وهل تبر والديك ؟!
قدّر الله- تبارك وتعالى - أن يقيم هذه الإنسانية من نسل متواصل إلى قيام الساعة، وجعل- تبارك وتعالى -من هذا التواصل علاقات بين أعضاء الجنس الإنساني، من هذه العلاقات:الإخوة التي تجمع البشر أجمعين، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، ومنها: علاقات الإخوة بين أصحاب الدين الواحد، والوطن الواحد، ومن هذه العلاقات: العلاقات بين الأصول والفروع، وبين الفروع والأصول، وجعل الله عزوجل هذه العلاقات هي التي تبنى عليها كافة العلاقات الأخرى، فهل يعقل أن يقصّر الإنسان في حق أقاربه، ويرتجى منه أن يقيم علاقة مع ما دون ذلك؟!
- التصنيفات: الأدب مع الوالدين -
قدّر الله- تبارك وتعالى - أن يقيم هذه الإنسانية من نسل متواصل إلى قيام الساعة، وجعل- تبارك وتعالى -من هذا التواصل علاقات بين أعضاء الجنس الإنساني، من هذه العلاقات:الإخوة التي تجمع البشر أجمعين، فالناس كلهم لآدم وآدم من تراب، ومنها: علاقات الإخوة بين أصحاب الدين الواحد، والوطن الواحد، ومن هذه العلاقات: العلاقات بين الأصول والفروع، وبين الفروع والأصول، وجعل الله عزوجل هذه العلاقات هي التي تبنى عليها كافة العلاقات الأخرى، فهل يعقل أن يقصّر الإنسان في حق أقاربه، ويرتجى منه أن يقيم علاقة مع ما دون ذلك؟!
هكذا أوصى الحق- تبارك وتعالى -بهذه العلاقة بين الآباء والأبناء، والأبناء والآباء، بل العجيب أن الله -عز وجل- قرن طاعة الآباء والأمهات بعد عبادته مباشرة، ألا يسترعي هذا اهتمامنا، ويجعلنا ننتبه لخطورة هذا الأمر!.
الوالدان بين البر والعقوق:
أوصانا ديننا الحنيف بالوالدين من حيث برهما، وبين خطورة عقوقهما، ومن هذه الوصايا قوله - تعالى -: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً)[جزء من الآية 36 من سورة النساء]. فمعظم الأوامر تتجه إلى توصية الذرية بالوالدين.
وإن كانت لم تغفل توجيه الوالدين إلى الذرية؛ فقد كان الله أرحم بالذراري من آبائهم وأمهاتهم في كل حال. والذرية بصفة خاصة أحوج إلى توجيهها للبر بالوالدين.
إذ الأولاد في الغالب يتجهون بكينونتهم كلها، وبعواطفهم ومشاعرهم واهتماماتهم إلى الجيل الذي يخلفهم، لا الجيل الذي خلفهم! وبينما هم مدفوعون في تيار الحياة إلى الأمام، غافلون عن التلفت إلى الوراء، تجيئهم هذه التوجيهات من الرحمن الرحيم، الذي لا يترك والداً ولا مولوداً، والذي لا ينسى ذرية ولا والدين، والذي يعلم عباده الرحمة بعضهم ببعض، ولو كانوا ذرية أو والدين!.
ثم تأتي الوصية التالية والتي تجمع بين فضل البر وكيفيته، وبين التنفير من العقوق، فقال - تعالى -: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً) [(23) (24) الإسراء].
هنا يجيء الأمر بالإحسان إلى الوالدين في صورة قضاء من الله يحمل معنى الأمر المؤكد، بعد الأمر المؤكد بعبادة الله. ثم يأخذ السياق في تظليل الجو بأرق الظلال؛ وفي استجاشة الوجدان بذكريات الطفولة ومشاعر الحب والعطف والحنان.
وفي هذا السياق يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -:
((لا يَجْزِي ولدٌ والِدَهُ إلا أن يَجِدَهٌ مَمْلُوكاً فَيَشْترِيَهُ فَيُعْتِقَهُ))[رواه مسلم].
وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: جاء رجل إلى نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستأذنه في الجهاد، فقال: " أحي والداك؟ " قال: نعم، قال: ((فيهما فجاهد))[رواه البخاري ومسلم].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إني أشتهى الجهاد ولا أقدر عليه، قال: ((هل بَقِيَ من والديك أحد؟)) قال: أمي، قال: ((قابِلِ الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد))[رواه أبو يعلى والطبراني].
وعن معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أردت أن أغْزُوَ، وقد جئت أستشيرك، فقال: ((هل لك من أم؟)) قال: نعم، قال: ((فالزمها، فإن الجنة عند رجلها)) [رواه ابن ماجة والنسائي والحاكم وقال: صحيح الإسناد].
بل إن ديننا الحنيف جعل هذا البر للوالدين حتى ولو كانا مشركين، إكراماً للعلاقات الإنسانية، وحرصاً منه على نشر روح الود والحب بين البشر أجمعين، فقال - تعالى -: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ[لقمان: 15].
إن الصلة في الله هي الصلة الأولى، والرابطة في الله هي العروة الوثقى. فإن كان الوالدان مشركين فلهما الإحسان والرعاية، لا الطاعة ولا الاتباع. وإن هي إلا الحياة الدنيا ثم يعود الجميع إلى الله.
فعن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستفتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: قدمت علي أمي، وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: ((نعم صلي أمك)) [رواه البخاري ومسلم].
ومع كل هذا الفضل فإن الله توعد العاقين بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، فعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وَهَات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))[رواه البخاري، وغيره].
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثاً. قلنا: بلى يا رسول الله. قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) وكان متكئاً، فجلس، فقال: " ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. [رواه البخاري، ومسلم، والترمذي].
وهل تقوم بهذه الوسائل؟!
عن أبي أسيد مالك بن رببعة الساعدي - رضي الله عنه - قال: بَيْنا نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجل من بني سلمه، فقال: يا رسول الله، هل بَقِي من بر أبَوَيَّ شيء أبِرُّهُمَا به بعد موتهما؟ قال: ((نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما))[رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان].
وعن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال عبدالله بن عمر: إن أبا هذا كان وُدّاً لعمر بن الخطاب، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أبرَّ البر صلة الولد أهل ود أبيه))[رواه مسلم].
محظورات حياتية:
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من الكبائر: شتم الرجل والدية)) قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نعم، يسُبُّ أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))[البخاري ومسلم وغيرهما].
هذه بعض التوجيهات القرآنية والنبوية، والتي توصينا ببر الوالدين، وتحثنا على طاعتهما وإكرامهما أحياءاً وأمواتاً.
ندعو الله -عز وجل- أن يرزقنا برهما، اللهم ارحمهما كما ربيانا صغاراً، واغفر لهما وتب عليهما يا رب العالمين..
حسام العيسوي إبراهيم