مصر من اضطهاد الشعب لاضطهاد الرئيس!

منذ 2015-03-17

وحريٌّ بِنا أن نعلم ضرورة الاحتِرام المشروع للحاكم باعتباره سلطان الله في أرضه، وقد وردَت الأحاديث الشريفة التي تحضُّ على إكرام سلطان الله في أرضِه، وتَعِد صاحِبها بالإكرام في الدنيا والآخِرة، وتُحذِّر مِن إهانة سلطان الله في أرضه، وتتوعَّد صاحبها بإهانته في الدنيا والآخرة.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم.

وبعد:

الحِمد لله الذي أنعم علينا بخَلاصِنا من ذلك الطُّغيان الذي جثَم على صدورنا لعشَرات السنين بغير حول منَّا ولا قوة، تفضُّلاً مِنه ومنَّةً.

فحقٌّ علينا وقد أعتق الله رقابنا مِن ذلك الاستعباد الفاجِر أن نَبذل قصارى جهدنا في رفع المحامِد التي يَحفظ الله بها علينا نِعمَه، وبذْل الشُّكر الذي يَزيدها علينا.

ومِن المؤسِف حقًّا، والمُحزِن صِدقًا، أن قومًا فسدَت مَفاهيمُهم، وانتَكستْ تصوُّراتُهم، راحُوا يؤكِّدون المزاعم الواهية، والتُّهم الباطِلة التي وصَف بها الطُّغاة السابِقون شعْب مصر: أنهم شعب لا يُصلِحه إلا الظُّلم والغشَم، ولا يُخضِعه إلا السَّوط والسيف، وذلك مِن خلال ولوغِهم في عِرض رئيس الدولة مع ما عُرف به مِن لِين العَريكَة، ودَماثة الخلق، وخير مِن هذا وذاك تقواه لله عز وجلَّ، نَحسبه كذلك، والله حسيبُه، ولا نُزكِّيه على الله تعالى فلم تَلبثْ مِصرُنا أن تخلَّصت مِن اضطِهاد المَحكومين، حتى دخَلت في اضطِهاد الحاكم.

ثواب إكرام السلطان، وإثم إهانته:
وحريٌّ بِنا أن نعلم ضرورة الاحتِرام المشروع للحاكم باعتباره سلطان الله في أرضه، وقد وردَت الأحاديث الشريفة التي تحضُّ على إكرام سلطان الله في أرضِه، وتَعِد صاحِبها بالإكرام في الدنيا والآخِرة، وتُحذِّر مِن إهانة سلطان الله في أرضه، وتتوعَّد صاحبها بإهانته في الدنيا والآخرة عياذًا بالله، فمِن ذلك ما جاء عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله» (رواه الترمذي؛ [2224])، قال الألباني: "صحيح"، وفي رواية: «مَن أكرم سلطان الله أكرمه الله، ومَن أهان سلطان الله أهانه الله» (رواه ابن أبي عاصم في السنة؛ [1017])، وفي رواية: «مَن أجلَّ سلطان الله أجلَّه الله يوم القيامة» (رواه ابن أبي عاصم في السنة؛ [1025]).

إذلال الله لمَن أذلَّ سلطانه في أرضه:
وفي إذلال الله لمَن أذلَّ سلطانه في أرضه يُروى عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليُذلَّه؛ أذلَّ الله رقبتَه قبل يوم القيامة، مع ما ذخَر له من العذاب، وسلطان الله: كتابه، وسنن نبيه» (رواه ابن أبي عاصم في السنَّة؛ [1462]، والطبراني في الكبير؛ [11216]، وابن زنجويه في الأموال؛ [44]).

وعندما تجهَّز ناس من بني عبس إلى عثمان يُقاتِلونه، قال حذَيفة: "ما سعى قوم ليُذلُّوا سلطان الله في الأرض إلا أذلَّهم الله في الدنيا قبل أن يموتوا" (المعرفة والتاريخ؛ [2/762]، جامع معمر بن راشد؛ [11/344]، وابن زنجويه في الأموال؛ [1/85]).

حِرص عمر على توقير وهَيبة سلطان الله:
ولهذا كان الفاروق عُمر رضي الله عنه حريصًا على هَيبة سلطان الله، ووقاره؛ فيُروى أنه عندما ازدحَم الناس على عُمر بن الخطاب رضي الله عنه أقبَل سعد بن أبي وقَّاص يُزاحِم الناس، حتى خلص إليه، فعَلاه عُمر بالدِّرَّة، وقال: "إنك أقبلتَ لا تَهاب سلطان الله في الأرض، فأحببْتُ أن أُعلِّمك أن سُلطان الله لن يَهابك" (تاريخ الطبري؛ [4/212]).

خروج علي رضي الله عنه إلى معركة صفين تعظيمًا لسُلطان الله في أرضه:
وتحقيق هيبة سُلطان الله في أرضِه قضية تستحقُّ القِتال لأجلِها، فما خرَج الإمام علي رضي الله عنه إلى صفِّين إلا تحقيقًا لهَيبة سلطان الله في أرضِه، كما بيَّن رضي الله عنه في خطبته قبْل خُروجِه إلى صفِّين، فكان فيها: "إن الله عزَّ وجل بعَث رسولاً هاديًا مَهديًّا بكتاب ناطِق، وأمر قائم واضِح، لا يَهلك عنه إلا هالك، وإن المبتدعات والشُّبهات هنَّ المُهلكات إلا مَن حفظ الله، وإن في سُلطان الله عِصمَة أمركم، فأعطوه طاعتكم غير ملويَّة، ولا مُستَكره بها، والله لتفعلنَّ، أو ليَنقلنَّ الله عنكم سلطان الإسلام، ثم لا يَنقله إليكم أبدًا حتى يأرِز الأمر إليها، انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يُريدون أن يفرِّقوا جماعتكم؛ لعلَّ الله يُصلِح بكم ما أفسد أهل الآفاق، وتَقضون الذي عليكم" (الفتنة ووقعة الجمل؛ [1/108].

وتحقيق هيبة سلطان الله هو نفسُه دافع المُطالَبة بدم عثمان رضي الله عنه حيث خُروج أمِّنا عائشة، والزُّبير، وطلحة رضي الله عنهم أجمعين مطالبةً بدم الخَليفة المقتول ظلمًا، وذلك أنهم عندما خرَجوا مِن المدينة، قابَل الزبير مَليح بن عوف في الطَّريق، فقال مليح: "يا أبا عبد الله، ما هذا؟
قال: عُدِيَ على أمير المؤمنين رضي الله عنه فقُتل بلا تِرَة (ذنب)، ولا عذْر.
قال: ومَن؟
قال: الغَوغاء مِن الأمصار، ونُزَّاع القبائل، وظاهِرهم الأعراب والعَبيد.
قال: فتُريدون ماذا؟
قال: نُنهِض الناس فيُدرَك بهذا الدم لئلا يَبطُل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بينَنا أبدًا، فإذا لم يفطم الناس عن أمثالها؛ لم يَبقَ إمام إلا قتَله هذا الضرب.
فقال مليح: والله إنَّ ترْك هذا لشديد" (تاريخ الطبري؛ [4/461]).

وعندما دخلوا البصرة، خطَب طلحة في أهلِها، فحَمِد الله، وأثنَى عليه، وذكَر عثمان رضي الله عنه وفضْلَه، والبلد، وما استُحلَّ منه، وعظم ما أَتى إليه، ودعا إلى الطلب بدمِه، وقال: "إن في ذلك إعزاز دين الله عز وجل  وسُلطانه، وأما الطلب بدم الخليفة المظلوم، فإنه حدٌّ مِن حدود الله، وإنكم إن فعلتم أصبتُم، وعاد أمرُكم إليكم، وإن تركتُم لم يقمْ لكم سُلطان، ولم يكن لكم نظام، فتكلَّم الزبير بمثل ذلك" (تاريخ الطبري؛ [4/462: 463)].

وجوب نصح السلطان:
ولا يَعني هذا حاشا لله أن الإسلام يعمل على تأليه الحاكم مِن خلال المنْع مِن تقويمه عند اعوجاجِه عياذًا بالله، فلكم حضَّ الإسلام على نصْح الحاكم وتقويمه في العديد مِن النُّصوص التي نأخُذ منها حديثًا واحدًا، كما جاء عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامَّتهم» (صحيح رواه الإمام أحمد؛ [16940]، ومسلم؛ [55)].

فقه نصْح السلطان:
ولكن يجب أن يقدَّم النُّصح على بساط الأدب، مِن دافِع المحبَّة والمودَّة، وليس مُضاهبةً (مُكاشَفة بالقَبيح) بدافع التشنيع والتَّشهير.

كما يظهر فقه ذلك مِن خلال ما يُروى عن سعيد بن جُبَير قال: "قلت لابن عباس: آمُر السُّلطان بالمعروف، وأنهاه عن المُنكَر؟
قال: إن كنت لا بد فاعلاً ففيما بينَك وبينه" (رواه ابن أبي شيبة؛ [38307]، وابن أبي الدنيا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ [80]، والبيهقي في شعب الإيمان؛ [7185: 7186])، وابن المقرئ في معجمِه [1230]، "زاد أبو عوانة: ولا تَعِبْ إمامَك"؛ شعب الإيمان [10/73]).

ونذكر قصة وقعت في نُصحِ السلطان لما فيها مِن الإشارة إلى خطر إعلان نقْد الحاكم، وذلك عندما جلد عياض بن غنْم صاحب دارا (أمير بلدة فتحها المسلمون) حين فُتِحت.

أغلَظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عِياض، ثم مكَث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعِياض: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مِن أشدِّ الناس عذابًا، أشدهم عذابًا في الدنيا للناس»؟!
فقال عياض بن غُنْم: يا هشام بن حكيم، قد سمعنا ما سمعتَ، ورأينا ما رأيتَ، أوَلم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «مَن أراد أن يَنصح لسلطان بأمر؛ فلا يُبْد له علانيةً، ولكن ليأخذ بيدِه، فيَخلو به، فإن قَبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له»؟!
وإنك يا هشام لأنت الجريء، إذ تَجترِئ على سلطان الله، فهلا خشيتَ أن يَقتُلكَ السلطان، فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى (قال الألباني: صحيح بمجموع طرُقه) (رواه الإمام أحمد؛ [15333]، وابن أبي عاصم في السنة؛ [1097/ 1098]).

فنقْد الحاكم علنًا يَدعوه للإصرار، ويَدفعه للمُعانَدة.

خطبة الزمخشري في النصيحة:
وقد خطَب الزمخشري، فقال: "انظر حين أراد أن يَنصح أي: الخَليل إبراهيم، صلى الله عليه وسلم أباه، ويَعِظه فيما كان مُتوِّرطًا فيه مِن الخطأ العَظيم، والارتِكاب الشَّنيع الذي عصَى فيه أمر العقل، وانسلَخ عن قضية التمييز، كيف رتَّب الكلام معه في أحسن اتِّساق، وساقَه أرشَق مَساق، مع استعمال المُجامَلة، واللُّطف، والرِّفق، واللين، والأدب الجميل، والخلُق الحسن، مُنتصِحًا في ذلك نصيحة ربِّه جلَّ وعلا" (البحر المحيط في التفسير؛ [7/268].

ومِن ثمَّ:

فعلى كل مَن يُريد أن يقوِّم اعوجاجًا رآه أن يَكتب ما يراه، ويُبسِّط وجهة نظرِه، وأن يقُوم بتسليمِها للمُختصِّين، أو أن يَذهب بنفسِه ليَعرض ما لدَيه.

هذا إن كان طالبًا للتقويم، أما هؤلاء المُشنِّعون فلا مُراد لهم إلا المُقذِعات، وركوب الشادِخات المُحجِّلات، ولا سبيل لهم إلا الإفك، والبُهتان في الصحف، والإعلام، أسأل الله أن يُهينَهم، ويُذلَّهم كما توعَّد كل مَن أراد إذلال سلطان الله في أرضه.

وأخيرًا:
فغنيٌّ عن الذِّكر أن الحاكم الذي يجب في شأنه كل هذا التوقير، هو الحاكم الشرعي الذي صحَّت بيعتُه، ويجتهد في العدل ما أمكنَه ذلك، ولكنه يقع في الخطأ بمُقتضى التَّقصير البَشري، والنقْص الإنساني، أما الغاصِب الذي يَستعبِد الأمة، ويَستحِل دماءَها، وأعراضَها، وأموالها، ويَعتبرها عبيدًا له، ولأبنائه من بعده، فهذا ليس إلا قرصانًا مُفسِدًا في الأرض، لا يجب في حقِّه إلا حدُّ الحِرابة!

اللهم اجعلنا ممن يُكرمون سلطانك في أرضِك، فتُكرمهم في الدنيا والآخِرة، اللهم اجعلنا ممن يُعزُّون سلطانك في أرضِك، فتُعزَّهم في الدنيا والآخِرة، ونعوذ بك أن نكون ممن يُهين سُلطانك في أرضك، فتُهينَهم في الدنيا والآخِرة، ونعوذ بك أن نكون ممن يُذلُّون سلطانك في أرضِك، فتُذلهم في الدنيا والآخِرة.

وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نَستغفِرك ونتوب إليك.

الكاتب: محمد فريد فرج فراج

  • 15
  • 0
  • 3,156

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً