود إلى مقر عمله، ليسطّر صفحة جديدة في تاريخ العسكرية المصرية؛ عنوانها: (لا أحد فوق المحاسبة)، و لن يكون ثمن بقائي على الكرسي هو التهاون في حق دماء المصريين، ومن لم يستطع حماية جنودنا فمكانه البيت، والتقاعد، وليس الاستمرار والترقي، وكانت إقالة المجلس العسكري بما وسع الرئيس من اجتهاد في الإطاحة به.
أما بعد مقتل هؤلاء الضباط والجنود المُدَّعى قتلهم في (الفرافرة)، فقد اكتفى الممثل العاطفي القدير بإبداع مشهد من مشاهده التي حذر منها صادق النصح حازم صلاح أبو إسماعيل فما استُبين نصحه إلا ضحى الغد، وجاء بحفنة من العبيد على أنهم أهل الضحايا، ليقولوا له كلنا فداك يا ريس!
ولم يلتفت إلى صوت من قال منهم عبر البث المباشر: "إن من قتل أولادنا هو عبد الفتاح السيسي".
في ظل تغير العقيدة القتالية لدى القوات المسلحة المصرية؛ التي باتت ترى أن عدوها الأول هم الإخوان المسلمون، وكل من يرفض الانصياع لحكم العسكر، وباتت تقاتل جنبًا إلى جنب مع قوات حفتر و المالكي، و تهيئ الوضع لدحلان، وإعادة الاحتلال إلى غزة، في ضوء خيالها المريض بسحق حماس؛ على يد أصدقاء وحلفاء عبد الفتاح السيسي، بدعم مباشر وغير مباشر للجيش الإسرائيلي، وبتنسيق ليس له مثيل مع محمد التهامي، وفي ظل ما قطعه عبد الفتاح السيسي على نفسه -مقالًا وحالًا- من وعد وعهد لرعاة القتل وأثرياء الدم في بعض دول الخليج، و لقوى الاستعمار الغربي، من أنه سيكون الذراع العسكري لهم في المنطقة، ورهن إشارتهم في ضبط الإقليم العربي، وإخضاعه لهم، على المهرولين إلى الشجب والاستنكار والإدانة لأعمال -لو كانت حقيقتها على ظاهرها- ليست في حاجة إلى هذا القدر من الهستريا والمبالغة، ويكفي في رفضها أن ثمّة توافق واتفاق بين شركاء الوطن جميعًا على رفضها.
أمّا أن تكون دماء المجندين في القوات المسلحة من عامة الشعب حلقة في سلسلة مؤامرات عبد الفتاح السيسي، لاستقرار عرشه، وبسط نفوذه، ولو كان الثمن أن يوقظ السذج كل يوم على مذبحة من المجندين المغلوبين على أمرهم، لينشغل المذعورون من هول الفجيعة بالهرولة، والاستعداد لتقديم الدعم للقاتل؛ الذي يخرج لهم لسانه في خلوته متمتمًا: "وهل يصلح لقيادكم غير هذا، فأبشروا بمزيد من المذابح المتنوعة، على يد الذي لم يعد يرى له عدوًا غير الذين كانت كُبرى جريرتهم أن رأوه وأشباهه (رجالًا من دهب).
رحم الله كل من مات من أبنائنا وإخواننا، شاهدًا لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ولم يأت ناقضًا لها، وأسكنهم فسيح جنته، وألهم أهلهم الصبر واليقين.
انتهى المقال الذي كتبته في الواحد والعشرين من شهر يوليو لعام ألفين وأربعة عشرظ الماضي، بعنوان (على رِسلِكم أيها المهرولون) عقب حادثة (الفرافرة)، التي نفذها مجموعة من المهربين في كمين لحرس الحدود المصري، التابع للكتيبة رقم أربعة عشر، بالوادي الجديد في التاسع عشر من يوليو لعام ألفين وأربعة عشر، عند واحة الفرافرة، ما أسفر عن سقوط ثلاثة من العناصر التي هاجمت الكمين، وثمانية وعشرين ضابطًا ومجندًا.
وقد أُشيع وقتها أنهم قُتلوا في ليبيا، وتم فبركة هذه القصة للتغطية على المكان الحقيقي، لكننا استبعدنا قبول تلك الإشاعة، التي لم تثبت بدليل راسخ.
من الضروري تذكر حادثة (الفرافرة)، وحادثة (كرم القواديس)؛ التي تم فيها رفع علم داعش على الدبابات المصرية، ليليها مباشرة خلال دقائق القرار الذي بدا أنه أُعد سلفًا بإخلاء رفح، وتهجير أهلها، وإنشاء المنطقة العازلة، ثم تفجيرات (العريش) الأخيرة، وسقوط العشرات من الجيش، ليليها خلال ساعات وفورًا إخراج القرار الجاهز في الدرج بإعلان كتائب القسام كيانًا إرهابيًا محظورًا، في نفس الأجواء التي يتكلم فيها عزام الأحمد؛ الذي تصدر لقاءات حماس في القاهرة، عن إعلان غزة إقليمًا متمردًا، و من قبل في ديسمبر لعام ألفين وثلاثة عشر تفجير مديرية الأمن بمدينة (المنصورة بالقليوبية)، بما أوقع أربعة عشر قتيلًا وأكثر من مائة جريح، ليتم خلال دقائق بعد الحادث إعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابيةً!