التبشير والتغريب

منذ 2015-03-26

فإن الاستشراق لعب دورًا كبيرًا في تمهيد الطريق للتبشير؛ ليقوم بدوره في غزو المجتمعات المسلمة، ولذا لا نخالف الحقيقة إذا قلنا إن أكثر المبشرين مستشرقون، أو على أقل حال لابد للمبشر من قراءة ما كتبه المستشرقون عن العالم الإسلامي.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الاستشراق لعب دورًا كبيرًا في تمهيد الطريق للتبشير؛ ليقوم بدوره في غزو المجتمعات المسلمة، ولذا لا نخالف الحقيقة إذا قلنا إن أكثر المبشرين مستشرقون، أو على أقل حال لابد للمبشر من قراءة ما كتبه المستشرقون عن العالم الإسلامي.

ولقد صار التبشير يمارس علانية في كل بلاد المسلمين، خاصة الفقيرة، منها: بهدف تدمير أخلاق وعقول المسلمين.

تشكيك المسلمين في دينهم وقطع صلتهم بالإسلام.

تمزيق المجتمعات المسلمة ببث روح الشقاق بين صفوفها.

تشجيع الأقليات والقوميات على الانفصال عن العالم الإسلامي باسم القومية.

شغل المسلمين بصراعات داخلية وحروب مستمرة وبث روح التخاذل والكسل بين أبناء المسلمين..

واستخدم التبشير لتحقيق هذه الأهداف وسائل مختلفة منها:

المدارس التعليمية:

فلقد نجح المبشرون في فتح مدارس تعليمية في بلاد المسلمين بغرض استقبال النشء المسلم لتشكيكه في عقيدته وزعزعة إيمانه، وحول دور المدارس التعليمية في تحقيق أهداف التبشير قال المبشر زويمر «المدارس أحسن ما يعول عليه المبشرون في الاحتكاك بالمسلمين».

وقال المبشر دانتي «كان التعليم وسيلة قيمة إلى طبع معرفة تتعلق بالعقيدة النصرانية والعبادة النصرانية في نفوس الطلاب».

وقد وقع بعض المسلمين في شباك التبشير، فأرسل بعض الأثرياء والأغنياء أبناءهم إلى هذه المدارس التي تؤهلهم لتولي المناصب والقيادات، وفي بيان هدف تلك المدارس يقول المبشر زويمر «ما دام المسلمون ينفرون من المدارس النصرانية فلا بد من أن ننشئ معهم مدارس علمانية ونسهل التحاقهم بها، لأنها تساعد على القضاء على الروح الإسلامية عند الطلاب».

ومن أشهر هذه المدارس والجامعات، جامعة فيكتوريا بالإسكندرية، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، والجامعة الأمريكية ببيروت، والمدارس التي تفتح تحت إشراف القنصليات الأوربية الأجنبية، وكان لهذه الجامعات والمدارس وسائل لتحقيق أهدافها، منها:

- تقديم المنح الدراسية واستقبال البعثات من الباحثين المسلمين وإعادتهم لبلادهم متشبعين بالروح والثقافة الغربية.

- تقديم الخدمات الطبية والخيرية بفتح المستشفيات وبعث الإرساليات الطبية وقوافل الإغاثة وتقديم المساعدات الغذائية والتموينية.

- إلقاء المحاضرات والندوات وطبع الكتب والمجلات وإصدار الصحف والنشرات الدورية للترويج لأهدافهم وبث سمومهم.

- مناقشة ومتابعة سير العمليات التبشيرية بعقد المؤتمرات الدورية للمبشرين لتعديل وتجديد الخطط بما يناسب الأهداف.

- رعاية الأحزاب والمذاهب المخالفة للإسلام ودعم القومية العربية، وما حزب البعث منا ببعيد، فالذي أسسه ميشيل عفلق، وكذا حزب القوميين العرب، وجورج حبشي، والحزب القومي السوري، وأنطون سعادة، وغيرهم. وللتبشير أهداف واضحة المعالم يمكن تقسيمها لأهداف استعمارية وسياسية وعلمية وتجارية فضلاً عن الأهداف الدينية التي سبق أن بيناها في البداية.

الأهداف الاستعمارية:

مع فشل الحملات الصليبية على بلاد المسلمين إلا أن الغرب يسعى بكل ما يملك إلى العودة إلى بلاد العرب والمسلمين لاحتلالها واغتنام خيراتها والسيطرة على شعوبها، ولذا كان الاهتمام بدارسة هذه البلاد دارسة عميقة، وكذا دراسة رصيد كل الحركات الإسلامية فيها بهدف التعرف على مواطن القوة والضعف وبث الوهن وإخفاق المقاومة الروحية والمعنوية والتشكيك في قدراتنا لكي نسلم للواقع ونعيش في أحضان الغرب ونستجدي منه الأخلاق والعقائد والثقافة ونكون له تبعًا حذو القذة بالقذة.

الأهداف السياسية

وتهدف إلى بث الدسائس والوقيعة بين بلاد المسلمين لإحداث الفرقة بينها، والأمثلة على ذلك في الواقع المعاصر متعددة، وقد تأخذ هذه الوقيعة شكل النصح والتوجيه مصداقًا لقول رب العالمين «يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ» التوبة.

الأهداف التجارية:

بُعَدّ الإغداق المالي الكبير على المستشرقين من أسباب إقبال الكثير من العلماء والمثقفين إلى المؤسسات الاستشراقية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نجاح المستشرقين في إخفاق المسلمين وهزيمتهم نفسيًا أمام الحضارة الغربية المزعومة ساعد على فتح بلاد المسلمين كسوق أمام منتجات الغرب، فساعد ذلك على انتعاش بضاعتهم وازدهار تجارتهم وضعف صناعة المسلمين وتجارتهم في أسواقهم المحلية.

الأهداف العلمية:

وهذه الأهداف غاية القليل في المستشرقين الذين أقبلوا على الاستشراق بدافع حب الاطلاع على حضارات الأمم وثقافتها ولغاتها، فأفضت بهم الدراسة إلى خلع عبادة الكفر واعتناق الإسلام أمثال الفرنسي محمد أسد، وروجيه جارودي، وغيرهم، وفي المقابل هناك المتعصبون منهم الذين أعماهم الحقد وأشعل في صدورهم الحسد على الإسلام وأهله أمثال توماس أرنولد وجوستاف لوبون، وغيرهم

ويعد الاستشراق والتبشير والتغريب من وسائل الغزو الفكري المعاصر لبلاد المسلمين

وفي الختام نوضح أن عملية التغريب لبلاد المسلمين ارتبطت بظاهرتين أولاهما فصل الدين عن الدولة العلمانية، والثانية التقليد الأعمى للغرب في كل النواحي الاجتماعية والأخلاقية والسياسية واستخدم الغرب لذلك الوسائل العديدة، منها:

- البعثات والإرساليات العلمية.

- ترجمة كتب المستشرقين والأوروبيين.

- تغريب مناهج التعليم.

- تغريب وسائل الإعلام.

- تحريض المرأة على نبذ الإسلام.

- تربية زعامات علمانية تقود الأمة الإسلامية.

- تربية قادة الأدب والفكر على الثقافة الأوربية.

- نشر المذاهب اللادينية والعادات الهدامة.

- فرض النظم والقوانين الوضعية بالقوة على بلاد المسلمين.

- تدبير الانقلابات العسكرية وزرع قيادات معادية للإسلام.

وسنعرض لبعض هذه الوسائل في المقالات القادمة، إن شاء الله - تعالى - والله من وراء القصد.

أسامة سليمان

الشيخ أحد خطباء مسجد العزيز بالله في مصر

  • 5
  • 0
  • 5,937

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً