أم المؤمنين رضي الله عنها رائدة حقوق المرأة
عزيز محمد أبو خلف
فالغيرة من الصفات الغريزية في المرأة، ولا تُلام عليها، وأم المؤمنين أبرزت ذلك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعنفها، فأسست بذلك لسلوك ينبغي أتباعه لأجل الرفق بالنساء في سلوكهن الغريزي وتمرير بعض التصرفات المشابهة، والحيلولة دون أن تكبر المسألة وتتطور إلى أبعد من ذلك.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
كانت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تفتي وعمرها 18 سنة، وهذا هو سنها عندما مات عنها رسول الله - عليه السلام -، بل كانت مرجعاً في العلم، حتى كان يرجع إليها المشيخة، أي كبار العلماء من الصحابة.
لقد كانت أم المؤمنين على درجة عالية من الذكاء والحفظ والجمال. ولا عجب أن كانت محببة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أن زوجاته الأخريات كن يتنازلن لها عن ليلتهن، لعلمهن بحبه، - عليه الصلاة والسلام - لها.
هذه الميزات العظيمة عند أم المؤمنين - رضي الله عنها - امتد أثرها إلى النساء، فهي بحق قدوة عظيمة، وهي نصيرة النساء الأولى، وصاحبة المواقف التي تناصر قضايا المرأة في كل عصر.
نرى ذلك في حادثة الإفك، ومواجهة أكابر العلماء من الصحابة في الدفاع عن النساء، وفي التصدي لقضايا ضرب النساء وهضم حقوقهن وحفظ كرامتهن، وفي جهادها - رضي الله عنها -.
هذا بالإضافة إلى تعميق الصفات الغريزية عند المرأة، وعدم التحرج من إظهارها في أشد المواقف.
مواجهة المشكلات
كشفت حادثة الإفك عن مواقف عظيمة لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - على الرغم من حداثة سنها.
لقد عالجت القضية بذكاء عندما مكثت في مكانها ريثما يعودون بحثاً عنها، ولم تجزع وتضطرب، وعندما اختارت أن تلحق بأهلها لتهدئة الأمر وتسكين القضية.
كما اتصفت أم المؤمنين في هذه الحادثة بالهدوء والثقة العالية؛ حيث انتظرت براءتها من فوق سبع سماوات، وقد تحقق لها ذلك.
وكانت في غاية الشجاعة عندما عادت من الغزوة في وضح النهار فليس ثمة ما تخجل منه، وعندما حمدت الله وحده ورفضت القيام لشكر الرسول عليه الصلاة السلام مع أنه ساق إليها البشرى ببراءتها. كما أنها اتصفت بالتسامح تجاه من أشاع الخبر الباطل، وروت آراء الذين استشارهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القضية كما هي بكل شفافية.
هذه الحادثة تكشف عن دروس عميقة في مواجهة المشكلات وخطوات حلها، والنواحي الإبداعية فيها، كما تُظهر لنا الصفات التي يتحلى بها المبدعون.
ضرب النساء وحفظ حقوقهن
أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - رائدة في مجال الدفاع عن حقوق النساء، ويتضح هذا في قضية ضرب النساء.
فقد روى مسلم عن أم المؤمنين: (ما ضرب رسول الله شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً إلا في الجهاد). وهذا تأصيل مهم لقضية اجتماعية تشغل بال المجتمعات والأسر، ومفاده أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو القدوة، لم يضرب النساء، فحري بكم أيها المسلمون ان تقتدوا به. يأتي هذا في ظل نصوص قرآنية ونبوية تبيح الضرب، وأخرى تدعو إلى تجنبه لأن من يفعله بلا حاجة فهو ليس من خيار المسلمين.
وكانت النساء يلجأن إلى أم المؤمنين - رضي الله عنها - لعرض مشكلاتهن، ففي الحديث الصحيح: (أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، قالت عائشة: فجاءت وعليها خمار أخضر فشكت إليها من زوجها وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنساء يبصرن بعضهن بعضاً، قالت عائشة: ما رأيت ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها) رواه البخاري. تنقل الشكوى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتدافع وتطالب بالحق لهؤلاء النسوة.
لماذا لا يقتدي المسلمون بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في المعاملات كما يقتدون به في العبادات؟ لكن حتى جوانب العبادات المتعلقة بالمعاملات نجد فيها الإهمال والتسيب.
فالواحد يذهب بصحبة جاره للصلاة في المسجد وهما في ملابس النوم، ولو أن أحدهما زار صاحبة في بيته لاختلف الوضع من هذه الناحية. كان من الممكن استثمار محاولات أم المؤمنين في تأصيل حقوق النساء والدفاع عنهن على مدى التاريخ الإسلامي، وفي هذا قصّر المجتمع وقصّرت النساء أيضاً.
الإسعاف والإخلاء والإمداد
أفرد البخاري في كتاب الجهاد أبواباً عن غزو النساء منها: غزوة النساء في البحر، وباب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، وفيه أن النساء كانت تملأ القرب بالماء ثم يسقين منها القوم. ومنها باب مداواة النساء الجرحى في الغزو، وباب رد النساء الجرحى والقتلى.
ولكن أين أمنا عائشة - رضي الله عنها - من ذلك؟ من جملة هذه الأحاديث نرى أن أم المؤمنين طلبت الإذن بالجهاد، ورد عليها الرسول - عليه السلام - بأن جهاد النساء هو الحج.
نقرأ في هذا مبادرة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وسبقها في المطالبة بأن تشترك المرأة في الأعمال القتالية والدفاع عن أرض الإسلام. لم يتوقف الأمر عند مجرد الطلب، بل لقد اشتركت أمنا في عمليات تموين الجيش وإسعاف وإخلاء الجرحى والموتى. لنقرأ هذا النص من البخاري عن أنس في معركة أحد: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خَدَم سوقهما (أي الخلخال)، تنقلان القِرَب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها، ثم تجيئان فتفرغانها في أفواه القوم) الحديث متفق عليه، وهذه الأحداث وقعت في غزوة أحد قبل فرض الحجاب.
ليس هذا وحسب، بل أكثر منه، عن الربيع بنت معوذ: (كنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة).
قال في فتح الباري: وفيه جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة.
وذكر فيما يتعلق بهذا أن المرأة الميتة تغسلها امرأة، وفي حالة عدم وجود امرأة يغسلها رجل دون أن يلمسها بشكل مباشر، أو يعملون لها تيمم، أو تُدفن كما هي!.
الغيرة
يروي لنا البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أمنا عائشة - رضي الله عنها - ومعه بعض الصحابة، فجاءه الخادم بطبق فيه طعام من أمنا زينب، فضربت أمنا عائشة يد الخادم فسقط الطبق وانكسر. جمع النبي أجزاء الطبق والطعام، وأرسل بدلاً منه طبقاً صحيحاً من أمنا عائشة إلى بيت أمنا زينب. والملفت أنه قال لأصحابه: غارت أمكم، ولم يعنفها. تصوروا لو أن هذه الحادثة حصلت مع غيره أو في هذه الأيام وأمام أصدقاء الزوج، فأين يكون مصير الزوجة؟
وقد أورد ابن حجر أثرا عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : (إن الغيراء لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه) وقال ابن حجر: إسناده لا بأس به.
فالغيرة من الصفات الغريزية في المرأة، ولا تُلام عليها، وأم المؤمنين أبرزت ذلك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعنفها، فأسست بذلك لسلوك ينبغي أتباعه لأجل الرفق بالنساء في سلوكهن الغريزي وتمرير بعض التصرفات المشابهة، والحيلولة دون أن تكبر المسألة وتتطور إلى أبعد من ذلك.