إليك يا معلمة الأجيال

منذ 2015-02-19

ازرعي في نفوس أولادك الحياء الأولاد والبنات: الحياء من الله أولا بأن لا يراهم على معصية أو يفقدهم في طاعة ثم الحياء الفطري البشري وذلك عن طريق حثهم على ستر عوراتهم عن أعين الناس عامة القريب والبعيد، وأشعريهم بحرمة العورة ووجوب حفظها حتى يكون الحياء صفة ملازمة لهم.

إن من الحقوق التي اهتم بها الإسلام اهتماماً بالغاً تربية الأولاد وفلذات الأكباد، إذ هم أمانة في أعناق الوالدين، والوالدان مسؤولان عن تلك الأمانة العظيمة، والتقصير في تربية الأولاد خلل واضح، وخطأ فادح؛ فالبيت هو المدرسة الأولى للأولاد، والبيت هو اللبنة التي يتكون من أمثالها بناء المجتمع، وفي الأسرة الكريمة الراشدة التي تقوم على حماية حدود الله تبارك وتعالى وحفظ شريعته، وعلى دعائم المحبة والمودة والرحمة والإيثار والتعاون والتقوى ينشأ رجال الأمة ونساؤها، وقادتها وعظماؤها.

والولد قبل أن تربيه المدرسة والمجتمع يربيه البيت والأسرة، وأعني بمعلمة الأجيال هي تلك الأم التي تعيش مع طفلها وفلذة كبدها من مهده إلى أن يصير شاباً، وهي أكبر معلمة وهي المدرسة العظمى التي يتلقى الطفل تعليمه وعليك أيتها الأم الحنون والمدرسة العظمى أن تعلمي أنك مسؤولة عن أولادك كما في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها...» (رواه البخاري برقم [2278]، ومسلم، برقم [1829]، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما)، فصلاح الولد وشقاؤه مرهون بك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكم ممن أشقى ولده، وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعُه بولده، وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء" (تحفة المودود بأحكام المولود، للإمام ابن القيم الجوزية [242]).

ولأن الأولاد أمانة في عنقك يا معلمة الأجيال (أعني الأم) والله أمر في كتابه الكريم بأداء الأمانة إلى أهلها فقال في كتابه: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58]، ولهذا كان لا بد لنا أن نقف معك أيتها الأم وقفات فأقول:

عليك أيتها الأم أن تكوني مستشعرة بالمسؤولية والأمانة التي حُملتيها حتى تكوني معلمة للأجيال، ولا بد أن تقومي بتعويد أبناءك منذ صغرهم على الخلال الحسنة والآداب الطيبة فإن الولد ينشأ على ما عُود عليه وقد أحسن القائل:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه

ومن جملة ما ينبغي أن تعوديهم عليها ما يلي:

اغرسي حب الله تبارك وتعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم في نفوسهم: عظمي الله تبارك وتعالى في نفوس أولادك عرفيهم بصفات الله تبارك وتعالى العظيمة الدالة على كماله ووحدانيته، فالله هو الرزاق وهو الذي أوجد الناس من العدم، هو الذي خلق السماوات السبع بلا عمد، وهو الذي ينزل الأمطار وهو الذي يميت الناس، وازرعي في نفوسهم حب طاعة الله تبارك وتعالى، ومن ذلك المحافظة على ما أوجب الله تبارك وتعالى علينا، ومن ذلك مثلاً عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام، إنها الصلاة الصلة بين العبد وربه تبارك وتعالى، علميهم الصلاة لسبع سنين، واضربيهم عليها لعشر كما علّمنا ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

اغرسي فيهم مراقبة الله تبارك وتعالى: وذلك بتعريفهم صفات الله تبارك وتعالى وأن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، لا يخفى عليه خافية قال الله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]، وقال: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن:4]، وغير ذلك من الآيات.

ويذكر أن رجلاً أراد أن يعلم تلاميذه درساً في المراقبة ليعلم النبهاء منهم فطلب منهم جميعاً أن يذهبوا وكل واحد منهم يذبح طيراً في مكان لا يراه أحد، فانطلقوا جميعاً مع كل واحد منهم طيراً وسكيناً، فالبعض اختبأ في بيت وذبح الطائر، وهذا في مكان كذا وهذا في مكان كذا، وكلهم يقول ذبحته في مكان ولا أحد أبصرني، وجاء أحدهم بالطائر في يده حياً فقال له المعلم: لماذا لم تذبح الطائر؟! فماذا كان الجواب؟!

فقال إجابة مدوية قال فيها: ذهبت في كل مكان واختفيت عن أعين الناس، لكني لم أستطع أن أختفي عن نظر الله تبارك وتعالى إلي، فكان هو الذي الذكي اللبيب، قال الله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة الحديد:4].

التسمية عند الأكل، وحمد الله تبارك وتعالى بعد الانتهاء من الأكل: فإن مما ينمي في نفوس الأطفال توحيد الربوبية مثل هذه الآداب وإعلامهم بأن هذه نعمة من الله تبارك وتعالى علينا يجب علينا أن نشكره تجاهها، ومن شكر الله تعالى أن نتأدب بآداب الأكل والشرب؛ فعن عمر بن أبي سلمى رضي الله عنه قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» (رواه البخاري برقم [5061]، ومسلم برقم [2022])، ويكون الأكل باليد اليمنى، ثم إذا سقطت لقمة من يد أحد أولادك فاطلبي منه أن يمسح ما أصابها من الأذى ويأكلها ولا يدعها للشيطان فقد صح عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من حديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها ولا يدعها للشيطان»، وأمرنا أن نسلت القصعة، قال: «فإنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» (رواه مسلم برقم [2034]).

ازرعي في نفوس أولادك الحياء الأولاد والبنات: الحياء من الله أولا بأن لا يراهم على معصية أو يفقدهم في طاعة ثم الحياء الفطري البشري وذلك عن طريق حثهم على ستر عوراتهم عن أعين الناس عامة القريب والبعيد، وأشعريهم بحرمة العورة ووجوب حفظها حتى يكون الحياء صفة ملازمة لهم.

ازرعي في نفوس أولادك الأدب: والأدب لفظ عام يشمل الأدب مع الوالدين بحيث لا تسمحين لهم بمناداتك باسمك مجرداً، وأن هذا ينافي البر، وعوديهم بالأدب مع الكبار وذلك باحترامهم وتقديرهم والتأدب معهم فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا» (رواه أبو داود برقم [4943]، والترمذي، برقم [1920]، واللفظ له، وأحمد في المسند برقم [6733]، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني).

وازرعي في نفوسهم حب المساكين: وذلك بالعطف عليهم والشفقة، عوديهم الإنفاق ولو شيئاً يسيراً للفقراء والمساكين، حتى يكون البذل والسخاء من صفاتهم.

عوديهم الزهد في الدنيا: وذلك ببيان حقيقتها لهم وأنها دار الغرور ودار الهوان، ما ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه إلا ذمها وما ذلك إلا لحقارتها، وما سميت دنيا إلا لدناءتها قال رب العزة والجلال في كتابه الكريم: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [الأنعام:32]، وقال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]، فالله تبارك وتعالى يذم الدينا ويربطهم بالآخرة، وقد كان من هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تزهيد الناس في الدنيا فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفته فمر بجدي أسك ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: «أيكم يحب أن هذا لهبدرهم؟»، فقالوا: "ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟" قال: «أتحبون أنه لكم؟»، قالوا: "والله لو كان حياً كان عيباً فيه؛ لأنه أسك فكيف وهو ميت؟" فقال: «فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم» (رواه مسلم برقم [2957]).

هذا الذي ينبغي أن تكوني عليه أيتها الأم الحنون، ولكن للأسف شاع في كثير من المجتمعات التفريط في تربية الأبناء، وعدم المحافظة عليهم فتراهم يتسكعون في الطرقات، أصيبوا ببذاءة اللسان، وتركوا الصلاة، وساء أدب الكثير منهم مع الوالدين، وكل ذلك راجع إلى الإهمال من الوالدة، فعليك أن تعرفي قدر المسؤولية التي على كاهلك، فتؤديها كما ينبغي.

ويندرج تحت هذا العنوان المعلمة التي تقوم بتدريس الأبناء والبنات في المدارس وحلقات التحفيظ فلا تقل مسؤوليتك عن الأم لأنك تعتبرين أماً ومعلمة لتلاميذك، علميهم الأخلاق الفاضلة، فالمدرسة مهمتها عظيمة ورسالتها رائدة، حببي إليهم كلام الله تبارك وتعالى، وقومي بإلزامهم ببعض البرامج الهادفة، وأوقدي في نفوسهم الهمم للسباق إلى الدار الآخرة، نسأل الله- تبارك وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا ناصحين لمن ولانا الله أمرهم، ونسأله أن يوفقنا لطاعته ورضاه، وأن يهدينا ويهدي بنا، والحمد لله رب العالمين.

 

[2]: رواه البخاري برقم (2278)، ومسلم، برقم (1829)، من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -.

[3]: تحفة المودود بأحكام المولود، للإمام ابن القيم الجوزية(242).

[4]: رواه البخاري برقم (5061)، ومسلم برقم (2022).

[5]: رواه مسلم برقم (2034).

[6]: رواه أبو داود برقم (4943)، والترمذي، برقم(1920)، واللفظ له، وأحمد في المسند برقم (6733)، وقال محققوه: حديث صحيح، وصححه الألباني.

[7]: رواه مسلم برقم (2957).


محمد بن عبد الله العبدلي

  • 2
  • 0
  • 9,674

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً