وجـاء رمضـان فهل من مشمر ؟؟

منذ 2008-08-31

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرد الصوم، وسرده أبو طلحة وأبو أمامة وعائشة وعروة وسعيد بن المسيب وكان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين:

أما بعد:
فهذه إشراقات رمضانية، ونفحات ربانية تنير دروب الصائمين وتشرح صدور القانتين وتهدي قلوب الحائرين فيها الحكم الشرعي والهدي النبوي والموعظة البليغة والآداب الرشيدة اختصرناها من كلام الإمام أبي الفرج ابن الجوزي في كتابه التبصرة والله نسأل الإخلاص في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.

قال الله عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْـزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]

إنما سمي الشهر شهراً لشهرته في دخوله وخروجه قاله النحاس وقال ثعلب: "سمي رمضان لأن الإبل ترمض فيه من الحر".

قوله تعالى: { هُدًى لِلنَّاسِ} أي: بياناً لهم.
والبينات: الآيات الواضحات
والفرقان: المفرق في الدين بين الضلالة والشبهة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين».
وفي لفظ «فتحت أبواب الجنة». أخرجاه في الصحيحين.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب جهنم فلا يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة». رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه». أخرجاه في الصحيحين.

وقد أخرجاه من حديث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة ولفظه: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً».

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أعطيت أمتي خمس خصال في شهر رمضان لم تعطهن أمة قبلهم، خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون يلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد مردة الشياطين لا يخلصون إلى ما كانوا يخصلون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة».
قيل: يا رسول الله! أهي ليلة القدر؟
قال: «لا ولكن العامل يوفى أجره إذا قضى عمله». رواه أحمد وفيه ضعف.

شعر:

من نــــــالــه داء دوٍ بـــــذنوبــــــه *** فليأت في رمضان باب طبيبه
فخلوف هذا الصوم يا قوم اعلموا *** أشهـى من المسـك وطيبه
أوليس هذا القول قول مليكـكـم *** لاصوم لي وأنا الذي أجزي به


إخواني! أين من كان معكم في رمضان الماضي؟
أما أفتنته آفات المنون القواضي؟
أين من كان يتردد إلى المساجد في الظلم؟سافر عن داره منذ زمان وانعدم!
أين من صبر على مشقة الجوع والظمأ؟ غاب فما آب ومضى فانقضى
أين الذين ارتفعت أصواتهم بالأدعية؟ خرجت تلك الجواهر من تلك الأوعية...

سل الأيام ما فعلت بكسرى *** وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهم للمـــوت طُراًّ *** فلم تدع الحليم ولا السفيها
أما لو بيعت الدنيا بفــــلس *** أنفت لعاقل أن يشتريها


إخواني... تفكروا لماذا خلقتم فالتفكير عبادة، وامتثلوا أمر الإله قد امر عباده، والتفتوا عن أسباب الشقاء إلى أسباب السعادة، واعلموا أنكم في نقص من الأعمار لا في زيادة.

أيها الغافل عن فضيلة الشهر، اعرف زمانك...
يا كثير الحديث فيمـا يؤذي، احفـظ لسانك...
يا مسؤولاً عن أعمالـه اعقــل شانــك...
يا متلوثاً بالزلل، اغسل بالتوبة ما شانــك...
يا مكتوباً عليه كل قبيح، تصـفح ديوانـك...

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]
كتب بمعنى فرض.

سأل المأمون علي بن موسى الرضا: أي شيء فائدة الصوم في الحكمة؟
فقال: علم الله ما ينال الفقير من شدة الجوع، فأدخل على الغني الصوم، ليذوق طعم الجوع ضرورة حتى لا ينسى الفقير.
فقال المأمون: أقسم بالله لا كتبت هذا إلا بيدي

من آداب الصيام
وللصوم آداب يجمعها:
حفظ الجوارح الظاهرة، وحراسة الخواطر الباطنة، فينبغي أن يتلقى رمضان بتوبة صادقة، وعزيمة موافقة، وينبغي تقديم النية، وهي لازمة في كل ليلة.
ولابد من ملازمة الصمت عن الكلام الفاحش والغيبة، فإنه ما صام من ظل يأكل لحوم الناس.
وكف البصر عن النظر الحرام، ويلزم الحذر من تكرار النظر إلى الحلال.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». انفرد بإخراجه البخاري.

ويستحب تعجيل الفطر:
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: إن أحب عبادي إليّ أعجلهم فطراً» [رواه الترمذي].

وفي حديث سليمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمراً فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور» [رواه أحمد وأهل السنن].

وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاءالله» [وراه أبو داود وحسنه الدارقطني].

ويستحب السحور وتأخيره:
وفي الصحيحين من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تسحروا فإن في السحور بركة».

وينبغي للصائم أن يتشاغل طول نهاره بالذكر والتلاوة.
وكان الشافعي رضي الله عنه يختم في رمضان ستين ختمة!!

وعن الزهري قال: "تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة في غيره".

حق شهر رمضان شيئان إن كنت من الموجبين *** حــق الصيــام
تقــــــــــطـــع الصـــــــوم في نهـــــــارك بالذكــــر *** وتفني ظلامه بالقيام


ويستحب للصائم أن يفطر الصوام إذا أمكنه، فعن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من فطر صائماً كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئاً» [رواه أحمد والترمذي وصححه].

موعظة:
فبادروا إخواني شهركم بأفعال الخير، وأفردوها عن الخطايا لتكون وحدها لا غير، واعلموا أن شهركم هذا شهر إنعام ومير، تعرف حرمته الملائكة والجن والطير.

وآهاً لأوقاته من زواهر ما أشرفها ولساعاته التي كالجواهر ما أظرفها...
أشرقت لياليها بصلاة التراويح وأنارت أيامها بالصلاة والتسبيح...
حليتها الإخلاص والصدق وثمرتها الخلاص والعتق...

إخواني هذا شهر التيقظ.. هذا أوان التحفظ
إخواني بين أيديكم سفر.. والأعمار فيها قصر...
وكلكم والله على خطر... فاعرفوا قدر من قدر..
وتذكروا كيف عصيتم وستر...

قال سري السقطي: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها وأنفاس العباد ثمرتها".

فشهر رجب أيام توريقها.. وشعبان أيام تفريعها.. ورمضان أيام قطفها... والمؤمنون قطافها..

هذه الأشهر الثلاث المعظمة كالجمرات الثلاث... فرجب كأول جمرة تحمي بها العزائم، وشعبان كالثانية تذوب فيها مياه العيون، ورمضان كالثالثة تورق فيها أشجار المجاهدات... وأي شجرة لم تورق في الربيع قطعت للحطب!
فيا من قد ذهبت عنه هذه الأشهر وما تغير، أحسن الله عزاءك!!

واعجباً! لو عرض عليك أن تشرب شربة ماء في رمضان لما شربت ولو ضربت، وأنت فيه تغش في البيع، وتطفف في الميزان، فإذا خرج عصيت الله في شوال، أما كان الناهي عن هذا هو الناهي عن ذاك!

{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85]

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له».

باع قوم جارية قبيل رمضان، فلما حصلت عند المشتري قال لها: هيئي لنا ما يصلح للصوم فقالت: لقد كنت قبلكم لقوم كان زمانهم رمضان!

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصدقة صدقة في رمضان» [رواه الترمذي وفيه ضعف].

من فطر صائماً فله أجر صائم، فاجتهد أن تصوم رمضان ستين يوماً.

فضائل الصيام عموماً
اعلموا أن الصوم من أشرف العبادات وله فضيلة ينفرد بها عن جميع التعبدات وهي إضافته إلى الله عز وجل بقوله: «الصوم لي وأنا أجزي به» [رواه البخاري].

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عن فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» متفق عليه.

وعن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن للجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة، يلا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد». متفق عليه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة: «عليك بالصوم فإنه لا مثل له» [رواه ابن حبان وصححه الألباني].

تحذير
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يرفث فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم».

وقد لا تخلص النية، ولا يحصل الأجر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» [الراوي: أبو هريرة - خلاصة الدرجة: صحيح لغيره - المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب].

مع السلف
كان أبو أمامة وامرأته لا يلفون إلا صياماً، فإذا رأوا عندهم ناراً أو دخاناً في منزلهم، عرفوا أن قد اعتراهم ضعف.

وكان جماعة من السلف يغتنمون العمر، فيسردون الصوم ولا يفطرون إلا الأيام المحرمة.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرد الصوم، وسرده أبو طلحة وأبو أمامة وعائشة وعروة وسعيد بن المسيب وكان بعض السلف يبكي عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟
قال: أبكي على يوم ما صمته وليلة ما قمتها!!

فاغتنموا إخواني زمنكم وبادروا بالصحة سقمكم، واحفظوا أمانة التكليف لمن أمنكم وكأنكم بالحميم وقد دفنكم وبالعمل في القبر قد ارتهنكم.

ألم يأن تركــي مــــا علــي ولا ليـــا ***وعزمي ما فيه إصلاح حاليا
وقد نال مني الدهر وابيــض مفرقي *** بكـــر الليالــــي كمــــا هيا
أليس الليالي غاصباتــــي مهجتي *** كما غصبت قبلي القرون الخواليا


إعداد القسم العلمي بمدار الوطن

تنسيق موقع وذكر الإسلامي








المصدر: دار الوطن
  • 1
  • 0
  • 15,669

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً