انتهى الوقود.. فسقطت الطائرة!!
حياة الألوف المؤلفة من الناس تتحطّم كل يوم لأنهم لم يحدّدوا لأنفسهم أهدافًا معينة، ولم يرسموا الخطط الصحيحة التي توصلهم إليها، فينطلقون في دروب الحياة على غير هدى، حتى ينفد الوقود، وتنتهي الرحلة!
أقلعت الطائرة في موعدها المحدد تحمل (400) راكب. وما إن استوت (بنت الغمام) في الجو حتى استسلم الركاب جميعًا إلى نومٍ عميق، إلا شابًا في مقتبل العمر سأل نفسه: تُرى إلى أين نتّجه؟ وانتابه القلق! هو لم يحدد وجهةً معيّنة، وانسلَّ إلى الطائرة بدون بطاقة صعود، ولم يلاحظه أحد. وبنفس الطريقة استطاع أن يصل إلى قائد الطائرة وسأله: أين محطتنا القادمة؟ فأجابه القائد: والله يا بني لم أُحدّد اتجاهي بعد! بل إنني نسيت كل الخرائط... لكني تأكدت من أن الخزان مملوء بالوقود، فأقلعت متوكلًا على الله!!
هذه قصة خيالية لم ولن تحدث. فمصير هذه الطائرة بالطبع أن ينفد وقودها وهي في الجو، فتقع وتتحطم لأنها لم تحدد لها هدفًا معينًا، ولم تملك الخطة، أو الخارطة التي توصلها إلى غايتها.
لكن حياة الألوف المؤلفة من الناس تتحطّم كل يوم لأنهم لم يحدّدوا لأنفسهم أهدافًا معينة، ولم يرسموا الخطط الصحيحة التي توصلهم إليها، فينطلقون في دروب الحياة على غير هدى، حتى ينفد الوقود، وتنتهي الرحلة!
حديثنا اليوم عن: الأهداف، والتخطيط للوصل إليها، وما هذه القصة الخيالية إلا محرّضة لانتباه القارئ الكريم.
الحكيم لا يعيش بدون أهداف يسعى إلى تحقيقها؛ هدفه الأول والأسمى الفوز برضوان الله سبحانه ليفوز في الآخرة، فأمرها الأهم والأخطر، لأنها نعيم الأبد، أو شقاء الأبد، لا سمح الله.
وطريقها: فعلٌ وترك. فعلٌ للأوامر، وترك للنواهي. وعمليتا التحلّي بالفضائل، والتخلّي عن الرذائل تتمّان جنبًا إلى جنب، والتدرّج أصل، والإنسان حكيم نفسه، ولا يستغني عن استشارة المخلص العارف.
وبعد هذا الهدف الأسمى هناك أهداف مهمة، منها:
- العناية بالجسم عن طريق الغذاء الصحيح والرياضة الصحيحة.
- العناية بالعقل عن طريق القراءة النافعة، وصحبة الجادّين، وحضور مجالس العلم بمختلف أنواعه.
- أهداف تتعلق بالأسرة: قبل الزواج وبعده، كَبِّر الوالدين، وصلة الرحم، وتربية الأهل والأولاد.
- أهداف تتعلق بالعمل، فالموظف يجب أن يزداد كفاية وعلمًا في حقل تخصصه، وكذلك: المعلم، والطبيب، والمهندس.. إلخ.
- اتخاذ هواية نافعة، يستجمّ بها الفؤاد وتعين الجسم والنفس على الجِّد.
- أهدافٌ مالية (معقولة)، فلا خير فيمن لا يحب ّالمال: يعبد به ربّه، ويصل به رحمه، وينفع به خلق الله، ويستغني به على الناس. «
».
ويركز علماء النفس على أن كتابة الأهداف بالتفصيل أمر مهم جدًا لتحقيقها، وإلا بقي احتمال تحققها أقلّ.
يقول الدكتور جيمس شيرمان، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة مينوسوتا سابقًا في كتابه: (خطط أعمالك، ونفذ مخططاتك) الذي نشرته دار المعرفة للتنمية البشرية تحت عنوان: (التخطيط أول خطوات النجاح):
"التخطيط هو تصميم المستقبل المؤمل، وتطوير الخطوات الفعالة لتحقيقه. إنه طريقة عقلانية منظمة في صنع القرارات وحلّ المشكلات. وهو يشير إلى المخاطر التي قد تواجهك عند رسم طريقك في ممرات المستقبل التي تجهلها، كما يساعدك على اقتناص فرص النجاح التي قد تسنح لك، ويبين لك كيف تحولها من فرص إلى أهداف قابلة للتحقيق خلال فترة زمنية معينة، وبهذا يساعدك على الوصول إلى المحطات المهمة في طريق النجاح. ويحفزك على التفكير في مستقبلك بلغة الحقائق بدلًا من الأوهام".
ويذكر المؤلف مثالًا على أهمية التخطيط، يقول:
"في العقد الخامس من القرن العشرين (أي حوالي عام 1950م) أخذ فريقٌ مختصٌّ بالأبحاث السلوكية من كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد عَّينة عشوائية عددها (100) من طلاب السنة النهائية، وسألوهم عما يود كل واحد منهم أن يكون بعد عشر سنوات من التخرج، فجاءت إجابات الجميع بأنهم يودون أن يكونوا أغنياء، وناجحين، وذوي تأثير في دنيا المال والأعمال.
وقد لاحظ الباحثون أن عشرة طلاب فقط من المئة:
1- وضعوا أهدافًا محددة.
2- وفصلّوها.
3- وكتبوها.
وبعد مرور عشر سنوات قام نفس فريق الأبحاث بزيارات متابعة لكامل أفراد العينة. واتضح لهم أن ما يملكه هؤلاء العشرة الذين حددوا أهدافهم كتابة يعادل (96) بالمئة من إجمالي الثروة التي يملكها المئة!!"
أمامي الآن الطبعة الثالثة (1990م) من كتاب باللغة الإنجليزية عنوانه (كيف تنجح بتحديد أهدافك) للدكتور ريغ باريت، المولود في بريطانيا، والمتخصص في: علم النفس، وإدارة الأعمال، والمحاسبة. وقد رأيت في زياراتي للمكتبات في الخارج العديد من الكتب التي تتحدث عن: الأهداف، وأهميتها، وكيفية تعديلها، ورسم الخطط المرنة لتحقيقها وما إلى ذلك. بل إني سمعت شريطًا بالإنجليزية لمؤلف أمريكي يدعى (برايان تريسي) يقول فيه: لقد نشأ فرع من فروع علم النفس سمُي (علم نفس الأهداف).
الموضوع شائق جدًا، ومهمٌّ جدًا، ومن المحزن جدًا أنّ طلابنا يدرسون (12) عامًا لينالوا الثانوية العامة و(4) سنوات على الأقل في الجامعة، ولا يأخذون مادة واحدة في هذه الأعوام الـ(16) عن هذا الموضوع، ونحن ندرّسهم (وأقول هذا لأنني معلّم، درّست في: المتوسط، والثانوي، والجامعة 25 سنة!!) ندُرسهم ما (قد) يصل إلى 20% المقررات التي لا فائدة منها لا في الدنيا ولا في الآخرة!!
إنني أهيب بإخواني، وزملائي في وزارة التربية والتعليم، وفي الجامعات، وكثيرٌ منهم من خيرة من عرفت كفاية وإخلاصًا، أن يدرسوا هذا الاقتراح، ويطبقوه إذا تبينت لهم جدواه. وتكون هذه (الإهابة) تالية لتلك (الاستغاثة ) التي أطلقتها في مقال سابق بلسان أبنائنا وبناتنا: نرجوكم أن تعلمونا كيف نعيش، وكيف نواجه الحياة، ونتعامل مع أنفسنا ومع الناس بدلًا من أن نرهق أذهاننا بحفظ تواريخ تتلاشى، ومساحات دولٍ قصية، ومقدار ما تنتجه من الفحم والحديد!! ومن الله نستمد الهداية والتوفيق.
- التصنيف:
- المصدر: