شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - (21) هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام

منذ 2015-04-02

فمن الأسباب المعينة على تقوى الله تعالى وعبادته (الصيام).. وقد كرم الله الصائمين بتخصيص باب من أبواب الجنة لهم، لا يزاحمهم فيه أحد غيرهم وهو (باب الريان)، من دخله لا يظمأ أبداً جزاء ظمئه بالصيام.. لذلك أحببنا إظهار بعض هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الصيام..

يقول تعالى في محكم آياته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، فمن الأسباب المعينة على تقوى الله تعالى وعبادته (الصيام)، لما فيه فيه من الفوائد الجمة سواء صحيًا أو نفسيًا، فالصيام ليس امتناع عن الطعام والشراب فقط بل الصيام بالامتناع والبعد عن كل ما حرم الله، وأيضًا البعد عن بعض ما أحله سبحانه لعباده، وقد كرم الله الصائمين بتخصيص باب من أبواب الجنة لهم، لا يزاحمهم فيه أحد غيرهم وهو (باب الريان)، من دخله لا يظمأ أبداً جزاء ظمئه بالصيام، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من صيام التطوع في الأيام الفاضلة، ولم يقتصر على صيام شهر رمضان فقط، ومن خلال الأحاديث الآتية سنتعرف على هديه صلوات ربي عليه في الصيام..

- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ، وَمَا صَامَ شَهْرًا كَامِلا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إِلا رَمَضَانَ» (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

جاء في معنى هذا الحديث من كتاب (فتح المنعم، ج:5، ص:9): "ولقد عرف الصحابة فضل الصوم من معلمهم الأكبر ورسولهم الأعظم صلى الله عليه وسلم، الذي كان يصوم حتى يقول من حوله لكثرة ما يصوم: إنه لا يفطر، عرفوا أنه كان يصبح صائماً، فإذا وجد عند أهله طعاماً أفطر، وإن لم يجد ظل صائماً، نعم لم يصم صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً سوى رمضان، ولم يفطر شهراً كاملاً من أشهر السنة دون صيام، وكان يكثر الصوم في شعبان، حتى يظن أنه صامه كله".

- حدثنا هناد، قال: حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن عائشة، قالت: "لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصوم في شهر أكثر من صيامه لله في شعبان، «كان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله» (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

قال ابن رجب رحمه الله: "صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه".

وجاء في تحفة الأحوذي في شرح جامع الترمذي (الجزء الثالث، ص:435): "واختلف في الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان على أقوال قد ذكرها الحافظ في الفتح، وقد ذكر في تأييد بعضها بعض الأحاديث الضعاف ثم قال: والأولى في ذلك ما جاء في حديث أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم»، ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه: «إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم»، قال ولا تعارض بين هذا وبين ما جاء من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده" (انتهى).

- حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي، قال: حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، قال: سألت عائشة، وأم سلمة: "أي العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتا: «ما ديم عليه، وإن قل»" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله)

جاء في كتاب (فتح المنعم،ج:3، ص:581):  "من رحمة الله تعالى بالأمة الإسلامية أن رفع عنها الحرج والمشقة في عبادتها وأراد لها اليسر ولم يرد بها العسر، وأنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم استجابة لدعاء صحابته {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286].

وتطبيقًا وتنفيذًا لهذه الرحمة الإلهية ترفق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمة، ودعا المشددين على أنفسهم أن يرفقوا بها وأن لا يبالغوا في العبادة، فقال للنفر الثلاثة الذين عزموا على قيام الليل وصيام الدهر والبعد عن النساء: «أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» وهنا يرى صلى الله عليه وسلم زوجه السيدة زينب بنت جحش وقد وضعت حبلاً تتعلق به ويمنعها من النوم أثناء قيامها بالليل، فيقول: «حلوه، ليصل أحدكم ما دام نشيطًا، وليترك الصلاة إذا فتر، لا تكلفوا أنفسكم من العبادة إلا ما تطيقون، فإن الله لا يحب العبادة مع الملل ولا يثيب عليها الثواب الكريم»، وهكذا يحث صلى الله عليه وسلم أمته أن لا يشقوا على أنفسهم فلا يتشدد في الدين أحد إلا غلبه، وأحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فليتعبد المؤمن بما لا يشق عليه وعلى الله القبول".

- حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو عاصم، عن محمد بن رفاعة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

في هذا الحديث يوضح الرسول صلى الله عليه وسلم استحبابه لصيام هذه الأيام، حيث أنها أيام ترفع فيها الأعمال وتعرض على رب العزة جل في علاه، وليس هناك أفضل من عبادة الصيام ليرفع العمل وفيه أن هذا الإنسان صائم لله عز وجل، وقد جاء في صحيح البخاري، رقم (1894) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيامُ جُنَّةٌ، فلاَ يَرْفُثْ ولا يَجهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتلهُ أوْ شاتَمَهُ، فَليَقُلْ إني صائمٌ -مَرَّتينِ- والذي نَفسي بيدهِ لُخلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عِندَ الله تعالى منْ ريحِ المِسكِ، يَترُكُ طعامَهُ وشرابَهُ وشهوتَهُ منْ أجْلِي، الصيَامُ لي وأنا أجزِي بهِ، والحسنةُ بعشرِ أمْثالِهَا» فهل هناك أعظم من هذا الجزاء الذي يجزي به الله من صام تطوعًا لأجله تعالى؟!

- حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "كان عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه»، فلما افترض رمضان كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).

وفي شرح هذا الحديث جاء: "قد كان اليوم العاشر من شهر المحرم من أيام الله التي أفاض الله فيها على أوليائه من فيوضاته، فنجى فيه موسى وقومه من فرعون وجنوده، ومن واجب المؤمن أن يشكر الله على نعمائه، وخير ما يشكر به الصوم، لذا صامه موسى عليه السلام شكراً لله، وصامه اليهود من بعده، وصامته قريش، وصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم بالمدينة.. لقد رأى اليهود يصومونه فسألهم عن سر صومهم له، فوجده حسناً، فأمر أصحابه بصيامه وقال لهم: «نحن أحق وأولى بموسى من اليهود، فصوموه».

ولم يكن فُرض على المسلمين صيام قبل، ولم يمض أشهر على صيامهم يوم عاشوراء حتى فرض الله عليهم صوم شهر رمضان، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: «يوم عاشوراء من أيام الله المفضلة، لم يكتب ولم يفرض الله عليكم صيامه، فمن شاء أن يصومه تطوعاً فليصمه، وأنا صائم»، وكان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب في الطاعات التي لم يؤمر فيها بشيء، استئلافاً لقلوبهم من جهة، واعتماداً على أن عبادتهم تستند إلى الوحي غالباً من جهة، حتى فتح الله مكة، وأتم الله النعمة، وأكمل دينه فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب مخالفة أهل الكتاب، فقال في عامه الأخير: «لئن عشت إلى العام القابل لأصومن التاسع والعاشر» ولكنه صلى الله عليه وسلم لحق بالرفيق الأعلى" (من كتاب فتح المنعم، ج:4، ص:583).

ذلك هديه صلى الله عليه وسلم في الصيام فلنتبعه لعلنا نهتدي.. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام

  • 7
  • 2
  • 16,602
المقال السابق
(20) هديه صلى الله عليه وسلم في العبادة
المقال التالي
(22) بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً