علميهم الاحتساب
إن مما يفرح القلب، ويشرح الصدر، ويسر النفس أن ترى تلك المرأة في مملكتها قائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داعية إلى الله - تعالى -، تحمي سفينة البيت من الغرق، وتحفظ كرامتها من الضياع، فهي نور البيت، ومصدر الخير فيه، وعنوان السعادة في محياه.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
إن مما يفرح القلب، ويشرح الصدر، ويسر النفس أن ترى تلك المرأة في مملكتها قائمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، داعية إلى الله - تعالى -، تحمي سفينة البيت من الغرق، وتحفظ كرامتها من الضياع، فهي نور البيت، ومصدر الخير فيه، وعنوان السعادة في محياه.
وأفضل من ذلك كله عندما تنشر هذه المحتسبة ثقافة الاحتساب بين الأهل جميعاً، فبدل أن نرى محتسبة واحدة نرى عدة محتسبات كلهن ينصر دين الله - تعالى -، وكلهن يعملن لرفع راية لا إله إلا الله.
إن ما ننتظره من المحتسبة أكثر من كونها تحتسب، إننا ننتظر منها أن تُخرج لنا من أهل بيتها من يقوم بالاحتساب حتى يصبح جميع من في البيت أو أغلبهم محتسبين، وهذا أمر عظيم، وخير كبير نعلم أهميته من خلال الآتي:
- أن الاحتساب من الخير الذي تحبه المحتسبة لأهلها كما تحبه لنفسها، ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[1]، فكما أنها تحب أن يكتب الله لها أجر الدعوة إليه، وهو من أعظم الأجور فكذلك تحب أن يكتب الله - تعالى - هذه الأجور لأهل بيتها.
- أن كل فرد من أفراد البيت تعلّم الاحتساب من هذه المحتسبة فإن لها مثل أجره إن قام بالاحتساب لا ينقص من أجر المحتسبة شيئا، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً))[2]..
وكما في سنن الترمذي يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((إن الدال على الخير كفاعله))[3]..
فكم من الأجور لتلك المحتسبة عندما يصبح الأب والأم والإخوة محتسبين، أو عندما يصبح الزوج والأولاد كلهم محتسبين، كم من الحسنات تنتظر تلك المحتسبة.
- إن تعليم المحتسبة الاحتساب لأهل بيتها هو رفع لمستواهم الإيماني، وترقية درجتهم الأخلاقية، فغالباً -وهو الأصل- أن الذي يقوم بهذه المهمة الشريفة يكون بعيداً عن المنكرات، معروفاً بالطاعات؛ لأن ديننا الإسلامي يحذر من مخالفة القول العمل، فيقول - تعالى -: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)[سورة البقرة: 44]..
فمخالفة القول العمل يعد ضرباً من الجنون (أفلا تعقلون)، وقال - جل وعلا -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[سورة الصف: 2-3]..
والنصوص في ذلك كثيرة، فيحرص كل من تلبس بلباس الاحتساب على أن يكون أبعد الناس عما ينهي عنه، وأقرب الناس إلى ما يأمر به، والكمال لله، وهكذا ترى البيت الذي تحول أهله إلى محتسبين أبعد البيوت عن المنكرات، وأقربها إلى الطاعات، وبهذا نكون قد ضيقنا دائرة المنكر، وقللنا من أهله.
- إن العدد الموجود في المجتمع ممن يقومون بالاحتساب -مع بركة عملهم وكثرة خيره- لا يفي بالغرض، وليس هو العدد المطلوب؛ فنحتاج إلى نشر ثقافة الاحتساب في كل أفراد المجتمع حتى لا تقوم للمنكر قائمة بل يكون في كل مكان محتسب، فإذا اندرج أهل البيت في سلك الاحتساب فمنهم الطالب والطالبة، ومنهم المعلم، والمعلمة، ومنهم المدير، ومنهم الموظف، ومنهم الأم والأخ، والأخت، وهل المجتمع إلا هؤلاء.
- إن تعليم المحتسبة الاحتساب لأهل بيتها فيه بيان لأمر قد التبس على كثير من الناس، وهو أن وظيفة الاحتساب ليست خاصة بأناس معينين بل باستطاعة كل مسلم أن يمارس الاحتساب، ولكن قد يختلف الحكم من الوجوب إلى الاستحباب بين من أمره ولي الأمر بالاحتساب وبين من قام به تطوعاً، وبين من تخصص في هذا الباب، وبين من انشغل بأمور أخرى، المهم تبقى شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علامة بارزة لأمة الإسلام كما قال الله - تعالى - في كتابه الكريم: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)[سورة آل عمران: (110)].
- إن أهل بيت المحتسبة قد يكونون أصحاب ثقافة سطحية بالاحتساب، فتأتي المحتسبة لتأسس قاعدة متينة في مفهوم الاحتساب، وفضله وماهيته، ومجالاته، ومفاهيم خاطئة انتشرت عنه، فيكون تعليم المحتسبة الاحتساب لأهل بيتها بمثابة تصحيح مسار يَثبت عنده الصواب، ويزول أمامه الخطأ، وهذا يعتمد على ما تملكه المحتسبة من ثقافة عالية عن الاحتساب، وما تعلمه من مفاهيم مغلوطة يجب التحذير منها، وتفنيدها.
- إن قيام المحتسبة تعليم الاحتساب لأهل بيتها يدعوها إلى تأصيل نفسها في باب الحسبة والاحتساب، فتنظر في الكتب والمواقع الالكترونية التي تهتم بهذا الفن، وتسأل العلماء، وتتابع المسائل المستجدة، وفي هذا خير كبير لهذه المحتسبة، وهذا لابد منه؛ لأنها إذا قامت مقام المعلمة فإنها تعرض نفسها إلى الكثير من الأسئلة والاستفسارات والإشكالات الواردة، ولن تتكلم بما لا تعلم، ولا ينبغي لها ذلك؛ لأن الله - تعالى - يقول: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[سورة الإسراء: 36]، بل تتكلم بما تعلم، وتبحث عما لا تعلم.
- إن تعليم المحتسبة الاحتساب لأهل بيتها يكسبها الثقة بنفسها وباحتسابها، بل يدعوها إلى الثبات على هذه العبادة العظيمة، فمع دعوتها غيرها إلى اللحاق بركب المحتسبين فتمسكها بالاحتساب واستمرارها في طريقه من باب أولى، بل ذلك مدعاة إلى إبداعها في ابتكار أحسن الوسائل والأساليب الاحتسابية؛ لأنها أصبحت ذات خبرة، وصاحبة دربة.
وبعد أن استعرضنا أهمية تعليم المحتسبة الاحتساب لأهل بيتها فإننا لابد أن نعلم أن لتطبيق هذا المشروع طرقاً ووسائل نأتي على ما استطعنا على جمعه، ويتمثل ذلك في النقاط التالية:
1- حسن أخلاق الداعية، وحسن تعاملها مع أهل بيتها من أحسن الأساليب وأنجع الوسائل لقبول أهل البيت أن يتعلموا الاحتساب؛ وذلك لما في نفوسهم من التأثر الإيجابي الذي يدعوهم لتلبية أي طلب يخرج من تلك المحتسبة، فقد وثقوا بها، وأن ما تدعو إليه هو خير وهدى، فإذا كان أصحاب الباطل يغرون الناس بظواهرهم، وبحسن معاملتهم المشاهدة لدى الناس حتى يدعونهم لمبادئهم وباطلهم، وقد يغتر بهم البعض لكن سرعان ما يعودون للحق، وهذه المحتسبة تجمع بين خلق حسن يجذب الآخرين إليها، وحق أكيد تدعو إليه، وتنشره.
2- التطبيق العملي للاحتساب عند هذه المحتسبة لابد أن يكون وفق الشريعة الإسلامية، وحسب تعاليم ديننا الحنيف، فيكون احتساب هذه المحتسبة بالحكمة والموعظة الحسنة، وبأحسن الأساليب، فقبل أن يسمع أهل البيت تنظيرها هم يرون عملها، وحسن تطبيقها لما تدعو إليه، وقد يكون ما يرقبونه من تطبيقها العملي للاحتساب أبلغ من كلامها وشرحها.
3- سهلي شرحك وتعليمك باستخدام التالي:
أ- القصص الاحتسابية سواء القديمة أو المعاصرة، وأخذ الدروس والعبر منها، وهذا ما هو موجود في موقع المحتسب، حيث توجد الكثير من القصص مع الدروس المستفادة منها، وللقصص أثر كبير في التعليم، وهو أسلوب قرآني نبوي.
ب- يمكنك استخدام بعض وسائل الشرح التي فيها بيان تعريف الاحتساب، وأحكامه، وغير ذلك، كاللوحات الكبيرة التعليمية، والتي يتم الشرح منها، وهي معلقة أمام المتعلم.
ج- إذا تمكنت من استخدام جهاز الحاسوب فحسن؛ لأنك ستقومين بعرض بعض المقاطع المفيدة في باب الاحتساب من كلام العلماء والدعاة ممن يبينون فضيلة الاحتساب، ويذكرون الضوابط والمسائل المتعلقة بذلك، مع عرض بعض المقاطع المرئية التي أعدت للتحذير من منكر معين، كالمخدرات، أو التدخين، أو غير ذلك، وتقومين أنت بالتوضيح والشرح والتفصيل إذا احتاج المقام إلى ذلك.
4- لابد أن تجعلي شيئاً من المحفزات لحضور هذه الدورة المصغرة في البيت، والتي قد يحضرها الجيران أو الأقارب من بيوت أخرى، فتكون هناك جوائز قيمة لكل من حضر الدورة، ويكون هناك اختبار وتكريم للناجحين بالاختبار.
5- قومي بجولات تطبيقية مع من حضروا الدروس النظرية في أماكن يكثر فيها الطلب للاحتساب، كالمنتزهات، أو الأسواق، أو غير ذلك، وقومي بإرسالهم في الوقت المناسب لإنكار ذلك المنكر، مع التأكيد على قضية الحكمة، والأسلوب الراقي، ثم يعود هذا المتدرب، وتصرف له جائزة بمجرد كلامه مع صاحب المنكر، وإن أقنع صاحب المنكر وصرفه عن منكره تضاعف له الجائزة، وهكذا، وقد يكون هذا الاصطحاب خاص يعني تذهبين أنت وشخص واحد من أهل البيت، أو يكون بشكل جماعي يذهب كل أفراد البيت، وينتشرون لتغيير المنكرات كل بحسب استطاعته.
6-دائماً كرري ألفاظ احتساب الأجر على المتعلمين، واغرسي في نفوسهم أن ما يقومون به هو نصرة لدين الله - عز وجل -، وحماية للمجتمع من الانهيار، وحفظاً للأمة من السقوط في حبائل الأعداء وشراكهم، وأن الاحتساب هو الركن السادس من أركان الإسلام التي يقوم بها الصفوة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
7- لا تنسي ولا تتركي الدعاء أن يصلح الله عملك، وأن يسدد قولك وفعلك، وأن ينفع أهل بيتك بما تعلميهم، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتك، وأن يخرج منهم من يقوم بالاحتساب كما يريد ربنا، وعلى أحسن وجه.
وفي الختام أذكرك أختي المحتسبة أنك سترحلين فقدمي لنفسك عملاً صالحاً ينفعك بعد موتك، واصنعي أثراً جميلاً يرفعك الله به بعد رحيلك: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[سورة يــس: 12]، فما أحسنه من أثر يوم أن تتركي من يحمل هم هذا الدين، وتخرجي للأمة من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[1] رواه البخاري برقم (13)، ومسلم برقم (44).
[2] رواه مسلم برقم (2674).
[3] رواه الترمذي برقم (2670)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1605).
عادل محمد هزاع الشميري