المنطقي والمعتاد؛ بين العلم والدين.

منذ 2015-03-05

إن الإنسان ينبغي ألا يرفض أمرًا لمجرد أنه لم يتعود عليه، بل يجب أن يعلم حدود خبرته الذاتية، وأن عدم تطابق ما يُخبر به مع ما تعود عليه لا يعني بطلانه.

عندما ظهرت نظرية النسبية بنتائجها غير المعتادة من انتقال مفاهيم الزمان والمكان من مفاهيم مطلقة إلى مفاهيم نسبية، صدم هذا كثيرًا من الناس (وحتى يومنا هذا)، وقالوا هذه نتائج غير منطقية ولكن هل فكر هؤلاء في معنى كلمة منطقي؟!

- معنى منطقي:

إن معني منطقي لا يتعدى أن يكون غير متناقض مع بعضه البعض، عندما أقول هذا الكلام غير منطقي معناه أنه يوجد تناقض داخلي في محتوى الكلام، وعندما أقول هذا الكلام منطقي يعني هذا خلوه من التناقضات الداخلية، ومنطقية الكلام مستقلة عن واقعيته، بمعني أنه قد تكون مثلاً ثمة نظرية فيزيائية لا تحمل أيًا من التناقضات الداخلية ولكنها ليست لها أية علاقة بالواقع، ونستطيع أن نقول أن كل واقعي منطقي، وليس كل منطقي واقعي! وبذلك اتضح معنى الكلمة.

- معنى المعتاد:

المعتاد ببساطة هو ما ألفته حواسنا، خلال فترة حياتنا المحدودة، وخلال تجاربنا المحدودة.

- الخلط بين المنطقي والمعتاد:

إن معظم ما يقول البشر عليه غير منطقي هو في الحقيقة غير معتاد فحسب، فمثلًا نتائج كل من نظرية النسبية وميكانيكا الكم غير معتادة بالمرة، وذلك لأننا ببساطة لم ندرك بحواسنا مواضيع النسبية والتي تنجلي بوضوح عند سرعات تقارب سرعة الضوء ومواضيع ميكانيكا الكم، والتي تنجلي بوضوح في العالم ما دون الذري.

فعندما أقول مثلًا أنه ممكن حسب ميكانيكا الكم أن تنفذ قطة من جدار سميك دون أن تصاب بأذى ودون تحطيم الجدار، سيرد الكثير على هذا بقولة: "هذا ليس منطقيًا"، ولكني أرد فأقول: "بل هذا ليس معتادًا"، لأن احتمالية هذا الحدث طبقًا لميكانيكا الكم هي احتمالية صغيرة للغاية.

ولكننا لو فكرنا بإنصاف في القضية لما وجدنا أية تناقض في كلامي عندما أقول أن قطة عبرت جدارًا سميكًا. أليس كذلك؟

- الإنسان بطبيعته يرفض غير المعتاد:
كما رأينا ذلك في العلم الحديث ورفض الإنسان لما هو ليس معتادًا فإن هذا بعينه حدث عندما تكلم الأنبياء إلى أقوامهم عن وجود إله واحد يحكم الكون، لا تدركه حواسنا المادية، وأنه يوجد بعث وحساب بعد الموت.

قال تعالى في (سورة الإسراء، آية 49):

{وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}.

وقال تعالى في (سورة الأحقاف، آية 22):

{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.

إنهم هنا احتكموا على المعتاد، فهم لم يروا هذا بأعينهم من قبل، (وهذا طبيعي؛ لأن أحدًا منهم لم يمت من قبل ليجرب)، فرفضوا أمرًا ليس معتادًا على أنه غير منطقي.

- الخلاصة:

إن الإنسان ينبغي ألا يرفض أمرًا لمجرد أنه لم يتعود عليه، بل يجب أن يعلم حدود خبرته الذاتية، وأن عدم تطابق ما يُخبر به مع ما تعود عليه لا يعني بطلانه.

والله أعلم.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 1
  • 0
  • 3,406

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً