مظاهر الابتلاء

منذ 2015-02-21

الابتلاء بالضراء أو الشر: وهو الذي يراد بالابتلاء أو الفتنة عند الإطلاق

 

1- الابتلاء بالضراء أو الشر:
وهو الذي يراد بالابتلاء أو الفتنة عند الإطلاق، وقد تخفى حكمة هذا النوع على الكثيرين، إذ قد يراد به اختبار الصدق في الإيمان، والصبر على الجهاد في سبيل اللّه، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ} [محمد:31]. وقد يراد به التمهيد والتدريب على التمكين في الأرض، نظرا لما يعقب هذا الابتلاء من الصبر في الشدائد وتحمّل المشاق، واليقين بأن للّه تعالى حكمة في كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، قال تعالى: {وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، وقد أخبر المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم أن جزاء الصابرين على الابتلاء بالضراء هو الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «يقول المولى عز وجل: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة يريد عينيه»، وقال عليه الصلاة والسلام: «من ابتلى بشيء من البنات فصبر عليهن كنّ له حجابا من النار».


2- الابتلاء بالمعاصي أو السيئات:
وهذا المظهر لا يقل عن سابقه من حيث خطره وتأثيره في حياة الأمم أو الأفراد، وقد كان آدم أبو البشر هو أول من تعرض لهذا النوع من الابتلاء عندما أكل من الشجرة التي نهاه اللّه عنها. وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى ثمرة هذا الابتلاء عندما قال: "لو لم تكن التوبة أحبّ إلى اللّه لما ابتلى بالذنب أكرم المخلوقات عليه (آدم عليه السلام) فالتوبة هي غاية كل كمال آدمي وقد كان كمال أبينا آدم عليه السلام بها" (مفتاح دار السعادة).


3- الابتلاء بالسراء أو الخير:
يبتلى الإنسان على المستوى الشخصي بالنعماء أو الخير فتنة وتمحيصا، وذلك بأن يعطيه اللّه المال والجاه أو العافية والمنصب والأولاد ونحو ذلك، وهذا المظهر من أهم مظاهر الابتلاء نظرا لما يعقبه من شكر للنعمة أو كفر بها، قال تعالى فيما يحكيه القرآن عن سيدنا سليمان: {قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]، وشكر النعمة يعقبه زيادتها، أما كفرانها فإنه يورث الطغيان والكبر والعجب والخيلاء ونحو ذلك من أمراض القلوب، وقد حذّرنا المولى سبحانه من عاقبة النعماء، خاصة إذا تعلّق الأمر بالأموال والأولاد أو الأزواج، فقال عزّ من قائل: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:28].


4- الابتلاء بالطاعات:
كما يبتلى الإنسان بالمعصية لتتاح له فرصة التوبة والاستغفار ونحو ذلك، فإنه يبتلى أيضا بالطاعات ليشكر ربه على ما هداه إليه، وإلى هذا أشارت الآيات الكريمة {وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات:104-106]. وقد ضرب القرآن الكريم في قصة ابني آدم (قابيل وهابيل) أروع مثلين للابتلاء بالطاعة والمعصية، حيث كان أحدهما يمثل أقصى حالات الطاعة والتقوى، والآخر يمثل أقصى حالات المعصية المتمثلة في القتل، تأمل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ . فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ} [المائدة:27-30].


ابتلاء التكليف وابتلاء الفتنة:
وبالتمعن في هذه المظاهر الأربعة للابتلاء فإنه يمكن إرجاعها إلى مظهرين اثنين: الأول: ابتلاء التكليف ويشمل الابتلاء بالحسنات أو السيئات، بالطاعات أو المعاصي، يقول اللّه تعالى فيما يتعلق بهذا النوع الأول: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً . إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:2،3]، والآخر: ابتلاء الفتنة، ويشمل الابتلاء بالسراء أو الضراء، يقول اللّه تعالى في هذا النوع: {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35].


(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)

  • 55
  • 9
  • 23,604

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً