قصة استشهاد
أم سارة
في الطريق تقول الزوجة أريد أن أشتري للبنات أشياء من هناك ونحن عائدون بعد الدرس بإذن الله.. فيقول لها: لقد خرجنا بنية سماع الدرس ولن أغير النية لشيء آخر أو أُشرك مع تلك النية شيئًا يشوبها ويضيع ثوابها، مرة ثانية بإذن الله سآخذك وتشتري ما تريدين للبنات، أما الآن فقد خرجنا لله ولله فقط، وما أن أتم حديثه هذا إلا ووجد أمامه شاحنة كبيرة تصطدم بهم..
- التصنيفات: الموت وما بعده - قصص مؤثرة -
حماس.. جهاد.. استشهاد..
هذه ليس أسماء جهادية أو حماسية للنصرة لدين الله تعالى فقط، بل هي أسماء ثلاث بنات رحل عنهن أبيهن وهم في عمر الزهور، بل براعم لم تتفتح بعد، رحلة أب بدأها قبل أن يتزوج وتركها قبل أن يرى ثمرتها أسأل الله أن يتغمده في الشهداء، ويجاور الأنبياء والصالحين، وإليكم قصة حياته حتى مماته رحمه الله بواسع رحمته وأنبت بناته نباتًا حسنًا..
شاب مصري من أسرة طيبة أتم تعليمه الجامعي لكنه اشتغل بالتجارة ووهب نفسه لنصرة دين الله، سعى هذا الشاب في طريق الله ومجالس العلم حتى تعرف على أشخاص لهم علاقة بالحركات الجهادية في فلسطين ومنها حركة حماس، وتوطدت علاقته بتلك الحركات وبدأ يرسل كل ما استطاع من مال وغيره لمن يعبر به الأنفاق حتى تصل إليهم..
وكان يجمع التبرعات وغيرها لإيصالها إلى هناك، غير أنه لا يسمع عن محاضرة أو مجلس علم في أي مكان إلا ويذهب إليها، وعندما أراد أن يتزوج بحث عمن تريد الله ولا تغرها الحياة الدنيا لتكون رفيقتًا له، وتحمل معه هم الدين والقضية، بل وتكون مكانه إذا فنى العمر، وبالفعل سمع من الأخوات عن فتاة تسعى إلى مرضات الله وهي تحضر معهم دروس العلم التي تقام في المسجد وعندما أرادت النقاب، وجدت الاعتراض الشديد والتضييق من أهلها..
ولكنها عندما ذهبت للجامعة -والجامعة عندنا خارج المدينة-، كانت تلك الفتاة تخرج للجامعة بالنقاب في ذهابها وإيابها وعندما تعود في أجازة كانت تخلعه أمام منزل أهلها قبل أن يروها به وإلا حرموها الخروج وإكمال تعليمها، وبالفعل يذهب إلى أهلها للتقدم لتلك الفتاة فيوافق الأهل فهو التاجر الميسور المعروف بأخلاقه الطيبة..
أما علاقته بالحركات الجهادية، ونشاطه فلا يعلمه سوى المقربين منه فقط، ولو يعلمون فكره ما وافقوا عليه فهم يحبون الفكر الليبرالي المنادي بالحرية المزعومة، تمر أيام الخطبة ويوم زواجه يرفض رفضًا باتًا عمل فرح غير إسلامي مما جعل أهل الفتاة يضايقونه بالكلام ويتهمونه بالتشدد وغيره، ولكنه ثبت على موقفه وأعانته زوجة المستقبل، فهو لن يبدأ حياته بما يغضب الله تعالى منه، ويتم الزفاف على مضض من أهلها وعنده أصبح النقاب أمرًا واقعًا، ولم يعد لأهلها حق الرفض أو الموافقة..
وتمضي بهم الحياة ليُعرفها على جميع أصدقائه وزوجاتهم الذين وهبوا أنفسهم معه لنصرة الدين، ولم يترك درسًا يسمعه أو محاضرة إلا وأخذها معه مهما كانت مشغولياتها في البيت أو التزاماتها، حتى أنه في إحدى المرات كان تجهز لعزيمة، فقال لها هيا سنسافر يوجد درس علم للشيخ الفلاني في محافظة الغربية..
فقالت له أنني لا أستطيع بسبب العزيمة والتي تستلزم مني شغلاً كثيرًا، فقال لها: "عزيمة إيه اللي تخليكي تتركي مجلس علم، يا شيخة بلاش كلام فارغ هيا سنذهب سويًا ولن أتركك لتفوتي على نفسك مجلس تحفه الملائكة".
ويرزقه الله بثلاث بنات يسميهن (حماس، وجهاد، واستشهاد)، فكما قلت هذه هي كانت قضية حياته الحماس لله، والجهاد في سبيله بماله وجهده، والأمل في نوال الشهادة، وفي أحد الأيام يسمع أن هناك درس علمٍ في محافظة بعيدة جدًا عن محافظتنا لشيخ جليل، فينوي الذهاب إليها، وقال لزوجته أن تجهز نفسها وتترك البنات عند أقاربهم، لأن أكبر بنت في ذلك الوقت لم تبلغ العاشرة من عمرها..
وفي الطريق تقول الزوجة أريد أن أشتري للبنات أشياء من هناك ونحن عائدون بعد الدرس بإذن الله..
فيقول لها: لقد خرجنا بنية سماع الدرس ولن أغير النية لشيء آخر أو أُشرك مع تلك النية شيئًا يشوبها ويضيع ثوابها، مرة ثانية بإذن الله سآخذك وتشتري ما تريدين للبنات، أما الآن فقد خرجنا لله ولله فقط، وما أن أتم حديثه هذا إلا ووجد أمامه شاحنة كبيرة تصطدم بهم، ليلقى حتفه في الحال وينجي الله زوجته..
فأسأل الله أن تكون تلك شهادة له، ويكون قد لقي ربه وهو شهيد كما كان يتمنى..
وأن يعين زوجته، ويصبرها على الفراق.. فقد كبرت البنات الآن ما شاء الله والكبرى تدرس في إحدى كليات الطب وهي مثل أبيها رب يبعد عنها أمن الدولة آمين.