القوامة وتقسيم الأدوار
إن المرأة في نظر الإسلام هي إنسان مكلف وليس بينها وبين الرجل أي فرق في القيمة الإنسانية والإيمانية، وإنما جعل القوامة بيد الرجل بسبب قوة الرجل الجسمانية والنفسانية والتي تناسب مواجهة ظروف الحياة الخارجية للأسرة لحمايتها وتموينها.
القوامة لا تلغي شخصية المرأة، ولا تصادر رأيها وحقوقها، وليس معنى القوامة الظلم والتسلط والقهر، ألم يأمر الله الرجال بحسن عشرة النساء فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ} [النساء: 19].
وقال صلى الله عليه وسلم: «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخيارهم خيارهم لنسائهم» (رواه الترمذي).
ويا ليت من يستشهد بقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: من الآية 34]، على فهمه الخاطئ لمعنى القوامة، ليته يكمل الآية وينتبه ويعرف السبب الذي جعل الله لأجله القوامة له عليها، حيث جاء في الآية بيان السبب: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: من الآية 34]، أي أن القوامة أنيطت إليك أيها الرجل بما فضلك الله وأوجد فيك من مقومات القوامة، فأنت أجدر وأقدر خلقةً وطبيعةً لتحمل أعباء القوامة ومتطلباتها من عمل ونفقة ورعاية.
فالقوامة إذًا مسؤولية وتكليف أكثر مما هي تشريف وتكريم، فالرجل مسؤول عن نفقة المرأة ومصاريفها حتى تنسى هي هذه الهموم وتتفرغ لمهمتها الكبرى التي خلقها الله لها بالدرجة الأولى، ولا يصلح لها إلا هي وحدها، فمن الخطأ أن يزجّ بالمرأة في أتون العمل المرهق الذي لم تخلق له، وليس لها قبل به ولا يساعدها تكوينها الجسمي.
فالشريعة المعصومة تأمر الرجل وتلزمه أن يقوم بقوامته على المرأة، وأن ينفق على مولياته وعلى زوجته حتى لو كانت الزوجة غنية، والإسلام يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة تكاملية، أي أن كلاً منهما يكمل الآخر وليست علاقة تنافسية أو متساوية: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران: من الآية 195].
إن المرأة في نظر الإسلام هي إنسان مكلف وليس بينها وبين الرجل أي فرق في القيمة الإنسانية والإيمانية، وإنما جعل القوامة بيد الرجل بسبب قوة الرجل الجسمانية والنفسانية والتي تناسب مواجهة ظروف الحياة الخارجية للأسرة لحمايتها وتموينها.
وأما ضعف المرأة الجسماني والنفساني يناسب الطمأنينة والسكينة التي تحتاجها الأسرة في جوها الأسري الداخلي، والمتأمل في هذا التقسيم يجد أنه روعي فيه جانب القدرات والاختصاص والتكوين الجسمي، وجانب مصلحة الأسرة واستقرارها، وكل من يعترض على هذا التقسيم إما هو جاهل للحكمة أو متجاهل مغرض.
فلا يمكن أن نتصور أهمية هذا التقسيم وجماله وروعته والحكمة الكامنة من ورائه إلا إذا تصورنا عكسه؛ لأن الأشياء بضدها تتبين كما قال الشاعر عمر بن أبي ربيعة: "والضد يظهر حسنه الضد"، فلك أن تتصور ما يحصل من اختلال ومفاسد لنظام الأسرة إذا أعطينا المهمة المنوطة على عاتق الرجل للمرأة فترجلت، وأعطينا مهام المرأة للرجل فتأنث؛ فعندها تحل الكارثة بالأسرة، ويختل نظامها، وتنهد أركانها؛ فتصبح آيلة للانهيار في أي لحظة من اللحظات إن لم يحصل الانهيار فعلاً.
فالنساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق مثل ما للرجال، فكل ما في الأمر هو تقسيم للأدوار بكل تجرد وعدل وإنصاف حسب ما تقضيه مواهب وقدرات وطاقات كل واحد منهما، فالنساء خلقن ليكملن النقص الموجود لدى الرجل، كما أن الرجال خلقوا لسد الخلل الموجود لدى النساء؛ فهما فردان يكمل بعضهما بعضاً، وليسا كما يصوره كثير من وسائل الإعلام ندين متنافسين يناقض ويصارع بعضهما بعضاً.
وما أروع ما قالت أمامة بنت الحارث التغلبية موصية ابنتها: "أي بنية! لو استغنت امرأة عن زوج بفضل مال أبيها لكنت أغنى الناس عن ذلك، ولكنا للرجال خلقنا كما خلقوا لنا". قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية 228].
قال ابن كثير: "أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن؛ فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف" ولها كامل الحرية في التعلم والتملك والتصرف في مالها.
وهكذا نجد أن الإسلام أقام نظام الأسرة على قاعدة حقيقية قوية ملائمة للفطرة، وعلى أساس ثابت دقيق مستمد من الواقع، وكل ما يقع مخالفاً لهذه المقاصد والمعاني من البعض خاصة من الرجال، ليس لدين الإسلام فيه شأن، وهو منه براء.
- التصنيف:
- المصدر: