برتقال ودجاج يدمران البشر
تقترب وحدة (شلوع) من إنتاج برتقال يؤثر على الجهاز العصبي، ويصيب الإنسان بالتوتر، والإجهاد الذهني سريعًا.
قرأت في عدد الأحد 19 صفر 1422هـ، الموافق (13/5/2001م) من جريدة الجزيرة، وفي الصفحة الأولى، العنوان التالي: برتقال ودجاج إسرائيلي يدمّر البشر، وجاء الخبر كما يأتي:
"بيروت وكالة الأنباء السعودية: كشفت معلوماتٌ (أوروبيةٌ) النقابَ عن مخطط إسرائيلي في مجال الهندسة الوراثية، يهدف إلى تدمير صحّة الإنسان من خلال مشروع رصدت له إسرائيل نحو (ملياري) دولار أمريكي!!".
وتقول المعلومات التي نشرتها (صحيفة الديار) اللبنانية: إن المشروع الذي أُطلق عليه اسم (شلوع) تمّ إنشاؤه كفرع من فروع سلاح الطيران تحت إشراف الجنرال يوفاك توتمان وذكرت المعلومات أن أبحاث وحدة (شلوع) تتركز على إنتاج أسلحة تعتمد على الهندسة الوراثية، وتستخدم في الإنتاج الزراعي، وتستعين إسرائيل بأجهزة الكومبيوتر في مشروع الوحدة، ولها قدرة خارقة في مجال الحسابات المعقدة، وتتميّز بأن ما تحتاجه الأبحاث في فترة 8 أشهر يتم إنجازه والتوصل إليه في شهر واحد!.
"وتقترب وحدة (شلوع) من إنتاج برتقال يؤثر على الجهاز العصبي، ويصيب الإنسان بالتوتر، والإجهاد الذهني سريعًا. كما نجحت في إنتاج أدوية بيطرية تستخدمها مزارع الدجاج للوقاية من الأمراض تؤدي إلى إصابة الإنسان بالفشل الكبدي بعد 3 أشهر، ومُخصِّبات مُشعّة تستخدم لإنضاج الطماطم سريعًا تؤدي إلى إصابة من يتناول هذه الخضار بالسّرطان، والتأثير القاتل على الحيوانات المنوية للرجال". انتهى الخبر بحذافيره.
تركتْ قراءةُ الخبر في نفسي الانطباعاتِ التالية، التي بعضها علميّ أكاديمي بحكم دراستي الشرعية، وبعضها عاطفي لأنني عربي مسلم موقفي من دولة اليهود معروف بداهةً، وبعضها لأنني بشرٌ أخاف على نفسي وأولادي، وأبناء ديني، وأبناء وطني، وجلدتي، ولساني:
• جزى الله خيرًا جريدة الجزيرة وصحيفة الديار على نشر هذا الخبر.
• تُرى: ما مدى صحّة هذا الخبر؟ هل هو كما يُقال كلام جرايد؟ وهذا التساؤل لا يعني أنّ كلّ ما في (الجرايد) ينبغي ألا يُحترم، وإذا قلتُ هذا فأنا أهجو نفسي لأنني أكتب في جريدة!!.
• إذا كان هذا الكلام صحيحًا، ومصدره أوروبي موثوق، فما واجب الدول المجاورة حِياله؟ وما الاحتياطات اللازم اتخاذها؟.
• الانطباع الرابع الذي تركته قراءة الخبر في نفسي، هو هَمٌ فكري تربوي يشغلني منذ زمنٍ بعيدٍ، بحكم تدريسي مدة تقارب (25سنة) في المدارس الثانوية والجامعات، ثم انتقالي إلى حقلٍ آخر من حقول التربية والتعليم هذا الهمّ هو: آلية تلقي المعلومات، والاستيثاق من صحّتها، لأنّ الحكم الصحيح على الأشياء ينبني على معلومات صحيحة عنها، وهذا هو المحور الثاني لهذا المقال.
لا أعرف في تاريخ البشرية على طوله وعرضه منهجًا أقومَ وأحكم وأدقَّ من المقاييس التي وضعها المحدّثون رحمهم الله للاستيثاق من صحة الحديث.
فالحديث الصحيح يجب أن يكون سنده متصلًا، أي أن كل راوٍ من رواة الحديث قد أخذه من الذي قبله من أول السند إلى منتهاه، ولهم في ذلك تفصيلات دقيقة في (طُرُقِ التحمّل وطُرق الأداء) لا مجال لذكرها.
ويجب أن يكون كل راو من رواة الحديث:
[1]- عَدْلًا.
[2]- وضابطًا.
والعدالة تعني أن يكون الراوي: مسلمًا، بالغًا، عاقلًا، لم يرتكب ذنبًا يجعلُه فاسقًا، وألا يتصرف بشكل معيب لا يليق به، وإن كان هذا التصرف حلالًا في ذاته، كأن يلعب مع الصبيان في الطرق، ويتكلم بشكل مضحك.. فهذه التصرفات وأمثالها تنقص من مروءته.
وأما ضبط الراوي: فهو أن يكون الراوية نادر الخطأ إذا حدّث من حفظه، أو إذا حدث من كتابه.
ونلاحظ أن هذه الشروط تتعلق بالرواة، أي: بما يسمى سند الحديث، أما نص الحديث (أي: مَتْنُه) فقد وضع له العلماء شرطين قاسيين: الأول: ألا يخالف أحد رواته الثقات راويًا أوثق منه، فهذا يَسقط بالحديث إلى رتبة الضعيف، ويسمى شُذوذًا. والثاني: ألا يكون في الحديث علةٌُ خفية لا تظهر إلا للخبير، مع أن ظاهر الحديث السلامة. فهذه العلة تقدح في صحة الحديث، وتجعله ضعيفًا.
فالمراد بقول العلماء: (هذا حديث صحيح)، أن الشروط الخمسة السابقة قد تحقّقت فيه، لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة. والمراد بقوهم: (حديث غير صحيح): أنه لم تتحقق فيه الشروط الخمسة الباقية، أو بعضها، لا أنه كذب في نفس الأمر، لجواز إصابة من هو كثير الخطأ.
هذا أقصى ما يستطيعه البشر في العناية بالنقل والتثبت من الأحاديث، ومن أجل هذا وجدت موسوعاتٌ ترجمتْ لعشرات الألوف من الرواة، وقام علمٌ لا يوجد عند غير المسلمين يسمى: علم الجرح والتعديل، يتحدث عن رواة الحديث، هل هُمْ مُعَدَّلون تُقبل روايتهم، أو مجروحون تُردُّ روايتهم؟
هذا ما يناسب المقام من الحديث عن هذا الموضوع، موضوع التثبت في قبول الأخبار، ثم في روايتها، وبالطبع لا يستطيع الإنسان أن يطبق مقياس المحدّثين الصارم على كل ما يسمع، ولكنّ فهمه واستيعابه يعينانه على أن يفكر بشكل أقرب إلى الصواب.
يبقى موضوع البرتقال المسموم والدجاج المدمّر لصحة الإنسان موضوعًا خطيرًا أهيب بكل ما يقدر على التصدي له من قريب أو بعيد ألا يدخر وسعًا في ذلك، فهو من أعظم ما يتقرب به المرء إلى ربه، ويدخره لآخرته.
والله تعالى أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: