عندئذ فقط.. ينقطع الأمل
محمد علي يوسف
طالما لم تطلع الشمس من مغربها ولم يغرغر المرء بعد، ولم ينزل من عند الله نبأ يقطع الطمع في تغييره ويغلق بوابة الرجاء في عودته، وطالما لم يجزم وحي منزهٌ معصومٌ بفساد مآله واستحالة هدايته، فلم تزل الفرصة قائمة ولم يزل باب المعذرة لربنا مفتوحاً على مصراعيه..
- التصنيفات: التوبة -
كلما تحدثت أو كتبت عن قيمة الأمل وأهمية بثه في القلوب والنفوس.. برز من يصر على حقران تلك القيمة وربما السخرية منها وتسفيهها، وأصر على قطع الطمع في تغيير الواقع وتحسن الحال، وجزم أو كاد أن يجزم بأنه لا فائدة ترتجى من الناس، ولا أمل في إصلاحهم، ونسي أن من قال هلك الناس فهو أهلكهم، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم..
والحقيقة أن قطع الطمع في تغيير النفس أو الآخرين ليس من اختصاص البشر، والذي يقع فيه البعض من الجزم بمآل الناس بشكل قاطع وحاسم هو أمر يحتاج إلى إعادة نظر، خصوصًا عند استحضار تلك الكلمة القرآنية التي وُصف بها فعل نبي الله يونس عليه السلام، حين قرر من تلقاء نفسه أن يغادر القوم الذين أُرسل إليهم..
كلمة (أبق) ويا لها من كلمة، إنه اصطلاح يوصف به العبد الذي غادر سيده بغير إذنه..
ولماذا هذا الوصف الشديد؟ هذا ببساطة هو ما أتحدث عنه، أمر من شأن الخالق وليس للعبد أن يقرر قطعه من تلقاء نفسه، إنه الأمل..
الأمل في هداية الخلق وتغييرهم للأفضل، هذا الأمل لا ينبغي أن يُجزم بقطعه من دون وحي منزل من الله،
وحي كالذي قيل لنبي الله نوح عليه السلام: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ} [هود من الآية:36].
لاحظ متى قيلت ومن القائل؟ لقد قيلت بعد ألف سنة إلا خمسين عامًا، ومن قالها؟ هو الله الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.
ولاحظ أيضًا كيف كان حال نوح قبل هذا القطع من الله..
دعوة متفانية لمئات السنين وبكل الأسباب الممكنة، ولقوم نفوسهم يقينًا من أبشع النفوس، وقلوبهم من أقسى القلوب، وكفى بإصرارهم على كفرهم ونسبته الساحقة دليلاً على ذلك المحل الفاسد الذي ما آمن منه إلا قليل، ومع هذا لم ييأس نوح، ولم يكل أو يمل، ولم يدع عليهم بالهلكة أو يسخر منهم إلا بعد هذا الإخبار الإلهي: ألا فائدة منهم ترتجى ولا صلاح منهم ينتظر.
فهل لدى قاطعي الأمل في الناس اليوم مثل هذا الخبر اليقيني؟!
وبالأمل في التغيير والإصلاح خلد ذكر الناهين عن السوء في قصة أصحاب السبت، أولئك الذين حاول المثبطون تخذيلهم وإبطاء دعوتهم، ونصحهم متحججين بهلاك الناس لا محالة، ومدعين أنه لا سبيل لهدايتهم، ولا قيمة لوعظهم ودعوتهم فقالوا: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} [الأعراف من الآية:164].
فكان الرد من الناهين عن السوء حاسمًا ساطعًا براقًا: {قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف من الآية:164]، لاحظ الأمل في قولهم: {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لا تدري مصيرهم مهما بلغ غيهم فلعلهم في النهاية.. {يَتَّقُونَ}.
طالما لم تطلع الشمس من مغربها ولم يغرغر المرء بعد، ولم ينزل من عند الله نبأ يقطع الطمع في تغييره ويغلق بوابة الرجاء في عودته، وطالما لم يجزم وحي منزهٌ معصومٌ بفساد مآله واستحالة هدايته، فلم تزل الفرصة قائمة ولم يزل باب المعذرة لربنا مفتوحاً على مصراعيه، ولم تزل المحاولة وبذل الوسع خياراً وسبيلاً ولعلهم يتقون، أما إن كان هناك ما يضاد هذا الذي سبق فعندئذ فقط.. ينقطع الأمل.