عش عبداً .. لتكن ملكاً !!
أبو مهند
وإذا سألت عن سرائرهم، فلقد كانوا لتقلبات قلوبهم من أشد المراقبين، ولخبايا نفوسهم من أدق المحاسبين، وذلك حينما علموا أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ فتضرعوا إلى الله أن يخرجهم من هذه الدنيا غير خزايا ولا مفتونين، ولا مغيرين ولا مبدلين!!
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أحوال القلوب مع الله أسرارٌ يطلع عليها المخلصون من خلال ملامسة آثار الطاعات على قلوبهم؛ بحسب قوة إخلاصهم لربهم .. ومن ذاق عرف!!
فكثيرو التأمل في كل ما يدور حولهم من أحداث، وربط عموم مسيرتها بسنن الله من جهة، وحكمته البالغة التي تظهر فيما يتبعها من عواقب من جهة ثانية، لهم مع التسليم بقضاء الله وقدره، ووقع برده على القلوب سكينةً وطمأنينةً؛ ما لا يمكن للغافلين والعابثين تحصيله بحال!!
والمتقلبون في دجى الأسحار بين ركوع وسجود يلفه هدير الاستغفار بأنين زفراتٍ تتقطع معها القلوب رهبةً ورغبةً؛ لهم من مذاق حلاوة الإيمان ما يجعلهم بحقٍ؛ يستحقرون كل متاع الحياة الدنيا عن جدارة واستحقاق!!
والساعون لنصرة دينهم، الراغبون في جنان ربهم، الدافعون عن نفوسهم كل هواجس الخوف والخشية من غير الله، المضحون بدنياهم في سبيل إعلاء كلمة الله، قد بلغوا بشموخ قلوبهم ذروة سنام دين الله؛ فحق لهم استنشاق عبير الجنان، وهم لا يزالون أحياء بأجسادهم على ظهر هذه الحياة!!
والداعون لهدي ربهم، السالكون بالناس درب نجاتهم، والراغبون في الأخذ بأيدي الهالكين نحو بر أمانهم، وليس لهم مطمع في دنياهم، بل كل غايتهم رضوان ربهم، لهم مع أنوار الهداية سبلاً يعجز معها الصادون عن سبيل الله مهما بلغت حيلهم، في منعهم أو حصار دعوتهم لله!!
والساعون لتفريج الكربات ليلاً ونهار، والباذلون من أوقاتهم للإصلاح بين الناس ابتغاء وجه العزيز الغفار، قد نالوا من رقة القلوب ما يجعلهم رموزاً للأخيار، وعاشوا بصفاء قلوبهم عيشة الأطهار!!
هؤلاء جميعاً هم ملوك وأمراء يوم القيامة، الذين يلبسهم الله برحمته تيجاناً من نورٍ ولؤلؤٍ بطاعاتهم وإخلاصهم له، وذلك لأنهم عاشوا في هذه الدنيا بحقٍ عبيداً لله، فلم ينسبوا الفضل إلا لله وحده (سبحانه وبحمده) وتنكروا لذواتهم حين تيقنوا أن ما وهبهم الله من الطاعات إنما هو محض فضلٍ وتوفيق منه سبحانه، فلم يغتروا بأنفسهم، بل كانوا والله في منتهى الشفقة عليها من سخط وعذاب الله!!
فتحسسوا مواضع أقدامهم قبل إقدامهم، وكانوا مع كل خطوة يسألون العون من الله ربهم، فكانوا مع كل نجاح وتوفيقٍ، يحمدونه على ما وهبهم من جزيل فضله بمددهم، وعند كل عجز أو فشل؛ يرجعون أسبابه إلى تقصيرهم وذنوبهم!!
وإذا سألت عن سرائرهم، فلقد كانوا لتقلبات قلوبهم من أشد المراقبين، ولخبايا نفوسهم من أدق المحاسبين، وذلك حينما علموا أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة؛ فتضرعوا إلى الله أن يخرجهم من هذه الدنيا غير خزايا ولا مفتونين، ولا مغيرين ولا مبدلين!!
فهلا ذقت نعمة عيش العبودية لله.. لتكون ملكاً بحقٍ يوم تعز النجاة؟!
اللهم اجعلنا برحمتك من عبادك الموحدين المخلصين العابدين المتعبدين المقبولين.