نتائج سلوكية للعلم
إن العلم -في تلك الحدود التي أشرنا إليها- له نتائج كبيرة في بناء شخصية الإنسان الباطنة، وبالتالي فلا بد أن تظهر آثار ذلك في سلوكه.
- التصنيفات: طلب العلم -
إن العلم -في تلك الحدود التي أشرنا إليها- له نتائج كبيرة في بناء شخصية الإنسان الباطنة، وبالتالي فلا بد أن تظهر آثار ذلك في سلوكه.
وهذا الجانب من البحث هو الذي يعنينا في موضوعنا هذا، حيث يظهر الجمال الباطن للإنسان من خلال ذلك المسلك.
ونشير إلى أهم تلك النتائج إشارة موجزة:
(1) خشية الله تعالى:
ذلك كما نصت عليه الآية الكريمة بقولها: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:من الآية 28].
وهكذا ربطت (الخشية) بصفة (العلم)، والعلم هنا على إطلاقه، فكل علم يؤدي إلى هذه الخشية، وسياق الآية يؤكد ذلك، حيث ورد في الآية تعقيباً على مشاهد كونية، ولننظر إلى النص في سياقه.
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:27-28].
وهكذا في اتجاه طردي، كلما زاد علم الإنسان، كلما زادت خشيته من الله تعالى.
قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به .. لأنه كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر".
والخشية لله تعالى لها أبعادها في جوانب النفس كلها.
(2) التواضع:
وتلك من نتائج العلم، فكلما أوغل الإنسان في العلم، كلما كبر علمه بعظم جهله، ذلك أن العلم يبصره بآفاق لم يكن يعلمها، ويفتح له مسالك ما كان يظن وجودها.
وإيضاحاً لذلك، نطرح المثال التالي: فالإنسان يمر بمراحل تعليمية متتابعة .. التعليم الثانوي .. ثم الجامعي .. ثم العالي. وإذا ذهبنا نمثل لحجم علمه في كل مرحلة بدائرة كنا أمام الدوائر التالية.
ومحيط هذه الدوائر يمثل جهله في كل مرحلة. وواضح أن محيط الدائرة الأولى (الثانوية) أقصر من محيط الثانية (الجامعية)، ومحيط الثانية أقصر من محيط الثالثة (التعليم العالي) وإذن كلما زاد علمه كلما طال محيط الدائرة الذي يمثل جهله وهذا ما يجعله في مرحلة التعليم العالي أكثر تواضعا مما قبلها، لأنه يشعر بضآلة علمه أمام جهله.
ولهذا قالوا: إن العالم كالشجرة، فكلما كثر الثمر فيها، كلما ثقلت أغصانها ودنت من الأرض. وإذا لم يكن فيها ثمر كانت أغصانها ذاهبة في السماء ..
ومعنى التواضع، انتفاء الكبر، ولا يجتمع العلم والتكبر إلا في نفس إبليسية جعلت من إبليس قدوة لها.
هاتان الصفتان، الخشية لله والتواضع له، إضافة إلى ما سبق ذكره من تطبيق العلم، هي مبعث الفضائل في النفس الإنسانية وأساس جمالها الباطن.
صالح بن أحمد الشامي