عوارض الديمقراطية الداخلية - الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب (3)
إشكاليّة التّمثيل: باعتبار مباني الدّيمقراطيّين أنفسهم يمكن القول إنّه لم يوجد قطّ مفكّر كان على ثقة من قدرة الشّعب – هكذا في مجموعه - على حكم نفسه فعلا، بل إنّهم كانوا متّفقين على كون هؤلاء الدّهماء – وهي عبارة أرقّ من عباراتهم المستخدمة – من العمّال والصّنّاع والحرفيّين والفلّاحين ليسوا مأهّلين لمعرفة مصالحهم أو ما يجب أن يساسوا به.
2- إشكاليّة التّمثيل: باعتبار مباني الدّيمقراطيّين أنفسهم يمكن القول إنّه لم يوجد قطّ مفكّر كان على ثقة من قدرة الشّعب – هكذا في مجموعه - على حكم نفسه فعلا، بل إنّهم كانوا متّفقين على كون هؤلاء الدّهماء – وهي عبارة أرقّ من عباراتهم المستخدمة – من العمّال والصّنّاع والحرفيّين والفلّاحين ليسوا مأهّلين لمعرفة مصالحهم أو ما يجب أن يساسوا به.
يقول جيمس ميل: " يصعب تحميل هذه الطبقة من : (الجهلة) (عديمي المسؤولية) و(العاجزين عن تطوير أنفسهم فكرياً) مهمّة الحكم المباشر " اهـ
وقد وقع جدال طويل وخصومة وما هو أحقّ بأن يسمّى صراعا بين السّياسيّين الأوروبّيّين في مسألة التّلازم بين اتّساع سلطة الشّعب الفعليّة والحالة الفوضويّة النّاشئة عنها، ولذلك لم يكن بدّ من اختزال حقّ الاقتراع في عدد محدود جدّا من الذّكور البيض ولم يكن من حقّ العمّال والفلّاحين والنّساء والأجانب (1) التّصويت حتّى السّنوات الأخيرة من القرن العشرين.
ولذلك فإنّ جيمس ميل وجيريمي بينثام يقرّران أنّ الطّبقة الوسطى هي من تملك أوضح رؤية لتحقيق مصلحة الشعب إذا ما قورنت بالأغلبية من الفقراء أو الأقلّيّة من الأرستقراطيين، ولذلك فإنه يجب أن يكون أساس الممارسة الدّيمقراطية قائما على النّوّاب الذكور الذين ينتمون إلى هذه الطبقة وتتجاوز أعمارهم سن الأربعين.
وقد يقال إنّهم تطوّروا فيما بعد فسمحوا لهؤلاء بحقّهم في الاقتراع، والحقيقية أنّ الأمر كما هو، فسواء صوّتوا أو لم يصوّتوا فإنّ الممارسة الدّيمقراطيّة في نفسها تبقى خدمة لمصلحة فئة محدودة من الطّبقة الوسطى على حساب الأغلبيّة من المهمّشين والغوغاء، والأقليّة من الأرستقراطيّين والبورجوازيّين، إذ هذا هو ما يفضي إليه نظام التّمثيل البرلمانيّ الّذي استعيض به عن الحكم المباشر للشّعب.
فالنّظام البرلمانيّ والنّيابيّ لا يمكن أن يحقّق أبدا تمثيلا حقيقيّا للنّسيج المجتمعيّ للنّاخبين فضلا عن أن يمثّل أفكارهم.
والدّيمقراطيّة الغربيّة لم تتطوّر واقعيّا في هذا الجانب بل الحال لم يختلف عمّا كان عليه زمن ميل وبينثام في القرن الثّامن عشر.
* بعض الشّواهد المنتقاة : في إحصائية لأعضاء البرلمان البريطاني عام 1981 تبين بأنّ 86.6 % من حزب المحافظين، و 85.4 % من حزب العمال هم من البيض المنتمين للطبقة الوسطى الذين تتجاوز أعمارهم سن الأربعين.
M.Ryle, (The Commons Today), (London 1981) PP. 45-50
وفي إحصائيّات أخرى للدّكتور ستيفنسون في كتابه (بريطانيا حكومة وساسة) تبيّن الآتي :
1- مجموع مقاعد مجلس العموم البريطاني سنة 1974 كان 635 مقعدا ، للنّساء 27 مقعدا وللأقلّيات صفر.
2- مجموع مقاعد مجلس العموم البريطاني سنة 1979 كان 635 مقعدا، للنّساء 19 مقعدا وللأقلّيّات صفر.
3- مجموع مقاعد مجلس العموم البريطاني سنة 1983 كان 650 مقعدا، للنّساء 23 مقعدا وللأقلّيّات صفر.
(D. Stephenson, (British Goverment and Poltics) (London
والبقيّة ؟
طبعا ذكور بيض من الطّبقة الوسطى أكبر من أربعين سنة ، ألم تحفظ الأنشودة بعدُ؟!
ولذلك وتحت ضغط هذا الواقع الّذي لا يمكن المكابرة فيه، لأنّ المكابرة في المحسوس خلل في العقل، صار كثير من المنظّرين للدّيمقراطيّة والمفكّرين الغربيّيّن يتجنّبون كلمة (التّمثيل) ويقولون إنّ النّائب ليس ممثّلا عن الشّعب بل هو (مفوّض) (2) من طرفه، وأنّ الشّريحة الّتي انتخبته من الشّعب بيّنت عن ثقتها في قدرته على اتّخاذ القرارات الّتي هي المصلحة بالنّسبة إليهم، فصار (مفوّضا) (3) عنهم لا ممثّلا لهم.
والنّائب يمثّل فقط حزبه لا الشّريحة الّتي انتخبته !
وهذا سيسحبنا إلى إشكاليّة الأحزاب نفسهاوسنأتي عليها إن شاء الله تعالى.
وهكذا يمكن القول إنّ الدّيمقراطيّة انتقلت من :
1- الطّور الأوّل : حكم الشّعب.
2- إلى الطّور الثّاني: اختيار الشّعب من يمثّله.
3- إلى الطّور الثّالث: اعتبارذلك (الممثّل) ممثّلا للحزب (بتفويض) من الجماهير.
ربّ يسّر وأعن!
(1) : لاحظ أنّها تقريبا نفس القسمة الأثينيّة القديمة : العبيد والنّساء والأجانب !
(2) : الله يخرب بيتك يا سيسي!
(3) : الله يخرب بيتك يا سيسي!
- التصنيف:
- المصدر: