إليك يا فتاة الإسلام

منذ 2015-02-19

إن المتأمل لواقع بعض فتيات المسلمين اليوم يرى تحوّلا كبيرا مما كانت عليه فتيات الأمس، فبدل المصحف المجلة الخليعة، وبدل الحجاب التبرج وكشف الزينة، وبدل الحشمة والحياء السفور والفجور، وبدل طلب العلم ضياع الأوقات أمام الشاشات.

إن المتأمل لواقع بعض فتيات المسلمين اليوم يرى تحوّلاً كبيرًا مما كانت عليه فتيات الأمس، فبدل المصحف المجلة الخليعة، وبدل الحجاب التبرج وكشف الزينة، وبدل الحشمة والحياء السفور والفجور، وبدل طلب العلم ضياع الأوقات أمام الشاشات.

وإذا أخذنا جولة بسيطة حول واقع فتيات الأمس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وواقع فتياتنا، نجد الفرق شاسعاً بينهما، حيث كانت الفتاة في الأمس القريب، خائفة من ربها، ساعية لطلب العلم النافع الموصل إلى جنة عرضها السموات والأرض، محتشمة عفيفة، مبادرة إلى الخيرات، مجتهدة في العبادات، كل ذلك لتنال رضا ربها وتدخل جنة عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين.

فهذه فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تنصر دينها وأبيها، يوم أن قل النصير في مكة، وتحتسب على صناديد الكفر والعناد، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: "أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان، فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد"، فانبعث أشقى القوم، فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم أنظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم ساجد ما يرفع رأسه حتى انطلق إنسان، فأخبر فاطمة فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه ثم أقبلت عليهم تشتمهم..." [1].

ومن هنا نعلم أن الفتاة قد تحقق لدين الله ونصرة رسول الله، ما لم يحققه كثير من الرجال فقد استطاعت فاطمة رضي الله عنها أن تزيل الأذى عن أبيها صلى الله عليه وسلم وأن تسب الملأ من قريش دون أن تتعرض للأذى، لأن تقاليد العرب تمنعهم من الاعتداء على النساء.

فابن مسعود رضي الله عنه يحب النبي صلى الله عليه وسلم، أعظم من حبه لنفسه، لكنه كان على يقين من أنه لن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو جثة هامدة، فلن يتمكن من تخليصه من الأذى، فخصت الأذى عن أبيها فاطمة الزهراء رضي الله عنها.

فمها يُرتل آي ربك بينما *** يدها تدير على الشعير رحاها

بلت وسادتَها لآلئُ دمعِها *** من طولِ خشيتها ومن تقواها

فيا فتاة الإسلام، كوني كفاطمة في الدفاع عن عرض الحبيب عليه الصلاة والسلام، ولا تتواني عن النصرة لله ولرسوله..

وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، قالت: وانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: "والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه"، قالت: قلت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت فأخذت أحجارًا فتركتها، فوضعتها في كوة البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده، فقلت: "يا أبت ضع يدك على هذا المال"، قالت: فوضع يده عليه، فقال: "لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ"، قالت: "لا والله ما ترك لنا شيئاً ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك"[2].

هذه أسماء هي البنت التي رباها أبوها، فلله درها رضي الله عنها ما أعقلها!

يا فتاة الإسلام، كانت فتاة الأمس تثبت أباها في وقت المحن والبلايا، فهذا عاصم بن علي ممن ثبت في محنة خلق القرآن، جاءته رسالة من ابنتيه وفيها: "بلغنا أن هذا الرجل أخذ أحمد بن حنبل فضربه على أن يقول القرآن مخلوق، فاتق الله ولا تجبْه، فوالله لأن يأتينا نعيك، أحب إلينا من أن يأتينا أنك أجبت" [3].

ومع شدة حياء فتاة الأمس، إلا أنه لم يمنعها من التفقه في الدين ومعرفة أمور دينها، فهذه أَسْمَاء بِنْتَ شَكَلٍ تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ، وعَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: "نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين" [4].

عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة أن أم سليم رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت"، قال: «نعم إذا رأت الماء» فضحكت أم سلمة فقالت: "تحتلم المرأة"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فبم يشبه الولد» [5].

وجاء في رواية عند مسلم، جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له وعائشة عنده: "يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه"، فقالت عائشة: "يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك"، فقال لعائشة: «بل أنت فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذاك» [6].

يا فتاة الإسلام، كم من فتاة فاقت كثيراً من الرجال في طلب العلم، فهذه حفصة بنت سيرين، يقول عنها إياس بن معاوية: "ما أدركت أحداً أفضله عليها، وقال قرأت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة وعاشت سبعين سنة، فذكروا له الحسن وابن سيرين، فقال أما أنا فما أفضل عليها أحدًا"[7].

وقال مهدي بن ميمون: "مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة"[8].

قال القاسم للزهري: "أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟" قلت: "بلى". قال: "عليك بعمرة بنت عبد الرحمن، فإنها كانت في بيت عائشة رضي الله عنها". قال الزهري: "فأتيتها فوجدتها بحرًا لا ينضب" [9].

وقال ابن كثير عن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم: "الشيخة العابدة الصالحة العالمة... كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده، وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا" [10].

وقد عرف التاريخ الإسلامي من النساء بحوراً زاخرة في العلم، وفقيهات نابغات، ومحدثات ثقات، عرفن بالصدق والأمانة في رواية الحديث حتى قال الحافظ الذهبي: "ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها" [11].

كانت فتاة الأمس محتشمة خائفة من ربها، فهذه امرأة لقيها رجل أعرابية فأرادها على نفسها فأبت وقالت: "ثكلتك أمك أمالك زاجر من كرم؟ أمالك ناهٍ من دين؟" قال: "والله لا يرانا إلا الكواكب!" قالت: "وأين مكوكبها؟" [12].

وانظر إلى مسارعة فتيات الصحابة ونسائهم لامتثال أمر الله في الحجاب والفرح بذلك:

تقول عائشة رضي الله عنها: "يرحم الله نساء المهاجرات لما أنزل الله {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها" [13].

قال ابن الجوزي: "بلغني عن بعض الأشراف أنه اجتاز بمقبرة، فإذا جارية حسناء عليها ثيابُ سود، فنظر إليها فعلقت بقلبه فكتب إليها يمدح جمالها:

قد كنتُ أحسِبُ أنَّ الشمسَ واحدةٌ *** والبدرَ في منظرٍ بالحسنِ موصوفُ

حتى رأيتكِ في أثــوابِ ثاكلـةٍ *** سُودٌ وصدغُكِ فوق الخدِّ معطوفُ

فرُحتُ والقلــبُ مني هائمٌ دَنِفٌ *** والكبدُ حرَّى ودمعُ العينِ مَذْروفُ

رُدِّي الجوابَ ففيهِ الشكرُ واغتنمي *** وصلَ المُحبِّ الذي بالحُبِّ مشغوفُ

ورمى بالرقعة إليها فلما قرأتها كتبت:

إن كنتَ ذا حسبٍ ذاكَ، وذا نسبٍ *** إن الشَّريفَ بِغضِّ الطَّرفِ معروفُ

إنَّ الزُّنـاةَ أُناسٌ لا خــلاقَ لهم *** فاعلم بأنكَ يـومَ الدين موقــوفُ

واقطع رجاكَ لحاكَ اللهُ من رجلٍ *** فإنَّ قلبي عن الفحشاءِ مصـروفُ

فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال: "جارية تكون أشجع منك؟!" ثم تاب إلى الله والتحق بالحرم يعبد الله [14].

كانت فتاة الأمس تذكر والديها بالخوف من الله تعالى إذا غفلوا، قال أسلم: " بينا أنا مع عمر بن الخطاب، وهو يعس بالمدينة إذ عيي تعب، فاتكأ على جانب جدار، وإذا امرأة تقول لابنتها: "قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه اخلطيه وامزجيه بالماء". قالت: "يا أماه أو ما علمت بما كان من عزمة أمير المؤمنين؟" قالت: "وما كان من عزمته يا بنية؟" قالت: "إنه أمر مناديه فنادى: لا يشاب اللبن بالماء".

فقالت لها: "إنك بموضع لا يراك عمر، ولا منادي عمر". فقالت الصبية: "والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء"، وعمر يسمع كل ذلك، ثم زوج عمر ابنه عاصم منها [15].

فاقتدي يا فتاة الإسلام بمن سبقك من الخيرات الصالحات المؤمنات، أسأل الله أن يوفقك لكل خير، آمين.

______________

[1] - رواه مسلم(1794).

[2]- رواه أحمد(26417)، وحسنه محققو المسند (44 / 520).

[3] - تاريخ بغداد، لأحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، (12/249).

[4] - رواه مسلم (332).

[5] - رواه البخاري (3328)، ومسلم(313)، واللفظ للبخاري.

[6] - رواه مسلم (310).

[7]- سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (4/507).

[8] - سير أعلام النبلاء(4/507).

[9]- سير أعلام النبلاء(5/347).

[10]- البداية والنهاية، للإمام ابن كثير (14/189).

[11]- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لشمس الدين محمد بن أحمد الذهبي(7/465).

[12]- شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي(1/511).

[13] - رواه البخاري (4102).

[14]- ذم الهوى، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن الجوزي (1/81).

[15]- محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تأليف يوسف بن حسن بن عبد الهادي المبرد (1/391).


عبد الله علي العبدلي

  • 4
  • 0
  • 6,916

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً