مختارات من كلام الليالي والأيام لابن آدم ... لإبن أبي الدنيا رحمه الله
ابن أبي الدنيا
إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة من زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثلما زرع لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يُقدر له فمن أُعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شراً فالله وقاه، المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم :
(1) عن أبي الدرداء - قال خلف : قال أبو عوانة : رفعه بعض أصحابنا وأما أنا فلم أحفظ رفعه - قال : ما طلعت شمس قط إلا بجنبتيها ملكان يناديان إنهما ليُسمعان من على الأرض غير الثقلين : يا أيها الناس هلم إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى
وما غربت شمس قط إلا بجنبتيها ملكان يناديان إنهما ليُسمعان من على الأرض غير الثقلين : اللهم عجل لمنفق خلفاً وعجل لممسك تلفاً(رواه البيهقي في شعب الإيمان وأبونعيم في الحلية) (صححه الألباني :صحيح الترغيب)
(2) عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من صباح يُصبح العباد إلا صارخ يصرخ : أيها الخلائق سبحوا القدوس ) (رواه الترميذي في سننه)(حسنه السيوطي:الجامع الصغير, ضعفه الألباني:ضعيف الجامع)
من كلام الصحابة رضي الله عنهم:
(3) عن عبد الله بن عباس يقول :
إنكم من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة من زرع خيراً يوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شراً يوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع مثلما زرع لا يسبق بطيء بحظه ولا يدرك حريص ما لم يُقدر له فمن أُعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقي شراً فالله وقاه , المتقون سادة والعلماء قادة ومجالستهم ريادة .
(4) قال أبو الدرداء : ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة في مال ظل فرحاً مسروراً والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك ضل ضلالةً ما ينفع مال يزيد وعمر ينفد .
(5) كان الحسن يقول : ابن آدم اليوم ضيفك والضيف مرتحل بحمدك أوبذمك وكذلك ليلتك .
(6) عن الحسن قال : ابن آدم إنك بين مطيتين يوضعانك !
يوضعك الليل إلى النهار والنهار إلى الليل حتى يُسلِماك إلى الآخرة فمن أعظم منك يا ابن آدم خطراً ؟ !
(7) عن الحسن قال : الدنيا ثلاثة أيام : - أما أمس فقد ذهب بما فيه - وأما غد فلعلك لا تدركه - واليوم لك فاعمل فيه .
(8)عن الحسن قال : ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك وإلا تكن من عمرك فأراك تطلب ما ليس لك !
(9) عن الحسن قال : ليس يوم يأتي من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول : يا أيها الناس إني يوم جديد وإني على ما يُعمل فيّ شهيد فإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة.
من كلام السلف الصالح رحمهم الله:
(10)عن موسى الجهني قال : ما من ليلة إلا تقول : ابن آدم أحدث فيّ خيراً فإني لن أعود إليك أبداً !
(11) عن سفيان بن عيينة يقول : قال بعض أهل الحلم :
الأيام ثلاثة : - فأمس حكيم مؤدب أبقى فيك موعظة وترك فيك عبرة
واليوم ضيف عندك طويل الغيبة وهو عنك سريع الظعن وغد لا تدري من صاحبه !
(12) عن عبيد الله بن شميط بن عجلان قال : سمعت أبي يقول : إن المؤمن يقول لنفسه : إنما هي ثلاثة أيام :
فقد مضى أمس بما فيه وغدا أمل لعلك لا تدركه إنك إن كنت من أهل غد فإن غداً يجيء برزق غد
إن دون غد يوماً وليلة تخترم فيها أنفس كثيرة لعلك المُخترم فيها ,كفى كلُ يومٍ همه .
(13) عن مالك بن دينار قال : إن هذا الليل والنهار خزانتان فانظروا ما تضعون فيهما
وكان يقول : اعملوا لليل لما خُلق له واعملوا للنهار لما خُلق له .
(14) عن أبي شيبة المهري قال : اختلاف الليل والنهار غنيمة الأكياس .
(15)كان مفضل بن يونس إذا جاء الليل قال : ذهب من عمري يوم كامل ! فإذا أصبح قال : ذهبت ليلة كاملة من عمري ,
فلما احتضر بكى وقال : قد كنت أعلم أن لي من كركما -كر الليل والنهار- علي يوما شديداً كربه شديداً غُصصه شديداً غمه شديداً علزه –القلق والفزع- فلا إله إلا الذي قضى الموت على خلقه وجعله عدلاً بين عباده ,
ثم جعل يقرأه القرآن : { الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور } ثم تنفس فمات .
(16) قال مفضل بن يونس : رأيت أخا بني الحارث محمد بن النضر اليوم كئيبا حزيناً فقلت : ما شأنك ؟ وما أمرك ؟
قال : مضيت الليلة من عمري ولم أكتسب فيها لنفسي شيئاً ويمضي اليوم أيضاً ولا أراني أكتسب فيه شيئاً فإنا لله وإنا إليه راجعون !
(17)عن مالك بن مغول قال : كان رجلٌ إذا رأى الليل مقبلاً بكى وقال : هذا يُميتني !
(18) عن شيخ من بني عامر بن صعصعة قال : قال لي رجل : قد اعتورك الليل والنهار يدفعك الليل إلى النهار ويدفعك النهار إلى الليل حتى يأتيك الموت .
(19)كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله والإنشمار بما استطعت من مالك وما رزقك الله إلى دار قرارك,فكأنك والله قد ذقت الموت وعانيت ما بعده بتصريف الليل والنهار, فإنهما سريعان في طي [ الأجل ] ونقص العمر مستعدان لمن بقي بمثل الذي قد أصابا به من مضى, فنستغفر الله لسيءِ أعمالنا ,ونعوذ بالله من مقته إيانا ما يعظ به مما نقصر عنه
(20) عن محمد الصفار قال : حدثني رجل من أهله - : يعني أهل داود الطائي - قال : قلت له يوماً : يا أبا سليمان قد عرفت الذي بيننا فأوصني قال : فدمعت عيناه ثم قال :
يا أخي إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي بهم ذلك إلى آخر سفرهم فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاداً لما بين يديها فافعل ,فإن انقطاع السفر عن قريب,ما هو والأمر أعجل من ذلك فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض من أمرك فكأنك بالأمر قد بَغَتك,إني أقول لك هذا وما أعلم أحدا أشد تضييعا مني لذلك , ثم قام .
(21) كتب الأوزاعي إلى أخ له : أما بعد فإنه قد أحيط بك من كل جانب واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة فاحذر الله والمقام بين يديه وأن يكون آخر عهده بك. والسلام
(22) كان رياح القيسي يمر بعد المغرب إذا خلت الطرق وكان ينشج بالبكاء ويقول : إلى كم يا ليل ويا نهار تحطان من أجلي وأنا غافل عما يراد بي ! إنا لله,إنا لله .فهو كذلك حتى يغيب عني وجهه !
(23) كان أبي محرز الطفاوي يقول : أما والله لئن غفلتم إن لله عباداً لا يغفلون عن طاعته في هذا الليل والنهار .
(24) عن عمر بن ذر قال : قرأت كتاب سعيد بن جبير إلى أبي : أبا عمر كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة .
(25) عن عمر بن ذر يقول : اعملوا لأنفسكم رحمكم الله في هذا الليل وسواده, فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار, والمحروم من حرم خيرهما, إنما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم,فأحيوا لله أنفسكم بذكره ,فإنما تحيا القلوب بذكر الله, كم من قائم لله في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته ؟
وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله للعابدين غدا ؟
فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله .
(26) عن رجل من قريش قال : كتب رجل إلى أخ له : أما بعد فإني أحدثك عن نفسي بما لا أرضاه منها وعن قلبي بما أخاف سوء عاقبته ,إن لي نفسا تحب الدعة وقلباً يألف اللذات وهمةً تستثقل الطاعة ! وقد رهبت نفسي الآفات,وحذرت قلبي الموت وزجرت همتي عن التقصير,فلم أرض ما رجع منهن, فاهد لي بعض ما أستعين به على ما شكوت إليك فقد خفت الموت قبل الاستعداد له والسلام
فكتب إليه :
أما بعد فقد كثر تعجبي من قلب يألف الدنيا ويطمع في البقاء ! الساعات تنقلنا والأيام تطوي أعمارنا فكيف نألف ما لا ثبات له ؟ وكيف تنعم عين لعلها لا تطرف بعد رقدتها إلا بين يدي الله ؟ والسلام
(27) عن أبي مسلم بن سعيد قال : كنا جلوسا في مجلس من مجالس بني حنيفة فمر بنا أعرابي كهيئة المهموم فسلم وانطلق ثم أقبل علينا فقال : معشر العرب ! قد سئمت لتكرار الليالي والأيام ودورها علي فهل من شيء يدفع عني سآمة ذلك أو يُسلي عني بعض ما أجد من ذلك ؟ ثم ولى غير بعيد ثم أقبل علينا فقال : واهاً لقلوب نقية من الآثام ! واهاً لجوارح مسارعة إلى طاعة الرحمن ! أولئك الذين لم يملوا الدنيا لتوسلهم منها بالطاعة إلى ربهم ولما يكرهوا الموت إذا نزل بهم لما يرجون من البركة في لقاء سيدهم وكلا الحالتين لهم حال حسنة : إن قدموا على الآخرة قدموا على ما قدموا من القربة فإن تطاولت بهم المدة قدموا الزاد ليوم الرجعة قال : فما سمعت موعظة أشد استكناناً في القلوب منها ! فما ذكرتها إلا هانت علي الدنيا وما فيها !
(28) قال لقمان لابنه : يا بُني عود لسانك : اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً .
أبيات من الشعر:
(29) قال كعب بن مالك في بعض اشعاره : ( إن يسلم المرء من قتل ومن هرم ... وملي العيش أبلاه الجديدان )
(30) قيل لـ ابن يزيد القرشي : كان أبوك يتمثل من الشعر شيئا ؟ قال : كان يتمثل :
( إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل )
( فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ... فإنما الربح والخسران في العمل )
(31) أنشدني محمود بن الحسن : :
( مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً ... وأعقبه يوم عليك جديد )
( فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة ... فثن بإحسان وأنت حميد )
( فيومك إن أعتبته عاد نفعه ... عليك وماضي الأمس ليس يعود )
( ولا تُرج فعل الخير يوماً إلى غدٍ ... لعل غداً يأتي وأنت فقيد )
(32) قال الصلتان العبدي :
( أشاب الصغير وافنى الكبير ... مر النهار وكر العشي )
( إذا ليلة هدمت يومها ... أتى بعد ذلك يوم فتي )
( نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي )
( تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقي ! )
(33) أنشدني محمود بن الحسن : قوله :
( يا أيها الشيخ المعلل ... نفسه والشيب شامل )
( اعلم بأنك نائم ... فوق الفراش وأنت راحل )
( والليل يطوي لا يفتر ... والنهار بك المنازل )
( يتعاقبان بك للردى ... لا يغفلان وأنت غافل )
(34) كان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذه الأبيات :
( أيقظان أنت اليوم أم أنت نائم ... وكيف يطيق النوم حيران هائم )
( فلو كنت يقظان الغداة لخرمت ... مدامع عينيك الدموع السواجم )
( بل أصبحت في النوم الطويل وقد دنت ... إليك أمور مفظعات عظائم )
( نهارك يا مغرور سهو وغفلة ... وليلك نوم والردى لك لازم )
( يغرك ما يفنى وتشغل بالمنى ... كما غر باللذات في النوم حالم )
( وتشغل فيما سوف تكره عبأة ... كذلك في الدنيا تعيش البهائم ! )
وصلى الله على سيدنا محمد وسلم