(العندكيون) حداثة أسنان وسفاهة أحلام

منذ 2015-03-30

ولا شك أن من بلا وخبر أمر القوم عن قرب عرف أن هذه الفئة الغالبة هي فئام وسخائم من المجاميع المريضة الهائمة التي فقدت في بداية الطريق، أو فضلت واختارت بصحيح العبارة التخلي في خصام ومجافاة عن القدوة، وسلكت بعد هذه المجافاة معركتها بخليط فتية أقران وأتراب اعوجاج أفنان لا جذور لها ولا ثمرة مقاصد وأهداف..

(العندكيون) والمفرد (عندكي)، والجمع والمفرد نسبتهما إلى (عنداك)، والقياس في الجمع والمفرد والنسبة كل يعود إلى قواعد -إن سلم التقعيد- للعامية المغربية ومقابلها في لغة الضاد لفظة (إياك التحذيرية).

ويهمنا بعد هذا.. التنصيص على مسلك الترفع عن الرمي بهذه التسميات والألقاب الذي دفعنا إليه دفعًا ضابط (هذا بذلك)، كما يهمنا بعد هذا التنصيص الوقوف على حقيقة أن من كان له تصنيف القوم وتسميتهم ووصفهم بهذا الوصف قد كان له هامش معرفي للتركيبة المشكلة لهذا الاتجاه المغالي في بعض مدن المغرب، ويبدو هذا جليًا في ملحظ النعت بالعامية وعلاقته التناسبية بهذه التركيبة التي يشكل في بنية هرمها المعكوس العوام الفئة الغالبة.

ولا شك أن من بلا وخبر أمر القوم عن قرب عرف أن هذه الفئة الغالبة هي فئام وسخائم من المجاميع المريضة الهائمة التي فقدت في بداية الطريق، أو فضلت واختارت بصحيح العبارة التخلي في خصام ومجافاة عن القدوة، وسلكت بعد هذه المجافاة معركتها بخليط فتية أقران وأتراب اعوجاج أفنان لا جذور لها ولا ثمرة مقاصد وأهداف، اللهم الاشتغال على طول خط المواجهة بتصنيف الناس وتفسيقهم وتبديعهم واستقطاب مزيد عوام وجمهرة حدثاء أسنان وسفهاء أحلام، والدفع بهم إلى الواجهة ليمارسوا في غير تقوى ولا روية مثلبة الكراهية المطلقة والحقد المرسل لكل الناس.

وعلى رأس المستهدفين بهذا الإطلاق والإرسال كثير من أهل العلم والعمل والمعرفة والعرفان من العلماء والشيوخ والدعاة من أهل السنة والجماعة، وبالمقابل كف جارحة اللسان وحبسها دون التعرض لأهل الزيغ والزندقة من العصاة المصرين؛ والملاحدة المترفين؛ والرافضة الحاقدين؛ والقبوريين العابثين بجناب التوحيد وأصول العقيدة في دائرة قواعد أهل السنة والجماعة.

ولا شك أن سيرورة الأيام ترسل إشارات بخصوص ما يمكن استشرافه من وراء نقيصة غياب مؤسسة القدوة على القوم من أثر سوء خلق وقسوة قلب، وتقلب أحوال وتلون طبائع وحربائية أذواق، والتولي يوم الزحف عند التقاء الصفين.

وما أبلغ ما قاله الشيخ عبد السلام بن برجس رحمه الله: "وقد بلينا في هذه الأزمان من بعض المنتسبين إلى السلفية ممن يغلون في الحكم على الناس بالبدعة حتى بلغ الأمر إلى التعميم في التبديع على كل مجتمع، وأن الأصل في غيرهم البدعة حتى يتبينوا في شأنهم، وهؤلاء جهال بالشريعة، جهال بعبارات العلماء في البدع وأهلها، فلا عبرة بقولهم بل هو هباء لا وزن له، وقد أجاد العلامة الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد في نصحهم والتحذير من منهجهم في كتابه: (رفقًا أهل السنة بأهل السنة)، نسأل الله تعالى السلامة من الغلو كله" (انتهى كلامه).

ولا شك أن نقيصة النبز والشتيمة والتهويل في غير تهوين لا تعجز أحدًا عن التسفل في دركها لولا مانع قول الله تعالى بقياس الأولى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت من الآية:46]، وقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125].

ولربما كان من الجدال بالتي هي أحسن توجيه كلامنا وتصويب مجرى دفعه بضابط ما قاله علي رضي الله عنه عندما سئل عن أهل الجمل لما قيل له أمشركون هم؟ فقال: "من الشرك فروا"، فقيل أمنافقون هم؟ فقال: "إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً"، قيل فما هم؟ قال: "إخواننا بغوا علينا".

وقد غلّب جانب الأخوة فلم يسب لهم ذرية؛ ولم يغنم لهم مالاً؛ ولا أجهز على جريح؛ ولا اتبع مدبرًا؛ ولا قتل أسيرًا؛ ولكنه صلى على قتلى الطائفتين بالجمل وصفين، فأين ذلك من هذا وأين ذلك من اختلال موازين النقد عند كبيرهم ومتبوعهم وإمام منهج تجريحهم، ولا نقول تعديلهم فلا وسم تعديل قارفوا حسنته، فقد سجلوا وقوفهم بزعم الفزع إلى الدليل إلى جانب الظالم لا المظلوم، والقاتل لا المقتول، والجلاد لا الضحية، وأعملوا قواعد المتغلب في غير إطراد، وكانوا كالذين آمنوا ببعض الكتاب وأنكروا بعضه، وحيّنوا التورية والإظهار بما أملته مصالح (تلفيتهم) -لا سلفيتهم-، واقتضته مفازع خوارم تنزيل أدلتهم..

وليس يدري المرء كيف للمتجرد المنصف أن يستسيغ سخرية متبوعهم في محاضرة له في أحد المساجد من سيد قطب رحمه الله متشفيًا بما فعله الظلمة به حيث قال: "وبعدين السيد قطب حطوه في قفص مثل الدجاجة، لما أرادوا أن يذبحوه راحوا ذبحوه، والله ما أخذ السيف مثل علي وخالد وراح يخوض المعارك، حطوه عشر سنوات مثل الدجاجة بقفص وراحوا ذبحوه إيش سوّى، شفت والله ليش ذبحوه والله وجدوا عنده مخطط لنسف الجسور والإذاعات وقتل الشخصيات، مخطط إجرامي ذبحوه لكن الناس طلعوه شهيد"!

وربما استصرخنا حتى لا نتهم بالقطبية في مقام التعليق والاستدراك بعد السوق والسياق بما ذكره الشيخ السلفي بكر أبو زيد في وصف الشيخ ربيع قائلاً: "إنه في نزول، وأما سيد فقد سما"؛ وهو السلفي ذو الباع في العلم والعمل والذي لم يسلم بدوره من تبديع المدخلي له عندما أبدى اعتراضه على كتابه الأضواء، حيث عدّه من أهل البدع وحماة أهلها فقال: "لكن للأسف لم يفاجئ أهل السنة به -أي الشيخ بكر أبو زيدـ إلا وهو في الضفة الأخرى ضفة أنصار البدع وحماتها والدّابين عن زعمائها ومناهجهم وأفكارهم"، وليس هذا بمستغرب من متبوعهم إذا علمنا منهجه في التبديع، ووقفنا على قاعدة سيره في هذا الباب وهي قاعدة "من وقع في البدعة فهو مبتدع".

ولكن المستغرب الغريب أن يغيب تفعيل هذه القاعدة، فبينما يترادف نبز (سيد) وتفسيقه وتنجيسه، بله اتهامه بالماسونية، لا يسجل في ظل هذا الركز المحموم كلمة حق واحدة وهي من أعلى مراتب الجهاد وإن كان الجائر هنا قد أفضى إلى ما قدم بين يدي سيده ومولاه، فلا خوف منه ولا خشية ضد من كان قد حشر حنده ونادى أو كاد يقول: "أنا ربكم الأعلى"، بل من جنده: (حمزة بسيوني)، كما وصلنا عنه أنه كان يرد أنين المعذبين وآهات قولهم: "الله الله" بقوله: "لو نزل ربكم هذا لسجنته في الزنزانة رقم كذا"؛ تعالى الله عما يقوله الظالمون علوًا كبيرًا.

بل قال جمال عبد الناصر: "ذروني أقتل الموحدين فإني أخاف أن يبدلوا نحلة الفراعنة، ويظهروا في مصر فساد التقوى والحجاب والحكم بما أنزل الله"، فأين غاب هذا عن شيخ تشرب بل علم طلبة العلم أصول العقيدة ومنهج السلف، ولربما كان الذي غاب أو تغيب هو مجانبة طريقة السلف من خلال حصر منهجهم في المعتقد دون تعديه إلى التحلي والتأدب بآداب وأخلاق السلف الصالح.

وقد يجد المرء.. وحتى لا نبخس الناس أشياءهم وهذا ملموس لمس اليد عند من جانب مسلكًا من مسالك أصول العقيدة دقت مجانبته أم جلت أخلاقًا متسامية في جانب المعاملة التي هي ركن ركين من هذا الدين، ولن نبالغ إذا وصفناه في مقام الشهادة بالوصف النبوي، إذ هو كالأترجة طعمه حلو وريحه طيبة، بينما تجد بين من يدعي التمسلف من تدثر بلباس عبوس تعلو وجوههم الغبرة القترة، لا يلقون مستحب تحية الإسلام ولا يردون واجبها، يسلقون الناس بألسنة حداد أشحة على الخير، وسوء طبع سبابين شتامين لعانين عيابين ظنانين بالأبرياء الظنون، شاقين لصدور الناس مستشرفين نواياهم، بالمقابل تجدهم يتسلقون أسباب الدليل ويلوون أعناق النصوص ليسوغوا للظالمين ظلمهم، وللمشركين شركهم، وللمستعبدين استعبادهم، وللقتلة قتلهم، وكأنهم لم يقرأوا في يوم من أيام دهرهم قول الله تعالى ونهيه {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود من الآية:113].

ويهمنا في ذيل هذا المحبور أن ننبه على ملحظ مفاده أن سكوت أهل الحق على ما عند هؤلاء من زيغ وشذوذ أدخل الأمة في أتون الفتنة وعذاب الفرقة، أو كاد في مرحلة عصيبة من مراحل تاريخ أهل السنة، مرحلة تداعت على قصعتهم الأكلة الجوعى من أهل الشرك والكفر والإلحاد والضلال المبين، وأن شح المصنفات في مدافعتهم لا يجب أن يتوهم منه متوهم منهم أو من خارج دائرة الانتساب لهم..

أنه شح وسكوت يقوي من جانب باطلهم على جناب ما نعتقده اتباعًا، وتقليدًا لأعلام السنة من حق يعلو ولا يعلى عليه، بل هو شح وسكوت مرده إلى إحساس أعلامنا وعلمائنا ودعاتنا الأطهار من أمثال الشيخ (محمد حسان) والشيخ المحدث (الحويني) ومن على شاكلة منهجهم في دعوة الناس وبيان الحق والتصدي لعاديات الباطل، بثقل ضابط قول من قال فاقتفوا أثره استمساكًا بعروة الأخوة "إخواننا بغوا علينا"، وأنه سكوت وشح مرده إلى إحساسهم ووقوفهم على حقيقة أن القوم وإن جاروا فهم قلة، بل قلتهم غثاء وهباء لا وزن له، ولا شك أن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل خبثًا.

وأنه سكوت وشح فرضته أجندة مواجهة المناوئين والخصوم الحقيقيين لأهل السنة والجماعة في دائرة ترتيب الأولويات وربط الوسائل بمقاصدها في ظل شريعة الإسلام السمحة، التي جعلت نبي الله يقر في عدل لا فضل معه لعدو الله بقوله: «صدقك وهو كذوب» (صحيح البخاري:2311).

وأنه سكوت وشح تمت فيه مراعاة أن القوم ليسوا قدوة حتى يترتب على تجريحهم الحائف، وركزهم الزائف، بضابط هذه بتلك تجريحًا ناسخًا وركزًا ماسخًا؛ وإنما العمدة في الباب الموعظة الحسنة وتحيين الحكمة منها، وجدالهم -عرضًا لا أصلاً- بالتي هي أحسن؛ لدفع صائلهم متى ما دعت إلى ذلك ضرورة ولا شك أن الضرورة تقدر بقدرها، ولا يقدر قدرها إلا العلماء الربانيون الراسخون في العلم والعمل والتعليم، لا الفتية الحدثاء الأسنان السفهاء الأحلام، هداهم الله وإيانا إلى سواء السبيل سبيل سيد المرسلين وإمام المهتدين الذي ورد في وصفه تحقيقًا لا تعليقًا كما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم «سباباً ولا فحّاشاً ولا لعّاناً»؛ كان يقول لأحدنا عند المعتبة: «ما له ترب جبينه؟!»" (رواه البخاري:6031).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

محمد بوقنطار

محمد بوقنطار من مواليد مدينة سلا سنة 1971 خريج كلية الحقوق للموسم الدراسي 96 ـ97 الآن مشرف على قسم اللغة العربية بمجموعة مدارس خصوصية تسمى الأقصى.

  • 16
  • 0
  • 3,977

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً