مسلمة جديدة قدوة للمحتسبات
ذات يوم، وبعد أن عدت إلى البيت بعد أن صليت العصر في المسجد، فتحت التلفاز، وبدأت أقلب القنوات فاستقر بي الاختيار على قناة من القنوات، وإذ بي أفاجأ بمقابلة مع أخت لنا في الدين حديثة عهد بالإسلام لم يتجاوز على إسلامها العقد من السنوات، ولكن أثرت هذه المقابلة مع هذه الأخت فيَّ كثيراً، جعلتني أحتقر نفسي أمامها، ماذا قدمت أنا لهذا الدين؟ وأنا رجل، فضلا عن أخواتي المسلمات.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
ذات يوم، وبعد أن عدت إلى البيت بعد أن صليت العصر في المسجد، فتحت التلفاز، وبدأت أقلب القنوات فاستقر بي الاختيار على قناة من القنوات، وإذ بي أفاجأ بمقابلة مع أخت لنا في الدين حديثة عهد بالإسلام لم يتجاوز على إسلامها العقد من السنوات، ولكن أثرت هذه المقابلة مع هذه الأخت فيَّ كثيراً، جعلتني أحتقر نفسي أمامها، ماذا قدمت أنا لهذا الدين؟ وأنا رجل، فضلا عن أخواتي المسلمات، لا نستبق الأحداث دعونا لنأخذ خلاصة هذه المقابلة:
هذه الأخت من كينيا، نشأت ودرست في مدرسة تبشيرية، منصِّرة، فتنصرت من غير أن تعلم، حتى مِن تفَوِّقِها صارت راهبة في الفاتيكان، وكما تقول عن نفسها: عندما دخلت في هذه المدرسة، بدأ التناقض؛ لأن الكلام كان غير منطقي؛ لوجود التناقض في كلام الكنيسة.
ثم انتقلت لأن تعمل كمضيفة في طائرة، كان لديها النقود وتستطيع شراء ما تريد من أي محل في ميلان أو باريس، لكن كان الاكتئاب ملازما لها، وأسئلة محيرة في عقلها، هذه الأسئلة هي سبب طردها من الكنيسة، كان الإسلام في نظرها لم يكن ديناً بل كان شيئاً يخص العرب والصوماليين، ولم تتوقع يوماً أن تكون جزءاً منه.
ذهبت إلى مكة بالطيران كمضيفة طيران مصطحبة للحجاج المسلمين تسع سنين، كانت تسمع: لبيك اللهم لبيك، ولم تعرف ما هذا الشعار، كانت نظرتها للإسلام والمسلمين قبل أن تسلم أن من يتبع الإسلام إنما هو شخص يحمل السيف في يده يقطع رؤوس الناس وأيديهم، وتمضي في سرد قصتها وكيفية إسلامها، ما ليس شاهداً لنا هنا.
وبعد أن أسلمت تحولت نظرتها لا شك، حتى إنها تقول: لا أجد كلمات أصف النبي والإسلام والمسلمين، وهنا تنهمر عيناها بالدموع، وتقول باللفظ: من المحزن أن يمتلك المسلمون هذا الكنز ولا ينشرونه!، وترسل نصيحة للمسلمين على أنه يجب أن يعملوا لهذا الدين ويبلغوا دين الله.
تختم نصيحتها بسؤال: ماذا يمكنك أن تفعل من أجل حبيبك؟ تقرر بقولها هذا: أن تحب شخصاً فإنك تتبعه، وتعمل من أجله.
سؤالها هذا سؤال يجب علينا أن نسأل أنفسنا به في جلسة صادقة للنفس، في جلسة محاسبة مع النفس، ولا نجامل أو نغالط أنفسنا، ماذا يمكننا أن نعمل من أجل حبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن أجل نشر دعوته وتصحيح الأخطاء المنتشرة في مجتمعاتنا.
هذه المرأة حديثة العهد بالإسلام قامت بتحقيق الاحتساب في جانب النساء، وهي قدوة للرجال والنساء، على حد سواء، هي قدوة من خلال أعمالها، وما قامت به من أعمال، تلفت الانتباه إلى قوله - تعالى -: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)[سورة التوبة: (105)]، درست هذه المرأة في الأزهر، وتركت بصمات رائعة، تشتري العباءات؛ لتوزعها على المسلمات الجدد، من مالها الخاص، اشترت أرضاً وبنت مسجداً، هو المسجد الأول من مالها الخاص في كينيا، وبنت ستة مساجد في كينيا ونيروبي، من عام ألفين وأربعة إلى الآن ستة مساجد، إضافة إلى المؤتمرات التي تعقها في كينيا للدعوة، والعمل الخيري التنموي والثقافي والدعوي، وكان آخر مسجد فتحته في شهر فبراير الماضي، وقد أسلم بسببها أكثر من مائتي شخص، وهي الآن تفكر في إقامة إذاعة للمسلمين في كينيا.
هذه هي خلاصة المقابلة للأخت عائشة الكينية، المسلمة الجيدة.
ولنا مع هذه القصة وقفات هي:
الوقفة الأولى: أن دين الله -عز وجل- هو دين الفطرة: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سورة الروم: (30)]، ولا يحتاج هذا الدين لأي تكلف أو تنطع، فالفطرة السليمة تتوافق مع هذا الدين الحينف؛ مصداقاً لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء)[1]، فالفطرة السليمة تصل إلى الله - عز وجل - وتوحده وتقيم الدين في ذاتها.
الوقفة الثانية: أهمية الدعوة والاحتساب على مثل هذه المرأة من غير المسلمين، تقول هذه المرأة في ثنايا المقابلة: "أعرف مسلمين وأتعامل معهم، ولدي أصدقاء من المسلمين، لكن لم يدعوني يوماً إلى الإسلام، بل كانوا يتعاملون معي على أني كافرة".
وهنا تتبين أهمية الاهتمام بمثل هذه المرأة، -وهم كثر- بنصحهم وإرشادهم إلى دين الله القويم، لا نتركهم على هواهم، وضلالهم، بل علينا الاهتمام بالخادمة، والسائق، والمضيفة، والعامل.. وغيرهم من المستقدمين للعمل في بلداننا الإسلامية، وهكذا تستطيع ربة البيت أن تكون لخادمتها المستقدمة، والغير مسلمة أن تكون لها المحضن الدافئ، الذي يؤمنها في دنياها وأخراها، (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم)[2].
الوقفة الثالثة: أين نساء المسلمين اليوم من هذه المرأة وأمثالها، بل أين الرجال يا رجال!، أين أنتم من هذه المرأة، والله إني استحقرت نفسي أمامها، ويستحقر أحدنا نفسه أمام هذه المرأة، ماذا قدمنا لديننا؟.
إن القلب ليقطر دماً حين نجد نساءنا اليوم منخدعات في أمور تافهة بثها الغرب فينا ليصرفنا عن ديننا، تجد نساء المسلمين اليوم -إلا من رحم ربي- مشغولات بآخر الموضات، وآخر القصات، وآخر صيحات الأسواق، لا همَّ لهن إلا هذا، حتى أصبح ديدن البعض منهن وشغلهن الشاغل أمورا من التفاهات، لا ينفعهن في دنياهن ولا أخراهن، ولا تنتفع بها الأمة، أَعجب من نساء وُلِدْنَ في العطاء، وحملن اللواء وترسمن الإسلام من حين عرفن هذا الوجود، لكن لم يبلغن مبلغاً له أثره في الأمة، ولم يأتين بعشر معشار هذه المرأة.
إن دور المرأة اليوم دور له أهميته، وله أثره، في الدعوة إلى الله والاحتساب على النساء، فلا تقتصر الدعوة والاحتساب على الرجال فقط.
فإن لم ينشط النساء في الدعوة إلى الله وإن لم تحتضن النساء الداعيات ويشمرن عن سواعد الجد في الدعوة والاحتساب في أوساط نساء مجتمعهن فمن نريد أن ينشط؟، دعاة السفور، والفجور؟! عياذا بالله أن نكون من المسوغين لأدنى مؤامرة.
ماذا نستفيد من هذه القصة ؟
هناك فوائد نستفيدها من هذه القصة، منها:
1- الحاجة الماسة للنشاط النسائي في الدعوة والاحتساب، وهذا ولله الحمد ملموس في الواقع، فكم من امرأة فاضلة بنت مسجداً، وأخرى كفلت تحفيظا، وثالثة كفلت أيتاماً، ورابعة، وخامسة، وسادسة... من النساء الفضليات اللاتي لهن السبق في أمور الدعوة والاحتساب في سبيل الله، ولكن لا تزال هذه الجهود بحاجة ماسة إلى التنشيط أكثر، والاهتمام أكثر.
2- من الفوائد التي نستفيدها من هذه القصة: أن الداخلين في الإسلام اليوم يأتون إليه بنَهَمٍ وحب شديدين، ولذا وجب الاهتمام بهم والعناية الخاصة بهم، ودعمهم للثبات على هذا الدين الحنيف، واستغلال هذه الحماسة، وتنقيحها، والأخذ بأيديهم وعونهم ومساعدتهم وتبصيرهم..
3- يجب على كل مسلم ومسلمة أن يظهروا الوجه الحقيقي لهذا الدين والأخلاقيات السامية التي يمتاز به هذا الدين دون غيره سواء ما يتعلق بجانب الأخلاق، أو جانب المعاملة، أو الجوانب الأخرى في جميع مناحي الحياة، فيلاحظ في صاحبة القصة أنها كانت تحمل مفهوماً خاطئاً عن الإسلام والمسلمين.
4- أن الدعوة إلى الله - عز وجل - أمر سهل ويسير، متاح لكل أحد على اختلاف جنسه، ومع هذه الحملة الشرسة على الإسلام والمسلمين في العالم، لكن يظل نور الله -تبارك وتعالى- ظاهراً على رغم أنف الحاقدين، وأعداء الأمة، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [سورة الصف: (8)]، مهما قاموا به من عداء ضد الإسلام، ليتمن الله هذا الدين.
5- الحاجة الملحة والماسة لغير المسلمين إلى دين الله - عز وجل - الإسلام، فهم أناس مكذوب عليهم، مغلوطة أفكارهم، عقولهم أصابها العفن، والدخن، تحتاج إلى تنظيف وصقل، وإزاحة شبهات طال عليها الأمد في نفوسهم، ودعوة إلى الله على بصيرة.
6- كانت المرأة مضيفة تسمع تلبية الحجاج حين يلبون، ولا تعرف عن هذا الشعار شيء، ولا اهتم بدعوتها أحد الراحلين إلى بيت الله - تعالى -، أو حاول في دعوتها، وتعريفها برحمة الإسلام ويسر الشريعة وقيمة هذا الدين.
7- للمقارنة: كيف كانت تشعر بالتناقض في الكنيسة، وحين اعتنقت الإسلام لم تستطع أن تصف الله ورسوله والإسلام والمسلمين، بل أجهشت بالبكاء، وهذا دلالة على صفاء صورة الإسلام عندها، وهذا ما نحتاج التزود فيه، وتبيينه عند الدعوة إلى الله.
أسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين، ولا مضلين، وأن يستعملنا في طاعته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
[1] البخاري (1385)، ومسلم: (2658).
[2] البخاري: (3009)، ومسلم: (2406).
محمد أحمد المطاع