عالم بلا زجاج

منذ 2015-03-04

لولا الزجاج كيف سترى الطريق وأنت في سيارتك أو طيارتك؟

لو سألني سائل أن أذكر عددًا من الاختراعات التي أثَّرتْ تأثيرًا بالغًا في حياة البشرية. لقلت له دون تردّد: الزجاج. وبالفعل فقد سألني أخ مثقف هذا السؤال. واستغرب من إجابتي! قال: أنسيت المطبعة؟ أنسيت الحاسب الآلي؟ أنسيت كذا وكذا. .؟ قلت له: لا، ولكنك نسيت الزجاج!.

لولا الزجاج كيف سترى الطريق وأنت في سيارتك أو طيارتك؟ كيف سيُصنع المصباح الكهربائي؟ كيف ستستقبل النوافذ الضوءَ، فتحتفظ بالحرارة وتمنع البرودة؟ ممَّ ستصنع شاشاتُ الحاسبات؟ كيف ستقي الآلاتِ الدقيقةَ والأجهزةَ الحسّاسة البردَ، والغبارَ، وعبثَ الأيدي؟ كيف، وكيف، وكيف؟ ومع أهمية الزجاج، لا يلتفت إليه أحد! وهناك أمور غايةٌ في الأهمية لا تأخذ حظها من عنايتنا.

قال صاحبي: مثل ماذا؟ قلت: مثل: بناء الأسرة السعيدة الناجحة!.

إنني أعيش على ظهر هذا الكوكب منذ أكثر من نصف قرن، وقد سمعت مئاتِ المرات أحاديثَ مكررة عن أمور صغيرة، وقرأتُ عن قضايا ثانوية أُلّفتْ حولها المجلدات، واستمعت محاضرات، ودروسًا، ومواعظ في الكثير من الأمور التي هي في الأهمية أقلُّ ألفَ مرة من: بناء الأسرة السعيدة، فلماذا هذه الغفلة، وما سبب هذا الخلل؟.

دعني آخذ -مثالًا- أسرةً شقية وأنظرُ ماذا ينجم عنها:
إختلاف وشجار بين الزوجين، أثر ذلك السلبي على صحتهما النفسية والجسمية، ليالٍ من الأرق بسبب الخصام ينتج عنه تعب وحاجة إلى النوم في اليوم التالي؛ إذ كيف سيعمل بمهارة وكفايةٍ من نام ثلاثَ ساعات بدلًا من سبع؟ إذا كان مدرّسًا، كيف سيُدرّس؟ وإن كان جرّاحًا كيف سيجري عملياته؟ وإن كان سائقًا فماذا سيسبب له نعاسُه؟.
 

إذا كان في الأسرة أولاد:
ماذا سيسبب لهم شجار الوالدين... وكيف سيُربَّونَ على الخلق المستقيم، والأخلاق الحميدة (كالصدق، والاستقامة، والشجاعة، والكرم..) وعلى العادات الحسنة (كالنوم المبكر والاستيقاظ المبكر، وممارسة الرياضة، وحبِّ القراءة، والاعتدالِ في الطعام والشراب، واختيارِ النافع منهما..)؟! من سيربيهم على حسن الاستفادة من الوقت، وعلى أدب الحوار، وعلى التفكير السليم، وعلى أن يكون لهم أهدافٌ سامية في الحياة، يعرفون كيف يضعون الخطط الصحيحة لتحقيقها؟ مَن سيربيهم -قبلَ كل شيء وبعدَ كل شيء- على حبّ الله تعالى، وخشيته، وتقواه، وما يثمره هذا الحب من كنوزٍ دنيوية وأخروية تتضاءل أمامها الكنوز! من سيفعل هذا إذا كان فاقد الشيء لا يعطيه؟!.
 

لقد جئنا إلى الحياة لنعيشَ، ثم نموتَ لنعيش!!!.

فلماذا لا نتعلم كيف نعيش؟ لماذا لا نتعلم كيف نعيش؟؟.
أيها الآباء والأمهات.. أيها المعلمون والمعلمات..
أيها المفكرون والأدباء... يا أنظمة التربية والتعليم.. يا مدارس.. يا جامعات... يا علماءُ ويا فضلاء.. علّموا أولادكم كيف يعيشون بالطريقة المثلى التي تُرضي ربهم، وتُعلي مقامهم في الدنيا والآخرة!.

علّموهم كيف يسعدون بالنعم الغامرة التي أغدقها الله عليهم ويحيطونها بسياج الشكر حتى لا تضيع! علّموهم كيف يكتشفون ما أودعه الله سبحانه فيهم من طاقاتٍ كامنةٍ هائلة ويُحسنون استثمارها!.

علّموهم ذلك، أولًا: بأن تتعلموه، ثم: بأن تعيشوه أمامهم قدوةً صالحةً وأنموذجًا يحتذى، ثم: بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالرفق الذي ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه.
 

إنّ الأسرة الناجحة السعيدة هي من أهمّ العوامل على الإطلاق في نجاح الأفراد، والمجتمعات، والأمم، والشعوب، والدول، وإنها لم تأخذ عُشر مِعشار حقّها من الرعاية والعناية والاهتمام، وليست هذه السطور إلا نفثةٌ حرّى، وإهابة بكل من يقرؤها ليسعى إلى تحقيق هذه الرسالة السامية.

أحمد البراء الأميري

دكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود.

  • 0
  • 0
  • 1,374

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً