الكذب عندما يصبح (ثقافة)!
الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
وسبحان الله الذي يأبى أن يترقى الثرى فيغدو في موقع الثريا!
الكذب في ديننا القويم ذميم وبغيض ويزري بصاحبه إذ الكذاب بلا كرامة في الدنيا والآخرة، ويكفي أن الكذب قرين النفاق العملي حتى إنه ليعدل ثلثه أو ربعه.
فالحس المؤمن ينفر من الكذب نفوراً فطرياً شديداً.
أما في مكونات الفكر الغربي الحديث الذي انبهر به عميان البصيرة، فإن الكذب حرية شخصية وسلوك فردي ويستبشعونه إذا أضر بالمصلحة، وهو في السياسة ركن جوهري فالمهم المنفعة والغاية تبرر الوسائل بحسب كبيرهم ميكيافيلي؛ ولعل النكتة المنسوبة إلى رئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل توجز الحقيقة وتؤكد تغلغل الكذب في السياسة الغربية، يروى أن تشرشل مر بقبر فوجد عليه شاهدة تقول: "هنا يرقد السياسي البارع والرجل الصادق فلان..."، فقال تشرشل: "هذه أول مرة أرى فيها شخصين مدفونين في قبر واحد"! أي أن التقاء الصدق بالسياسة مستحيل لدى القوم.
لكن التغريبيين المنتسبين أصلاً إلى عائلات مسلمة تفوقوا على سادتهم وتجاوزوا قبحهم، عندما نقلوا الكذب الوضيع من الممارسة السياسية إلى الحقل الثقافي، بل إنهم جعلوا الكذب ذاته ثقافة يتبنونها ويروجون لها ولا يجد أحدهم أدنى غضاضة إذا واجهه الناس بأنهم كشفوا أكاذيبه، ربما لأن احمرار الوجه حياء يدخل في باب (الثقافة الرجعية) عند هؤلاء البائسين التائهين الضالين المُضِلين.
وها هو الإرث الشائن المخزي للنخبة المتغربة يحفل بالكذب ويضج بالدجل والتزوير الرخيص.
حزب البعث مثلاً من أسوأ الأمثلة فالكذب يطبعه من رأسه إلى أخمص قدميه كما يقال، فقد كذب على الأمة في شعاراته: الوحدة والحرية والاشتراكية، إذ لم تصل التجزئة وحراستها في أي بلد عربي مثلما كان الوضع في البلدان التي نُكِبَت به ولم يحترب بلدان عربيان بشراسة العداء بين بعث العراق وبعث سوريا، وأما الحرية فلقد تجاوزت وحشية استخبارات البعث مع مواطنيها سائر وحشية طغاة الأرض جميعاً قديمهم وحديثهم، وأما الاشتراكية فيكفي استحضار اسم رامي مخلوف الذي نهب ثروات سوريا بمؤازرة بيت عمته المتسلطين على رقاب السوريين يكفي ذلك ليثير ضحكاً هستيرياً عند السوريين كافة.
وثقافة البعث قامت على الكذب كأساس، فانقلاب (8 آذارمارس1963م) الذي جاء بمجرميهم إلى السلطة يطلقون عليه اسم (ثورة الثامن من آذار)، والذين عاصروا تلك الفترة الأليمة كتبوا شهاداتهم -وبعضهم من صانعي الجريمة!- فتبين أن الانقلاب كان ناصرياً بالدرجة الأولى وبعثياً بدرجة أقل، لكن العصبة البعثية الطائفية المعروفة بـ(اللجنة العسكرية) لعبت على الناصريين ثم تفردت بالتسلط وفرمت رفاق الدرب درب الأمس القريب!
بالطبع لا نحتاج إلى التذكير بأسطورة المقاومة والممانعة لدى طاغية الشام الأسد الهالك والصبي الدموي الذي سلط أسلحة سوريا كلها على رؤوس الشعب الثائر ضد ظلمه، ولم يطلق رصاصة على طيران اليهود الذي أهانه فوق قصره وفي شتى المواقع في قلب سوريا وفي مختلف أنحائها، لا نحتاج إلى حديث كهذا لأن هذه الأكذوبة العظمى سقطت على أيدي الشجعان من أبناء الشعب السوري الذين تربت أجيالهم على أكاذيب البعث وعلى (انتصارات) بيت الأسد.
ومثال حي آخر نقتبسه مما يجري في مصر في الفترة الأخيرة، فالناصريون الذين يتشدقون بالقومية العربية لا يجدون بأساً في تمويل حملاتهم بأموال أجنبية قذرة هي أموال طهران المسروقة من عرق فقراء الشيعة الضائعين، كما لم يجد المدعو حمدين صباحي المتاجر بهموم (الغلابة) لم يجد مشكلة في التحالف مع حزب الباشوات -حزب الوفد-. بل إن أحد أذياله كشف نفاقه من حيث لا يدري فقد سمعه الجميع على الفضائيات يشكك في نتائج الاستفتاء على الدستور لأن أكثر الذين قالوا: "نعم" هم من الفقراء والأميين! ونسي الأفاق أن حزبه يقيم تجارته كلها على ادعاء حمل هموم الفقراء والمهمشين!
صدقوني إن الكذب عند التغريبيين شر مما تعلموه على أيدي سادتهم الغربيين.
مهند الخليل
- التصنيف:
- المصدر: