ولاية المتغلب (7): حملوا السلاح علينا. فليسوا مِنَّا
أبو محمد بن عبد الله
لا يطاع في الأمة من أُولي الأمر إلا من كان منها.. كما في الآية:{أولي الأمر منكم}..
ولو فرضنا أن مرسي لا يحكم بما أنزل الله، أو حتى لا يسعى للحكم بما أنزل الله في عهدته هذه، والسيسي لا يحكم بما أنزل الله قطعًا، وهو يسعى لئلا يحكم به، فالذي اختاره الشعبُ وولاَّه أولى من الذي لم يختره.
فما بال الكثيرين من الدعاة يُنزلون الأحاديث على الشباب ولا ينزلونها على الحكام حين يحملون السلاح على الأمة، يضعونه فيها قتلا..!!
- التصنيفات: السياسة الشرعية - الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة - الولاء والبراء - قضايا إسلامية -
هؤلاء ليسوا منا
الدليل السابع: هم «ليسوا مـنا» ولا يطاع في الأمة من أُولي الأمر إلا من كان منها.. كما في الآية: {وأولي الأمر منكم}، فهل هؤلاء مِنَّا؟! فإذا أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا منا؛ فكيف يُطاع من ليس منا، ممن حمل عليها السلاح من إرهابيي الحكم أو ممن غشَّها في كتم الحق والتدليس من عملائهم من أدعياء العلم، وقد نطق النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا منا: «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا» (مسلم؛ صحيح مسلم، برقم:[101])، فهؤلاء (المتغلبون) حملوا السلاح على الأمة ووضعوه فيها؛ فقتلوهم رُكَّعًا وسُجَّدًا ومعتصمين، وأولئك (المفتون والخطباء) غشُّوا الجميع بتزيين الباطل وتولية القاتل وشرعنة عمله وتأمين الخائن، وتخوين الأمين... وإنكار المعروف، وتعريف المنكر والمُنَكَّر!
وطبعًا كما يذكر الأئمة في هذا الحديث أن المُسْتَحِلّ لحمل السلاح على المسلمين كافر.
قال ابن حجر: "أي ليس على طريقتنا، أو ليس متبعًا لطريقتنا، لأن من حق المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه لا أن يرعبه بحمل السلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله، ونظيره: «من غشنا فليس منا»، و «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب»، وهذا في حق من لا يستحل ذلك، فأمَّا من يستحله فإنه يكفر باستحلال المحرم بشرطه لا مجرد حمل السلاح، والأَولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تَعَرُّضٍ لتأويله ليكون أبلغ في الزجر".
وقال النووي: "فأما تأويل الحديث فقيل: هو محمول على المستحل بغير تأويل فيكفر ويخرج من الملة، وقيل : معناه ليس على سيرتنا الكاملة وهدينا. وكان سفيان بن عيينة رحمه الله يكره قول من يفسره بليس على هدينا، ويقول بئس هذا القول، يعني بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر. والله أعلم". فكيف وهم يفتونهم بقتل المسلمين بحجة أنهم خوارج، يحل قتلهم!! فهذه لا تترك للقاتل المستحِل ولا للمفتي (المحلل) شبهة يتعلق بها.
فيلتق الله أقوامٌ أفتوْا هؤلاء الطواغيت بقتل المخالفين بحجة أنهم خوارج، خرجوا على الحاكم المتغلب، فإنهم باستحلالهم لقتل المسلمين والمعصومين بهذه الشبه الباطلة، فإنهم على باب الكفر جميعًا، يطرقونهم بأيديهم.
ولا توجد شبهة تستحق أن تكون تأويلا سائغًا يبيح قتل المسلمين السلميين والساجدين، ولا أن تكون تأويلا ينجي القتلة والمفتين من كونهم مستحلين لدماء المسلمين بغير حق، فهم: ليسوا منا، فضلا عن أن تعطيه حق الطاعة ومنصب الولاية.
فما بال بعض من ينتسب إلى العلم يُنزلون مثل هذه النصوص على الشباب والشعوب، ولا يُنزلونها على الحكام حين يحملون السلاح على شعوبهم ويضعونه فيها زهقًا للأرواح وسفكًا للدماء؟!
ولو كانوا خوارج!
والخوارج المبتدعة والخارجون بشبهة لا يجوز قتالهم فضلا عن قتلهم ولو كان معهم سلاح، مــا لم يبدأوا بقتال جماعة المسلمين، بل يُنصحون ويُبيَّن لهم الأمر، ويُناقشون بالحسنى والحكمة، فما كان حقًّا من مطالبهم وجب على ولي الأمر تلبيته لهم وتنفيذه، وما كان باطلا وخطأ بيَّنه لهم، فإن أصروا على رأيهم، وعلى استعمال السلاح فعندئذ يُقاتلون..فقدروى ابن أبي شيبة بسنده إلى مغيرة قال: "خاصم عمرُ بن عبد العزيز الخوارجَ، فرجع من رجع منهم، وأبت طائفة منهم أن يرجعوا، فأرسل عمر رجلا على خيل وأمره أن ينزل حيث يرحلون، ولا يحركهم ولا يهيجهم، فإن قتلوا وأفسدوا في الأرض فاسط عليهم وقاتلهم، وإن هم لم يقتلوا ولم يفسدوا في الأرض فدعهم يسيرون."[المصنف (7/ 557 /37908)]
وبأوضح من ذلك تنزيلا على الواقع: حتى لو سلَّمنا بأن المتظاهرين في رابعة أو غيرها كانوا على خطأ، بل كانوا خوارج أو خارجون؛ فإنه لا يحل قتالهم قبل النظر في مطالبهم، ومحاورتهم، ثم مقابلة قتالهم بقتال، لا صلاتهم بقتال، أو هتافهم بنصال، أو وقوفهم بتوقيفات، أو دبيبهم بدبَّابات!!!
وإن ضرب ظهرك...!
وومن الإمعان في التليس على الأمة، وترويضها للفراعنة، يأتون بحديث، يُنزلونه بلا تحقيق مناط، فيأتون بحديث: «تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع»(مسلم؛ صحيح مسلم، برقم:[1847])، وهذا الحديث ليس لهم فيه حجة، أولا: لأنه ليس الحديث الوحيد في الباب وفي وصف الأمراء المطاعين وشروطهم، ومن الجهل بالشرع أو الإغراض في الفتوى أن نتركها كلَّها ونستظل بحديث واحد. ثانيًا: أنه اقتصر على ضياع حقوقٍ شخصية، ومادية دنيوية... ضَرْب الظهر وأخذ المال، ولم يقل الحديث: وإن عطَّلوا الشريعة، أو وإن حكموا فيكم بزبالات الأذهان، أو وإن جعلوا الحلال حراما، والحرام حلالا بالقانون، أو وإن اغتصب بناتكم في السجون، بل وهتك أعراض الذكور، ما لم يفعله فرعون الأول في مصر الأقدم..
ولو فرضنا أن مرسي لا يحكم بما أنزل الله، أو حتى لا يسعى للحكم بما أنزل الله في عهدته هذه، والسيسي لا يحكم بما أنزل الله قطعًا، وهو يسعى لئلا يحكم به، فالذي اختاره الشعبُ وولاَّه أولى من الذي لم يختره.
والذي رشَّحه المسلمون والهيئة الشرعية أولى ممن طَلب الولاية وحرص عليها، لا بصناديق الانتخاب فحسب، بل بصناديق الأموات والتوابيت!!
والذي لا يحكم بما أنزل الله ولكن لا يُظلم عنده أحد؛ أخفّ ضررًا من الذي لا يحكم بما أنزل الله ولا ينجو عنده ولا منه أحد..
ولذلك بَعَث النبي صلى الله عليه وسلم صحابته إلى الحبشة، حيث يوجد فيها النجاشي؛ ملك لا يظلم عنده أحد، قائلا لهم: «إن بأرض الحبشة ملِكا لا يُظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجًا مما أنتم فيه»(الألباني؛ السلسلة الصحيحة، برقم:[3190])، والسيرة النبوية لابن كثير]. وكان نصرانيًّا ليس مسلمًا أصلا، فضلا عن أنه لا يحكم بما أنزل الله!
فرسولنا صلى الله عليه وسلم وهو الأتقى لله والأعلم به وبشرعه، وهو الأرحم بهذه الأمة من أَرحمِ واحد فيها، ومع ذلك يقول عن أمثال هؤلاء: «ليسوا منا» ويأتي أدعياء يعارضون هديه فيقولون عنهم: بل هم منا، بل أولياء أمورنا.. اللهم إني أستغفرك وأعتذر لرسولك الكريم مما يَرُدُّ به عليه هؤلاء، وإن لم يشعروا؟!
ويتبع مقال ولاية المتغلب (8): لا ولاية لغير المسلم على المسلم.
يمكن مراجعة المقالات السابقة من هذه السلسلة:
ولاية المتغلب (1) من هو المتغلب؟ وما ولايته؟
ولاية المتغلب (2): من هو الحاكم المطاع؟
ولاية المتغلب (3): الدليل الثاني: يقودكم بكتاب الله ويقيم فيكم الدين
ولاية المتغلب (4) استتبابُ الأمن وسكونُ الدهماء
ولاية المتغلب (5): الخليفة الثاني والطالب الحريص
ولاية المتغلب(6): المتغلب على حي والمتغلب في فراغ
تاريخ النشر: 2 جمادى الأولى 1436 (21/2/2015)