الإعجاب: الأسباب والعلاج
لو خلُصت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لما تعلّق متعلّق بغير الله الذي تألهه القلوب، ولم تُحبّ سوى من دلّها على الخير وهداها إليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ثمة ظاهرة انتشرت بين الفتيات، ألا وهي ظاهرة الإعجاب، إعجاب بعض الفتيات بعضهن ببعض، أو إعجاب بعضهن ببعض المعلمات.
وسبب انتشار مثل هذه الأمور:
1- فراغ القلب مِن حُبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
2- عدم الإخلاص في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
3- عدم النظر في عواقب الأمور.
4- التعلّق بالصور.
5- عدم النظر بعين البصيرة فيمن تعلّقت بها الفتاة.
أما لو أن القلوب مُلئت بمحبّة علاّم الغيوب لم يكن فيها محلّ للتعلّق بفتاة حسناء!
قال صلى الله عليه وسلم: «
» (متفق عليه).هذه خصال يجد بها المؤمن والمؤمنة حلاوة الإيمان: «
»... وهذا مفقود عند المُعجَبات والمُعجِبات. « »... وهذا معدوم عندهن؛ إذ أساس العلاقة عندهن: حسن الهندام!! جمال القوام!! حسن المنطق!! جمال الصورة!! والقلب الخاوي من محبّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هو الذي يتعلّق بمثل هذه الصور الجميلة.ولو خلُصت محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لما تعلّق متعلّق بغير الله الذي تألهه القلوب، ولم تُحبّ سوى من دلّها على الخير وهداها إليه.
ولذا قال عليه الصلاة والسلام: «النبي صلى الله عليه وسلم: « »، فقال له عمر: فإنه الآن. والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
» (متفق عليه). ولما قال عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقالفالمعجَبات ببنات جنسهن حُرمن هذه المنزلة الرفيعة والمكانة العالية، وتَعَلّقنَ ببُنيّات مثلهن!
وعدم النظر في العواقب الأخروية، فإن أي محبة ليست لله تنقلب عداوة يوم القيامة باستثناء المحبة الفطرية كما تكون بين الوالد وولده والزوج وزوجه.
قال سبحانه وبحمده: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. إلا المتقين الذين كانت محبّتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والذين قامت محبتهم على التواصي بالحق والتواصي بالصبر، والذين أُسِّست علاقاتهم على التعاون على البر والتقوى، وأما الإعجاب فهو مبني على التعاون على الإثم والعدوان.
وهذا الإعجاب في حقيقته هو العشق الذي يُفسِد القلب حتى لا يستقر ولا يرتاح إلا بذكر معشوقِه، وإن كان بين الفتيات.
قال ابن القيم رحمه الله: "العشق هو الإفراط في المحبة، بحيث يستولي المعشوق على قلب العاشق، حتى لا يخلو من تخيٌّلِه وذِكره والفكرِ فيه، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القُوى، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُزٌّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده، ويختلٌّ جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه، كما قيل:
الحبٌّ أولُ ما يكون لجاجةً *** تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لُججَ الهوى*** جاءت أمورٌ لا تُطاق كبار
والعشق مبادئه سهلةٌ حلوةٌ، وأوسطه همُّ وشغلُ قلب وسقم، وآخره عَطَبٌ وقتلٌ. إن لم تتداركه عنايةٌ من الله كما قيل:
وعش خاليًا فالحبُ أوله عنى *** وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر:
تولّهَ بالعشق حتى عَشِق *** فلما استقل به لم يُطِق
رأى لجةً ظنها موجةً *** فلما تمكن منها غَرِق
والذنب له (أي للعاشق)، فهو الجاني على نفسه، وقد قعد تحت المثل السائر: يداك أوكتا وفوك نفخ". انتهى كلامه رحمه الله.
وأما دواء هذا الداء العُضال:
فقال فيه رحمه الله: "ودواء هذا الداء القتال أن يعرف إن ما اُبتُليَ به من هذا الداء المضاد للتوحيد إنما هو مِن جهله وغفلة قلبه عن الله، فَعَلَيهِ أن يعرف توحيد ربِّه وسُننه وآياته أولا، ثم يأتي من العبادات الظاهرة والباطنة بم يشغل قلبه عن دوام الفكرة فيه ويُكثر اللجوء والتضرع إلى الله سبحانه في صرف ذلك عنه، وأن يرجع بقلبه إليه وليس له دواء أنفع من الإخلاص لله، وهو الدواء الذي ذكره الله في كتابه حيث قال: {كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف:24] فأخبر سبحانه أنه صرف عنه السوء من العشق والفحشاء من الفعل بإخلاصه، فإن القلب إذا خلص وأخلص عمله لله لم يتمكن منه عشقُ الصور فإنه إنما تمكن من قلب فارغ كما قيل:
أتاني هواها قبلَ أنْ أعرِف الهوى *** فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
وليعلم العاقل أن العقل والشرع يوجبان تحصيلَ المصالح وتكميلَها، وإعدامَ المفاسد وتقليلَها...
ومن المعلوم أنه ليس في عشق الصور مصلحة دينية ولا دنيوية، بل مفسدته الدينية والدنيوية أضعاف ما يُقدّرُ فيه من المصلحة، وذلك من وجوه:
أحدها: الاشتغال بذكر المخلوق وحبِّه عن حب الرَّبِّ تعالى وذكره فلا يجتمع في القلب هذا وهذا إلا ويقهر أحدهما صاحبه، ويكون السلطان والغلبة له.
الثاني: عذاب قلبه بمعشوقه، فإن من أحب شيئا غير الله عُذِّبَ به ولا بُدّ، كما قيل:
فما في الأرض أشقى من محبٍّ *** وإن وجد الهوى حلو المذاقِ
تراه باكيًا في كل حين *** مخافةَ فُرقَةٍ، أو لاشتياقِ
فيبكي إن نأوا شوقًا إليهم *** ويبكي إن دنو خوفَ الفراق
فتسخن عينُه عندَ الفراقِ *** وتسخن عينُه عند التلاقِ
والعشق وإن استعذبه صاحبه، فهو من أعظم عذاب القلب.
الثالث: أن العاشق قلبه أسير في قبضة معشوقِهِ يسومه الهوان، ولكن لِسكرة العشق لا يشعر بمصابه فقلبه:
كعصفورةٍ في كفِ الطفلِ يسومها *** حياضَ الردى والطفل يلهو ويلعب!!
فعيش العاشق عيش الأسير الموثق...
الرابع: أنه يشتغل به عن مصالح دينه ودنياه فليس شيءٌ أضيعُ لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور:
أما مصالح الدِّين فإنها منوطة بِلَمِّ شعث القلب وإقباله على الله، وعشقُ الصور أعظم شيءٍ، تشعيثا وتشتيتا له.
وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين، فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه فمصالح دنياه أضيع وأضيع". انتهى كلامه رحمه الله.
والعشق (الذي تُسمِّيه الفتيات: الإعجاب) من الخطورة بمكان:
قال ابن القيم: "فإنه يكون كفرًا، كَمَن اتّخذ معشوقه نِدّاً، يُحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشقٌ لا يُغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفرى أن يقدم العاشق رضاء معشوقه على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه وحقّه وحقّ ربِّه وطاعته قدّم حق معشوقه على حقِّ ربه وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه إن بذل أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته والتقرب إليه، وجعل لربه إن أطاعه الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته". انتهى كلامه رحمه الله.
ويشتد الخطب، وتعظُم البليّة إذا كان المُعجَبُ به شخص من أهل الكفر والزندقة فإن الزندقة هي إنكار المعلوم من الدِّين بالضرورة.
فيكون الإعجاب بالكافر أو الكافرة لما عندهم من تقنية وحضارة مادية، ويكون عادة المعجَب بهم يغفل أو يتغافل عما وصلوا إليه من حضيض في مجال الروح.
ومن تغلغل في مجتمعاتهم رأى بعين بصيرته ما وصلوا إليه سواء في مجال الدين أو في جال الأخلاق.
وقد رأيت بأم عيني ما يَصِلُون إليه يومي السبت والأحد، فإنها عندهم يومي إجازة، ومن ثم يسهرون ويسكرون، فلا تسل عنهم وعن قذارتهم!!
ولا شك أن الإعجاب بهؤلاء وما هم عليه من الكفر يُعتبر ناقضًا من نواقض الإسلام، وقد عدّ الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا من نواقض الإسلام.
يأتي بعد ذلك في الخطورة إذا كان المُعجَب به من أهل البدع فإذا كانت المعلمة أو الطالبة ليست من أهل السٌّنة مثلاً فإن الإعجاب بها قد يصل إلى درجة الكفر، خاصة إذا رضيَت بما هي عليه من مذهبٍ، باطل، أو إذا صحّحت مذهبها.
ولو تأملت الفتاة مَن تعلّقت بها... لو تأملتها بعين بصيرتها لعلمت أن هذه الصورة الظاهرة ليست هي كل شيء!
فـ(تحت) هذه الصورة الظاهرة ما تنفر منه النفوس، ولذا لما أراد الله عز وجل أن يُثبت أن عيسى عبدٌ لله ولرسوله وأنه كسائر البشر، وأن ينفي عنه وعن أمِّه الألوهية قال سبحانه: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة:75].
فالذي يأكل الطعام يحتاج ما يحتاجه الناس من قضاء حاجة ونحوها. فتأملي.
كذلك لو تأملت الفتاة في مُعجَبَتِها... كيف لو أصاب تلك الفتاة حريق أو تشوّه؟؟ كيف تنظر إليها؟؟؟
كيف لو رأتها بعد ستين أو سبعين سنة؟؟!!!
بل كيف لو رأتها بعد ثلاثة أيام من دفنها؟؟؟؟
بل كيف لو ماتت مَن أُعجِبت بها وقيل للفتاة المتعلّقة بها:
تعالي لتنامي بجوارها الليلة فقط؟!
تعالي ودّعيها... ونامي في بيت أو غرفة هي مسجّاة بها؟؟!!
وأخيرًا:
إلى من حباها الله شيئًا من الجَمال، فابتُليَت بمن تُعجب بها.
اتقي الله وراقبيه في السر والعلن.
اتقي الله لا يُسلب منك هذا الجمال.
لا تجعلي لضعيفات النفوس عليك من سبيل.
اقطعي كل علاقة جاءتك من هذا الباب.
وأقدّم اعتذاري عن الإطالة على طبق النٌّصح.
تم الكلام والحمد للرحيم الرحمن الكريم المنان، والصلاة والسلام على خير الأنام. وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.