دروس من الهجرة للجاليات المسلمة (الجزء الثاني)
على غالبية المسلمين الذين يعيشون في البلدان غير الإسلامية ألا يترددوا أبدًا في إعطاء الأولوية للمصلحة العامة والرعاية الاجتماعية لمجتمعاتهم، فوق المنافع الشخصية الخاصة بهم.. كذلك ينبغي للمسلمين الذين يعيشون في البلدان غير الإسلامية أن يكونوا أمثلة جيدة للآخرين في الإخلاص، والثقة، والتعاون في الخير والصدق وغيرها..
وضحنا في المقال السابق "دروس من الهجرة للجاليات المسلمة (جزء أول)" كيف كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عملاً مثمرًا من قبله، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يمكث في مكة المكرمة، وثبت أمام كل المصاعب التي واجهها في نشر الرسالة إلى الناس، ثم كان استباقي لإيجاد السبل التي يمكن بها أن تزدهر رسالته وتغير العالم بإذن الله.
في هذا الجزء الثاني والأخير، أريد أن أستأنف الحديث من حيث توقفنا لاقتباس المزيد من دروس قصة الهجرة، التي ربما سمعنا عنها عدة مرات، وسنقوم هنا باستكمال استكشافها من وجهة نظر إنتاجية إن شاء الله.
تنمية المجتمع:
عند وصوله إلى المدينة المنورة التي بنى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده، أقام جهده لتوفير الخدمات الاجتماعية والتعليمية للمجتمع، اعتاد الناس أن يجتمعوا على عقد دورات تثقيفية وروحانية في المسجد النبوي الشريف، حتى أنه نظمت احتفالات اجتماعية والتجمعات مثل حفلات الزواج في المسجد، وناقش الناس الاهتمامات المختلفة المتعلقة بالمدينة في المسجد النبوي الشريف، الذي لا يقتصر على أداء الصلوات فقط.
قبل الهجرة، كانت يثرب مدينة ملوثة، وعندما هاجر الصحابة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أصبح كثير منهم مريضًا، ومع ذلك طلب منهم الرسول صلى الله عليه وسلم تنظيف المدينة وتخليصها من الأوساخ.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو أن يبارك في المدينة المنورة ويتم حمايتها من الآفات والأمراض.
وعلاوة على ذلك سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه لحفر الآبار في مناطق مختلفة من المدينة.
يذكر أن أكثر من (50 بئرًا) تم حفرها في المدينة المنورة، والتي بعد ذلك كانت سبب -بإذن الله- في ما يكفي من المياه النظيفة للجميع، أيضًا شجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه على زراعة الحدائق، قال لهم أن أي واحد من شأنه زراعة أي أرض ميتة، فليتملكها، بدأ العديد من الناس يعملون ويزرعون، وسرعان ما كان هناك ما يكفي من الغذاء للجميع.
يجب على الجاليات المسلمة أن تشارك بنشاط في تنمية مجتمعاتهم..
المراكز الإسلامية، ولا سيما في الغرب ينبغي أن توفر الخدمات التعليمية والاجتماعية لجميع الطوائف..
يجب على المساجد أن تلعب دورًا حيويًا في خلق علاقات جيدة وعادلة مع المجتمعات الأخرى اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه..
ينبغي على المسلمين بذل قصارى جهدهم لتعزيز وتطوير بلدانهم.
الأخلاق والسلوك النبيلة:
كان محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه أكثر الناس صدقًا وإخلاصًا، جديرين بالثقة والولاء، لدرجة أن العالم لم يعرف من أي وقت مضى أصدق منهم، في المدينة المنورة، تعاملوا بأمانة وصدق مع جميع الناس، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم أو خلفيتهم الثقافية، أحبوا الخير والرفاهية للجميع، رفض الصحابة البقاء على الخمول أو يعتمدوا على الآخرين، بل شاركوا في العمل والتجارة لكسب رزقهم الشرعي وإفادة مجتمعهم.
على غالبية المسلمين الذين يعيشون في البلدان غير الإسلامية ألا يترددوا أبدًا في إعطاء الأولوية للمصلحة العامة والرعاية الاجتماعية لمجتمعاتهم، فوق المنافع الشخصية الخاصة بهم، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "لما قدمنا المدينة، « »، فقال سعد بن الربيع: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم لك نصف مالي، وانظر أي زوجتي هويت، نزلت لك عنها، فإذا حلت تزوجتها، قال: فقال له عبد الرحمن: لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة؟
قال: سوق قينقاع، قال: فغدًا إليه عبد الرحمن، فأتى بأقط وسمن، قال: ثم تابع الغدو، فما لبث أن جاء عبد الرحمن، عليه أثر صفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، قال: نعم، قال: « » قال امرأة من الأنصار؟ قال: « » قال: زنة نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « »" (صحيح البخاري، الحديث رقم:2048).
وأشاد القرآن، وأثنى على أخلاق شخصيات كثيرة من المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة خلال وقت مبكر، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، كذلك ينبغي للمسلمين الذين يعيشون في البلدان غير الإسلامية أن يكونوا أمثلة جيدة للآخرين في الإخلاص، والثقة، والتعاون في الخير والصدق وغيرها، والتي هي سمات المسلمين الحقيقيين.
وباختصار.. مناسبة الهجرة تحيي الأخلاق النبيلة وشخصية المسلمين، وهي نقطة تحول في حياة المسلمين إذا ما تعلموا تطبيق دروسها الذهبية من رسائل عالمية للسلام والحب والأخوة الإنسانية، والتنمية، والأخلاق النبيلة، والرفاه.
- التصنيف: