حكمة الابتلاء بالضراء أو الشر

منذ 2015-02-22

من أسماء اللّه عز وجل (الحكيم) ولهذا الاسم كما لغيره من الأسماء الحسنى آثار في الخلق تترتب عليه، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله سبحانه وتعالى، وما يجري به قضاؤه وقدره لا يخلو من الحكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وسنحاول هنا أن نتأمل بعض-وليس كل- أسرار الابتلاء بأنواعه المختلفة.

 

حكمة اللّه عز وجل في الابتلاء:
من أسماء اللّه عز وجل (الحكيم) ولهذا الاسم كما لغيره من الأسماء الحسنى آثار في الخلق تترتب عليه، ومن مقتضى ذلك أن تكون أفعاله سبحانه وتعالى، وما يجري به قضاؤه وقدره لا يخلو من الحكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وسنحاول هنا أن نتأمل بعض-وليس كل- أسرار الابتلاء بأنواعه المختلفة.

 

أولا: حكمة الابتلاء بالضراء أو الشر:
للابتلاء بالضراء أو الشر حكم عديدة نشير إلى أهمها فيما يلي:

 

أ- تقوية الإيمان بالقضاء والقدر:
يقول الشيخ محمد بن عثيمين: "على الإنسان أن يؤمن بقضاء اللّه وقدره، قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]، {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22]. وعلى المسلمين أن يؤمنوا بمشيئة اللّه في عموم ملكه فإنه ما من شيء في السماوات أو في الأرض إلا وهو ملك للّه عز وجل، وما من شيء في ملكه إلا وهو بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، ما من شيء يحدث من رخاء وشدة، وخوف وأمن، وصحة ومرض، وقلة وكثرة، إلا بمشيئته سبحانه وتعالى. إن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة لا يتم الإيمان إلا به، لكنه ليس حجة للإنسان على فعل معاصي اللّه أو التهاون بما أوجب اللّه، وجه ذلك أنّ اللّه أعطاك عقلا تتمكن به من الإرادة، وأعطاك قدرة تتمكن بها من العمل فلذلك إذا سلب عقل الإنسان لم يعاقب على معصية، ولا ترك واجب، وإذا سلب قدرته على الواجب لم يؤاخذ بتركه" (الضياء اللامع لابن عثيمين).

 

ب- الابتلاء جسر يوصل إلى أكمل الغايات:
يقول ابن القيم رحمه اللّه: "إذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته وجدت أنه ساقهم به إلى أجلّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل إلى عبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنهج في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم للّه من نعمة جسيمة ومنة عظيمة تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان" (مفتاح دار السعادة).

 

ج- الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض:
قيل للشافعي رحمه اللّه يا أبا عبد اللّه، أيهما أفضل للرجل أن يمكّن أو يبتلى؟ (أي بالضراء)، فقال الشافعي: "لا يمكّن حتى يبتلى، فإنّ اللّه تعالى ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات اللّه عليهم أجمعين فلما صبروا (على الابتلاء) مكّنهم" (الفوائد لابن القيم).

 

د- تمحيص المؤمن وتخليصه من الشوائب المنافية للإيمان:
إن المصائب التي تصيب الناس في أنفسهم أو في أرزاقهم، أو غير ذلك مما يتصل بهم مما يسرهم الكمال فيه ويؤلمهم النقص منه، تكمن حكمتها في التمحيص الناتج عن هذا الابتلاء والامتحان. فالبلايا والمحن محك يكشف عما في القلوب وتظهر به مكنونات الصدور، ينتفي بها الزيف والرياء، وتنكشف الحقيقة بكل جلاء .. تطهير لا يبقى معه زيف ولا دخل، وتصحيح لا يبقى فيه غبش ولا خلل، إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات. وتتفتح بها في القلوب منافذ ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا حين تعرض للابتلاء، وعند الحوادث يتميز الغبش من الصفاء والهلع من الصبر، والثقة من القنوط.

هـ- الردع والتحذير من الغرور:
إنّ العقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الجماعة أو الأمة من معاص تقتضي حكمة المولى عز وجل أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات، وقد أشارت إلى ذلك الآية الكريمة: {كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف:163].

 

و- الرحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة:
من حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل اللّه للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، يقول اللّه عز وجل: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30].

 

ز- إقامة حجة العدل على العباد:
يقول ابن القيم رحمه اللّه: "ومنها (أي من الحكم في الابتلاء بالضراء) إقامة حجة عدله عز وجل على عبده ليعلم هذا العبد أن للّه عليه الحجة البالغة، فإذا أصابه من المكروه شيء فلا يقول: من أين هذا؟ ولا من أين أتيت؟ ولا بأي ذنب أصبت؟ وما نزل بلاء قط إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة" (مفتاح دار السعادة).


(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)

  • 6
  • 2
  • 29,971

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً