لا تحزني .. يا أماه!

منذ 2015-02-16

من يقرأ سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتتبع حياته الخاصة؛ يرى المكانة التي تتمتع بها السيدة عائشة بين زوجاته الطاهرات الشريفات، ويرى عظم منزلتها بينهن، فقد ‏أخرج البخاري في صحيحه عن ‏أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه ‏قال: ‏قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: ((‏كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ‏مريم بنت عمران، ‏وآسية امرأة فرعون، ‏وفضل ‏عائشة ‏على النساء كفضل ‏الثريد ‏على سائر الطعام)) رواه البخاري.

عندما قرأت وشاهدت، ما قاله أحد الشيعة الروافض، والذي يسمى "ياسر حبيب" عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، في احتفالية أقيمت خصيصا للسب والطعن فيها - رضي الله عنها -، ترددت كثيرا قبل أن أكتب في هذا الموضوع، لأمرين رئيسين:

أولهما: من أنا حتى أكتب دفاعا عمن برأها الله من فوق سبع سماوات، و هل هناك كلام يقال بعد كلام الله تعالى؟ و هل أحاول أن أثبت براءة وطهارة من أثبت الله براءتها وطهارتها بآيات تتلي في كتابه الكريم إلى يوم الدين؟!

ورحم الله حسان بن ثابت حين قال:

حَصَانٌ رَزَانٌ(1) ما تُزَنّ(2) بِرِيبَةٍ *** وتُصْبِحُ غَرْثَى(3) من لحومِ الغوَافِلِ(4)

حليلة ُ خيرِ الناسِ ديناً ومنصبا *** نبيِّ الهُدى والمَكرُماتِ الفوَاضِلِ

عقيلةُ(5)حيٍّ من لؤيّ بنِ غالبٍ   *** كرامِ المساعي مجدهم غيرُ زائلِ

مهذبة ٌ قدْ طيبَ اللهُ خِيمَهَا(6) *** وطهرها من كلّ سوءٍ وباطلِ

ثانيهما: أني أعلم في قرارة نفسي، أن الدافع لتطاول هذا الخاسر الخبيث على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وعن أبيها إنما هو حبه للظهور إعلاميا، وأن يتحدث عنه الناس في كل مكان، ونحن بحديثنا عنه وردودنا عليه نكون قد أعطيناه ما يريده ويؤمله.

غير أني في الحقيقة قد عزمت الأمر، وتناولت القلم لأخط به بعضا من مواقف أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، حبا وكرامة لها ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لعلي أجده في صحيفة حسناتي يوم أن ألقى الله - تعالى - وأقف بين يديه، فما أحلاه من شرف، وأعظمه من عمل أن أكتب دفاعا عن عرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن أرد على من يحاول أن يدنس شرف حبيبته - صلى الله عليه وسلم -، فهي كما نعلم جميعا أنها أحب زوجاته إليه، وذلك كما ورد في الحديث المتفق على صحته عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أحب الناس إليك؟ قال: ((عائشة)) قال: من الرجال؟ قال: ((أبوها)).

مكانتها الخاصة

من يقرأ سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتتبع حياته الخاصة؛ يرى المكانة التي تتمتع بها السيدة عائشة بين زوجاته الطاهرات الشريفات، ويرى عظم منزلتها بينهن، فقد ‏أخرج البخاري في صحيحه عن ‏أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنه ‏قال: ‏قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: ((‏كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ‏مريم بنت عمران، ‏وآسية امرأة فرعون، ‏وفضل ‏عائشة ‏على النساء كفضل ‏الثريد ‏على سائر الطعام)) رواه البخاري.

لذلك كان المسلمون يقدمون هداياهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلتها، تقربا إليه، وطلبا لرضاه، فقد وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ‏عن ‏عائشة -رضي الله عنها- ‏أنها قالت: "كان الناس ‏‏يتحرّون ‏بهداياهم يوم ‏عائشة؛ ‏يبتغون ‏بذلك مرضاة رسول الله ".

ولقد حباها الله بشرف لم يكن لغيرها، و بميزة لم تكن لصاحباتها، فما نزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في لحاف امرأة غيرها، ولذلك قال لأم سلمة: "يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فإنه و الله ما نزل علي الوحي و أنا في لحاف امرأة منكن غيرها" [رواه البخاري].

كرم وسخاء يفوق الوصف

لقد أعطت - رضي الله عنها - أسمى وأشرف ما يكون العطاء، وقدمت للتاريخ نموذجًا رائعًا قل أن نجد له مثيلاً على مدى الحياة، في الجود والكرم، والسخاء، فقد كانت تجود بمالها في سبيل الله - تعالى -، حتى لقد روي أنها كانت تطيب الدرهم بالمسك قبل أن تتصدق به؛ لأنه يقع في يد الله قبل أن يقع في يد السائل.

أخرج أبو نعيم في الحلية (بسند ضعيف) عن أم ذرة قالت: بعث إليها ابن الزبير بمال: أراه ثمانين أو مائة ألف.. فجلست تقسم بين الناس فأمست وما عندها من درهم، ولم تجد ما تفطر عليه وهي صائمة يومها إلا الخبز والزيت، وعلقت أم ذرة قائلة أما استطعت أن تشتري لنا لحمًا بدرهم نفطر عليه؟ قالت: لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت!.

علم غزير:

أما عن علمها، فحدث و لا حرج، فقد أعطت للناس العلم، وخلفت تراثًا في أحكام الفقه وأصوله، فقد كان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض؛ قال عطاء بن أبي رباح - رضي الله عنه -: كانت عائشة -رضي الله عنها- من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: ما أشكل علينا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قَطُّ، فسألنا عنه عائشة -رضي الله عنها- إلا وجدنا عندها منه علمًا. وقال عروة بن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: ما رأيت أحدًا أعلم بالحلال والحرام، والعلم، والشعر، والطب من عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -.

عفيفة.. حتى في غضبها

لقد رمى هذا الخاسر الرافضي، أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، بأبشع التهم، ونعتها بنعوت، الله يعلم أنها منها براء.

هذه المؤمنة التقية الطاهرة النقية، التي ما عرف الفحش أو البذاءة طريقا إلى لسانها - رضي الله عنها -، حتى ساعة أن تغضب من زوجها، فقد قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك))[صحيح البخاري].

أما هذا الخبيث، الذي قد تخلى عن كل فضيلة، ولم يبق للإيمان في قلبه دليل ولا برهان، وأطلق للسانه العنان ليخوض في عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقسم قسما مغلظا على أنها من أهل النار، ويتأله على الله - تعالى -، هذا الذي لا أجد له وصفا إلا كما وصف أحدهم فعله بنباح الكلاب

رسالة.. إلى أمي.

أماه.. لا تحزني لما رميت به، فقد أوذيت أكثر من ذلك، وصبرت، وبرأك الله من فوق سبع سماوات بقرآن يتلى إلى يوم القيامة.

أماه.. لن تستطيع أيدي البشر أن تصل إلى الشمس، أو يمحو شعاعها ألفاظهم، وأنت كذلك يا أماه.

أماه.. مهما كثر نبح الكلاب، وتطاولت ألسنة الطغاة، ونطقت أفواههم بكل حقد، ورمتك سهام الخاسئين الخاسرين، فلن يحط هذا من قدرك ومكانتك عند الله وعند رسوله، ولن ينالوا من حبك الراسخ في قلوب المؤمنين.

أماه.. ما أشبه الليلة بالبارحة، والحاضر بالماضي، وحاقد اليوم، بحاقد الأمس، فها هو التاريخ يعيد نفسه، وتدور الأيام دورتها، اختلفت الشخصيات، وتعددت التهم، غير أن السبب واحد لم يتغير، هو الحقد الذي قد أوغر الصدور، والنفاق الذي قد استحوذ على القلوب.

هوامش:

(1) حصان رزان: العفيفة ذات الثبات والوقار.

(2) تزن: تتهم.

(3) غرثى: جائعة.

(4) الغوافل: مفردها غافلة وهي التي لا ترتع في أعراض الناس.

(5) العقيلة: السيدة الكريمة.

(6) الخيم: الأصل.


عصام حسين ضاهر

  • 0
  • 0
  • 2,301

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً