خزانة الأسرار الزوجية
خالد سعد النجار
ومن حفظها لغيبته أن لا تفشو سره، فإن سر الزوج قلما سلم من حكاية ما يقع له لزوجته لأنها قعيدته وخليلته.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
حفظ الأسرار أدب إسلامي وأخلاقي عام، والأسرار الزوجية أشد خصوصية عن أي أسرار أخرى، سواء كانت تلك الأسرار خاصة بالعلاقة الزوجية أو بمشكلات البيت، وإفشاء الأسرار بدون دافع قهري من شأنه أن يجهض الولاء للأسرة عامة وللحياة الزوجية خاصة ويزرع الشكوك والظنون وانعدام الثقة، كما أن طيران المشكلة خارج البيت يعني استمرارها واشتعال أوارها، خصوصًا إذا وصلت إلى أهل أحد الزوجين فلن يكون الحكم عادلًا؛ في الغالب لأنهم يسمعون من طرف واحد، وقد تأخذهم الحمية تجاه ابنهم أو ابنتهم.
قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء:34] هذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج، فقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ} أي من النساء التي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام {قَانِتَاتٌ} أي مطيعات لله في أزواجهن {حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ}، الغيب: خلاف الشهادة، أي حافظات لمواجب الغيب، إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والأموال والبيوت.
{بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} أي بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب فالمحفوظ من حفظه الله، أي لا يتيسر لهن الحفظ إلا بتوفيق الله، أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال، أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله لهن حقوقهن على أزواجهن؛ حيث أمرهم بالعدل عليهن، وإمساكهن بالمعروف، وإعطائهن أجورهن، فقوله {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك، أي في مقابلته، وجعل المهايمي الباء للاستعانة حيث قال: "مستعينات بحفظه مخافة أن يغلبن عليهن نفوسهن وإن بلغن من الصلاح ما بلغن"، وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمنا وذلك أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها (1).
وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: «
» (2).قال المناوي: "ومن فاز بهذه فقد وقع على أعظم متاع الدنيا وعنها قال في التنزيل: {قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ}، قال داود عليه السلام: "مثل المرأة الصالحة لبعلها كالملك المتوج بالتاج المخوص بالذهب كلما رآها قرت بها عيناه، ومثل المرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير".
ومن حفظها لغيبته أن لا تفشو سره، فإن سر الزوج قلما سلم من حكاية ما يقع له لزوجته لأنها قعيدته وخليلته (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: «
» (4).ومن حفظ السر عدم نشر ما يكون بين الزوجين متعلقًا بأمور الجماع ونحوه، وقد ثبتت أحاديث في تحريم ذلك، منها قوله صلى الله عليه وسلم: « » (5).
وقوله صلى الله عليه وسلم: «
» قالوا: نعم. قال: « » فسكتوا ثم أقبل على النساء فقال: « » فسكتن، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها؛ فقالت: "يا رسول الله! إنهم ليحدثون وإنهن ليحدثن" فقال: « » (6).وقد نقل الغزالي رحمه الله رواية عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق زوجته، فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟
فقال: العاقل لا يهتك سر امرأته، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: ما لي وامرأة غيري.
وقال جرير يرثِي امرأته في عفافها ومحافظتها على حديثه:
كانَت إذا هَجَرَ الخَليل فِرَاشَهَا خَزْنَ الحَدِيثِ وعفَّت الأسرارِ (7).
- دوافع وأسباب:
الحامل لأحد الزوجين على ذكر أمور الجماع ومتعلقاته قد يكون أحد الأسباب الآتية:
- ضعف وازع الحياء.
- الفراغ.
- مخالطة قرينات السوء.
- كثرة الاجتماعات النسائية، سواء بسبب الوظائف أو سمر الجلسات العائلية الخاصة.
- الجهل بالحكم الشرعي.
- الغفلة عن الآثار السلبية المترتبة على هذا الأمر.
- القنوات الفضائية، التي كانت سببًا مباشرًا في بث الجرأة لدي الكثير مما يعرض فيها من مشاهد ساقطة وأغان وكلمات بذيئة.
- حب الاستطلاع لدى البعض.
- ظن بعض النساء أنهن بخوضهن في هذا الموضوع يكتسبن قلوب من حولهن ممن لديهن ميل إليه.
- اعتقاد البعض أنه مجال مفتوح للحصول على ما تود من معلومات وحقائق تخص الموضوع.
- قلة الإنكار وضعف جانبه من قبل الحاضرات غير المحبذات له.
- عدم طرح المواضيع الهادفة والمسابقات المتنوعة وتوجيه كلمات النصح وغيرها من وسائل الدعوة في مجالس النساء.
- آثار سلبية:
- الوقوع في المحظور الشرعي إذا كان الحديث شخصيًا صريحًا.
- تشجيع النفوس المريضة على متابعة الأفلام الهابطة والأغاني الماجنة.
- إشغال المجالس بسفاسف الأمور.
- الكذب والتلبيس بسبب كثرة الكلام في الموضوع والتمادي فيه.
- خسارة الأموال التي تدفع كأجرة لرسائل الجوالات التي يكثر تداولها.
- تضييع الوقت فيما لا ينفع ولا يفيد، بل ضرره أكثر من نفعه.
- إيقاد نار الغيرة في قلوب المستمعات، وربما أدى ذلك إلى إثارة المشاكل الزوجية.
- جرح مشاعر المرأة التي ليس لديها زوج (الأرملة، المطلقة، العزباء).
- انتشار النصائح الخاصة التي قد لا تصلح للكل مما يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
- الخوف من الإصابة بالعين إذا كان الحديث شخصيًا.
- الخشية من وصول كلام الزوجة إلى زوجها مما يؤدي إلى إثارة حنقه عليها.
- سقوط هيبة المتحدثة في هذه الأمور المنافية للحياء.
- تأثر الفتيات إما بكره الزواج والخوف من مسئولياته أو أن ينزع الحياء منهن.
- تأثر الأطفال بما يسمعون وذلك أن البعض يخوض في الموضوع بحضرتهن وربما دفعهم ذلك لأمور سيئة.
- الضرورة تقدر بقدرها:
يجوز إفشاء أسرار الزوجية في حالات الضرورة كالاستفتاء والعلاج، وكل يقدر بقدره، وفي الأمر تفصيل فإفشاء أسرار الزوجية على أقسام:
1/ (القسم الأول).
أن تكون هذه الأسرار فيما يتعلق بأمور الاستمتاع بين الزوجين، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع، فهذا الحديث فيه حالتين:
- الحالة الأولى: إذا كان الحديث بلا حاجة فلا يجوز الكلام فيها في المجالس للأحاديث السابقة، قال الإمام النووي معلقا: "وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة" (8).
- النوع الثاني: إن كان الحديث فيها لإثبات حق أو رفع ظلم، كأن تكون أمام القاضي أو من اتفقا على أن يكون المصلح بينهما فتنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك، فهذا لا بأس بالحديث فيه؛ لما روي أن رجلًا ادعت عليه امرأته العنة فقال: والله يا رسول الله إني لأنقضها نقض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة، ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم (9)، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة: « » (10).
2/ (القسم الثاني).
إن كانت الأسرار فيما عدا ذلك فهو أيضًا على أحوال:
- الحالة الأولى: إن كان الحديث في وصف الأزواج خِلقيًا فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: « » (11)، والمحذور نفسه موجود عند النساء فإذا استغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس الحاضرات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه.
- الحالة الثانية: إن كان الحديث في وصف الأزواج خُلقيًا فهو بين أمرين:
* الأول: إن كان الحديث ذمًا؛ كوصفه بالبخل أو الجهل أو الغلظة فهذا لا يجوز إلا إذا كان على سبيل الشكاية لمن يريد الإصلاح كالقاضي ونحوه، لأنها من الغيبة، والغيبة: كما هو معلوم ذكرك أخاك بما يكره وهي محرمة.
* الثاني: إن كان الحديث مدحًا؛ فهذا على حسب المصلحة إن كان في الحديث عن صفاته منفعة فلا بأس، وإلا فلا خوف من ترتب المفاسد.
فإن قال قائل: "حديث أم زرع وكلام النسوة في أزواجهن فقد دار حديثين مدحًا وذمًا في الأزواج والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك مما يدل على جواز الحديث في مثل هذه الموضوعات؟"
والجواب من وجوه:
أولًا: أن الحديث جاء على هيئة الخبر، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع ما تقول عائشة رضي الله عنها عن حال هؤلاء النسوة المجهولات وما دار بينهن من الحديث.
ثانيًا: القاعدة تقول (لا غيبة لمجهول) فالنساء لا يُعرفن وكذا الأزواج لا يُعرفون فهنا انتفى المحذور، ذكر النووي في شرح مسلم: قال "قال المازري: قال بعضهم: وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهم أزواجهن بما يكره، ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم، وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنسانًا بعينه، أو جماعة بأعيانهم، قال المازري وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأة تغتاب زوجها وهو مجهول فأقر على ذلك، وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه، وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم (12).
- الهوامش:
(1) تفسير القاسمي محاسن التأويل 5 /131، والقرطبي 2/1835، وأيسر التفاسير لأبو بكر الجزائري 1/473.
(2) رواه الطبراني عن عبد الله بن سلام (صحيح)، انظر حديث رقم: 3299 في صحيح الجامع السيوطي / الألباني.
(3) فيض القدير للمناوي 2/154.
(4)، رواه البزار عن أنس وأحمد عن عبد الرحمن الزهري (صحيح)، انظر حديث رقم: 661 في صحيح الجامع.
(5) رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري (كتاب النكاح)، باب تحريم إفشاء سر المرأة رقم 2597.
(6) رواه أبو داود عن أبي هريرة (صحيح)، انظر حديث رقم: 7037 في صحيح الجامع.
(7) ديوان جرير، شرح: محمد بن حبيب، تحقيق: د. نعمان طه، ص 865.
(8) مسلم بشرح النووي ج5 ص 262 ط دار الحديث القاهرة.
(9) البخاري (كتاب اللباس) باب ثياب الخضر رقم 5377.
(10) البخاري (كتاب العقيقة) رقم 5048، ومسلم (كتاب الآداب)، رقم 3996.
(11) رواه البخاري (كتاب النكاح) رقم 4839.
(12) مسلم بشرح النووي ج8 ص 238 ط دار الحديث القاهرة.