أرواح المصريين بين الإنزعاج، والقلق الأمريكي.
حسن الخليفة عثمان
هذا غيض من فيض النفق المظلم الذي دخلت فيه مصر الآن، والتي تحولت إلى دولة ميليشيات مسلحة مختلفة المشارب، والإمكانيات، بين ميليشيات مؤسسية مدعومة من الغرب، مستظلة بالإنزعاج والقلق الأمريكي.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
* (هالة محمد أبو شعيشع) ستة عشر عامًا، طالبة بالثانوي، أكد تقرير الوفاة الصادر من الطب الشرعي إصابتها بطلقتين من الرصاص الحي.
* (إسلام عبد الغني عميش) تسعة وثلاثون عامًا، دكتورة صيدلانية، لديها أربعة أبناء، الأكبر (صالح) أربع عشرة سنة، و(علي) إحدى عشرة سنة، و(محمد) ثماني سنوات، والأخير (أمين) خمس سنوات، سقطت بطلق ناري من مسافة قصيرة اخترق أعلى الرقبة واستقر في الرأس، ولم يخرج.
* (آمال متولي فرحات) خمسة وأربعون عامًا، لديها أربعة أبناء؛ هم: (سمية) تخرجت في كلية الدراسات الإسلامية، (بلال) طالب في طب أسنان، (عائشة) تدرس في لغات وترجمة أزهر، و(صفية) في المرحلة الإعدادية، وقد أتم الأبناء الأربعة حمل القرآن الكريم كاملًا بفضل الله ثم بفضلها، وقد سقطت برصاص حي مباشر في الصدر والرأس.
* (فريال إسماعيل الزهيري) اثنان وخمسون عامًا، كانت متزوجة، لم تُرزق بأبناء، حاصلة على ليسانس آداب، سقطت برصاص خرطوش في أجزاء من جسدها وبعض الجروح.
* (أسماء محمد البلتاجي) سبعة عشرعامًا، البنت الوحيدة للدكتور (محمد البلتاجي)، طالبة بالصف الثالث الثانوي علمي، لها أربعة أشقاء، تم قنصها برصاص حى فى الصدر.
* (حبيبة أحمد عبد العزيز) ستة عشر عامًا، صحفية، سقطت قنصًا بطلق ناري من مطر الرصاص المنهمر يوم فض اعتصام رابعة.
* (رُفيدة محمود سيف) ثمانية عشر عامًا، طالبة بكليّة صيدلة جامعة بني سويف، سقطت بالرصاص الحي.
الأربعة الأُوليات هن من نساء المنصورة بمصر، واللواتي فاضت أرواحهن الطاهرة في يوم الجمعة العاشر من رمضان من عام ألفين وثلاثة عشر، فيما عُرف بمذبحة المنصورة، من جملة إحدى عشرة نفسًا، قضت نحبها في ذلك اليوم، على يد ميليشيات عبد الفتاح السيسي المسلحة، والثلاثة الأخريات قصة استشهادهن مشهورة، حيث سقطت اثنتان قنصًا بالرصاص المنهمر جوًا وأرضًا في فض اعتصام (رابعة)، وسقطت رفيدة بالرصاص في بني سويف في تظاهرة سلمية.
في الموجز الصحفي اليومي بمقر الخارجية الأمريكية بواشنطن قالت (جين بساكي) المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية: "نحن منزعجون بشدة! من أحكام السجن القاسية التي صدرت ضد ثلاثة عشر مصريًا لتنظيمهم مظاهرة بدون تصريح"، و في الثامن عشر من إبريل لعام ألفين وأربعة عشر أكدت أيضًا: "أن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق! إزاء حكم محكمة جنايات المنيا بإعدام سبعة وثلاثين إخوانيًا، بالإضافة إلى حظر أنشطة حركة 6 أبريل.
السبعة أنفس سالفة الذكر من الأمهات، والزوجات، والعذارى، لم يرد ذكرهن حتى تاريخه لا بالانزعاج، ولا بالقلق، وتظل الحيرة في معرفة الفرق بين الانزعاج والقلق قائمة، لحين صدور قاموس (العُهر السياسي) الذي يميط اللثام عن كثير من المصطلحات، بدءًا من (القلق) و(الانزعاج)، ومرورًا بـ(المواطنين الشرفاء)، وانتهاءً بتعريف (التخابر والإرهاب).
كتبت هذا المقال في الثامن والعشرين من أكتوبر الماضي تحت عنوان: (إنهم منزعجون بشدة)، وقد عدت إليه اليوم في ضوء ما عادت لتكرره (جين بساكي) المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية حيث قالت: "أن واشنطن قلقة بشدة من قرار محكمة مصرية بإعدام مائة وثلاثة وثمانين شخصًا"، وبعد مقتل العديد من النساء والولدان والفتيات ليس آخر ذلك:
* (سندس أبو بكر) الطالبة ذات السبعة عشر عامًا.
* (شيماء الصباغ) الأم لطفل عمره خمس سنوات.
واللتان سقطتا في الذكرى الرابعة لثورة خمسة وعشرون من يناير بالخرطوش المعلوم المصدر، ثم سقوط ثلاث سيدات سيناويات وطفل صغير؛ إثر قذيفة غادرة، ألقيت على منزلهن جنوب رفح، في الأحد الأول من فبراير الحالي، ثم جاء الحكم بإعدام أكثر من مائة وثمانين نفسًا فيما عرف بقضية (كرداسة)، ناهيك عن قتل وتصفية الطالب الجامعي (محمد عطية)، وهو يرقد محتجزًا على ذمة التحقيق، بحجة أنه استفز أمين الشرطة، فاستحق سبعة رصاصات في جسده.
هذا غيض من فيض النفق المظلم الذي دخلت فيه مصر الآن، والتي تحولت إلى دولة ميليشيات مسلحة مختلفة المشارب، والإمكانيات، بين ميليشيات مؤسسية مدعومة من الغرب، مستظلة بالإنزعاج والقلق الأمريكي، وميليشيات مدعومة من السلطة القائمة، والتي ظهرت أخيرًا تحت اسم حركة (حق شهدائنا في سيناء)، بعد كلمة الجنرال عبد الفتاح السيسي، عقب اجتماعه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، عقب تفجيرات العريش، تلك الكلمة التي كانت واضحة وضوح الشمس في إعطاء الضوء الأخضر بانطلاق واندلاع الحرب الأهلية، والإذن لكتائب المخابرات الحربية بالتحرك فورًا على غرار كتائب (البلاك بلوك)، التي كانت تحظى بغطاء سياسي وإعلامي منقطع النظير.
وأيًا كان ما يوفره الإنزعاج والقلق الأمريكي من مظلة حماية لعملائه وحلفائه، وأيًا كان ما يرتكبه الطغاة والمجرمون من جرائم خارج إطار العقل والقانون العادل، فإن ما لا شك فيه و ا مراء أن فجر هذه الأمة وتحريرها لن يكون رخيص الثمن، كما أن مقام العبودية لله واهب الحياة لن يتحقق إلا عند ذلك الإنسان الذي علم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا، فاللهم شهادة في سبيلك.