(2) كمال خُلق النبي صلى الله عليه وسلم
أمّا كمال أخلاقه صلّى اللّه عليه وسلّم فيكون بستّ خصال:
- التصنيفات: السيرة النبوية - محبة النبي صلى الله عليه وسلم -
فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربعة أوجه: كمال الخَلق وكمال الخُلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال.
الوجه الثاني: كمال الخلق:
أمّا كمال أخلاقه صلّى اللّه عليه وسلّم فيكون بستّ خصال:
الخصلة الأولى:
رجاحة عقله وصدق فراسته، وقد دلّ على وفور ذلك فيه صحّة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألّفه النّاس، وأنّه ما استغفل في مكيدة، ولا استعجز في شديدة؛ بل كان يلحظ الإعجاز في المبادئ فيكشف عيوبها ويحلّ خطوبها. وهذا لا ينتظم إلّا بأصدق حدس وأوضح رؤية.
الخصلة الثانية:
ثباته في الشّدائد وهو مطلوب، وصبره على البأساء والضّرّاء، وهو مكروب ومحروب (فقد ماله)، ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة؛ لا يخور في شديدة، ولا يستكين لعظيمة، وقد لقي بمكّة من قريش ما يشيب النّواصي ويهدّ الصّياصي وهو مع الضّعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي.
الخصلة الثالثة:
زهده في الدّنيا وإعراضه عنها وقناعته منها فلم يمل إلى غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عذار العراق ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان. وهو أزهد النّاس فيما يقتنى ويدّخر وأعرضهم عمّا يستفاد ويحتكر، لم يخلّف عينا ولا دينا ولا حفر نهرا ولا شيّد قصرا ولم يورّث ولده وأهله متاعًا ولا مالًا ليصرفهم عن الرّغبة في الدّنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا على مثل حاله في الزّهد فيها.
وحقيق بمن كان في الدّنيا بهذه الزّهادة أن لا يتّهم بطلبها أو يكذب على اللّه تعالى في ادّعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النّزر ويرض بالعيش الكدر.
الخصلة الرابعة:
تواضعه للنّاس وهم أتباع، وخفض جناحه لهم وهو مُطاع، يمشي في الأسواق ويجلس على التّراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميّز عنهم إلّا بإطراقه وحيائه، فصار بالتّواضع متميّزًا، وبالتّذلّل متعزّزًا. ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال: « »، وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلّة طبع بها لم تندر فتعدّ، ولم تحصر فتحدّ.
الخصلة الخامسة:
حلمه ووقاره عن طيش يهزّه أو خرق يستفزّه فقد كان أحلم في النّفار من كلّ حليم وأسلم في الخصام من كلّ سليم. وقد مُني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفظ عليه بادرة، ولا حليم غيره إلّا ذو عثرة ولا وقور سواه إلّا ذو هفوة، فإنّ اللّه تعالى عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة ليكون بأمّته رءوفا وعلى الخلق عطوفا لقد تناولته قريش بكلّ كبيرة وقصدته بكلّ جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم. وما تفرّد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم، بل تمالأ عليه الجلّة والدّون، فكلّما كانوا عليه ألحّ، كان عنهم أعرض وأصفح، حتّى قدر فعفا، وأمكنه اللّه منهم فغفر.
الخصلة السادسة:
حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنّه ما نقض لمحافظ عهدًا، ولا أخلف لمراقب وعدًا، يرى الغدر من كبائر الذّنوب، والإخلاف من مساوئ الشّيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظًا لعهده ووفاءً بوعده حتّى يبتدئ معاهدوه بنقضه فيجعل اللّه تعالى له مخرجًا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النّضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل اللّه تعالى له في نكثهم الخيرة.
فهذه ستّ خصال تكاملت في خُلقه، فضّله اللّه تعالى على جميع خَلقه.
(من كتاب: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم)