الحب في الله علاماته وفضله وشروطه
إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله. وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان. فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفى، وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا.
- التصنيفات: التقوى وحب الله - أعمال القلوب -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
السؤال:
ما معني الحب في الله؟ وكيف يكون؟ وعندما أقول لأحد: إني أحبك في الله. فماذا يكون أساس تعاملي معه، وكيف يكون التعامل؟ ما علامات حب الله لي؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على البشير النذير، سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الحب من أسمى وأرقى العواطف الإنسانية، فإذا توجهت هذه العاطفة النبيلة لله تعالى، وكانت هي محور العلاقات بين المسلمين، ذللت كثيرًا من الصعاب، وأثمرت كثيرًا من الثمار الطيبة في حياة الأمة، ولقد جاءت أدلة عديدة تؤكد هذا المعنى الكريم، وتبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله به عليه، منها:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ». قالوا: يا رسول اللهِ، تخبرنا من هم، قال:« ». وقرأ هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. (رواه أبو داود؛ برقم: [3527]).
وقال عليه الصلاة والسلام: «
» (رواه مسلم؛ برقم: [2566]).وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «البخاري؛ برقم: [660]، ومسلم؛ برقم: [1031]).
» (أخرجهوالأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا، بل هي مستمرة في الآخرة، يقول تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].
إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله. وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان. فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفى، وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا. ومن هذه الحقوق:
أولًا: الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم، كما قال عليه الصلاة والسلام: «
» (متفق عليه: البخاري؛ برقم: [13]، ومسلم: برقم: [45]).ثانيًا: التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبيين الطريق له، وإعانته على الخير ودفعه إليه، يقول تعالى: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]، ويقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة من الآية:71].
ثالثًا: القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد وزيادة الصلة، وأداء الحقوق، قال عليه الصلاة والسلام: «
». قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: « » (رواه مسلم؛ برقم: [2162]).رابعًا: من حقوق المسلم على المسلم: لين الجانب، وصفاء السريرة، وطلاقة الوجه، والتبسط في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: «ابن تيمية: "ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا، لم يبق بين المسلمين عصمةٌ ولا أخوة".
» (رواه مسلم؛ برقم: [2626]). واحرص على نبذ الفرقة والاختلاف. قال شيخ الإسلامخامسًا: من حقوق المسلم على المسلم: دلالته على الخير، وإعانته على الطاعة، وتحذيره من المعاصي والمنكرات، وردعه عن الظلم والعدوان، قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم؛ برقم: [2584]).
سادسًا: وتكتمل المحبة بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين، وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات، قال صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه مسلم؛ برقم: [2733]).سابعًا: تلمس المعاذير لأخيك المسلم، والذب عن عرضه في المجالس، وعدم غيبته أو الاستهزاء به، وحفظ سره، والنصيحة له إذا استنصح لك، وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى، قال صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه أحمد؛ برقم: [23064]، وأبو داود؛ برقم: [5004]).ثامنًا: تقديم الهدية والحرص على أن تكون مفيدة ونافعة، مثل إهداء الكتاب الإسلامي، أو الشريط النافع، أو مسواك أو غيره، وقد "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْبَلُ الهديَّةَ ويُثِيبُ عليها" (رواه البخاري؛ برقم: [2585]).
أما عن كيفية تعاملك مع من تحب في الله تعالى فهو كالتالي:
1- من واجبات الأخوة الإسلامية إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجاته، وتفريج كربته، وإدخال السرور على نفسه، قال عليه الصلاة والسلام: «
» (رواه الطبراني في المعجم الكبير: [6/139]).2- احرص على تفقد الأحباب والإخوان والسؤال عنهم وزيارتهم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « » (رواه مسلم؛ برقم: [2567]).
وقال عليه الصلاة والسلام: «
» (رواه الترمذي؛ برقم: [2008]، وابن ماجه؛ برقم: [1443]).
أما عن علامات محبة الله للعبد فهي كثيرة لخصها الشيخ محمد بن صالح المنجد كما يلي:
1- اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى في كتابه الكريم: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران:31].
2- الذلة للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه.
وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}[المائدة من الآية:54].
3- القيام بالنوافل: قال الله عز وجل في الحديث القدسي: «
» (أخرجه البخاري؛ برقم: [6502])، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.4- الحبّ، والتزاور، والتباذل، والتناصح في الله.
وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: «الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب)؛ برقم: [3019] و[3020] و[3021]).
» (رواه أحمد؛برقم: [19438]، [22080]، و"التناصح" عند ابن حبان؛ برقم: [577]، وصحح الحديثين الشيخ5- الابتلاء، فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّك تقدمه على مرارته لمن تحب -ولله المثل الأعلى- ففي الحديث الصحيح: « » (رواه الترمذي؛ برقم: [2396]، وابن ماجه؛ برقم: [4031]، وصححه الشيخ الألباني).
وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
يوسف صديق البدري