الأصاغر والإعلام
أم سارة
لا أعلم كيف أصبح الجميع -إلا من رحم ربي- في واقعنا الحالي علماء في الفتيا وعلم الحديث ورجاله، وغيره من العلوم الشرعية..؟ فكل يوم يظهر علينا من لا نعرف عنه شيئًا من كبير أو صغير معرفة بالعلمٍ الشرعي وأصوله.. يحدثنا كأنه علامة ذو شأن وعمر قد أفناه في علم الفتوى والحديث وعلم الرجال –الجرح والتعديل-، وأصبح يشكك في السنة والبخاري ومسلم، وأنه لا يجب أخذ شيء إلا ما جاء في القرآن فقط..
- التصنيفات: مذاهب باطلة - الواقع المعاصر - الدفاع عن علماء أهل السنة والجماعة -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين..
لا أعلم كيف أصبح الجميع -إلا من رحم ربي- في واقعنا الحالي علماء في الفتيا وعلم الحديث ورجاله، وغيره من العلوم الشرعية..؟
فكل يوم يظهر علينا من لا نعرف عنه شيئًا من كبير أو صغير معرفة بالعلمٍ الشرعي وأصوله.. يحدثنا كأنه علامة ذو شأن وعمر قد أفناه في علم الفتوى والحديث وعلم الرجال –الجرح والتعديل-، وأصبح يشكك في السنة والبخاري ومسلم، وأنه لا يجب أخذ شيء إلا ما جاء في القرآن فقط..
ونسوا أو تناسوا أمر الله بأن نطيع الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر من الآية:7]، فكيف سنطيع الرسول صلوات ربي عليه إن لم نعرف سنته، وما كان يأمر به وينهى عنه، وهذا لا يكون إلا من خلال الحديث النبوي..
وللأسف بسبب الإعلام المضلل الذي لا يبحث إلا عن المال والشهرة وعمل شو على حساب الدين وثوابته، أصبح لمثل هؤلاء (الأصاغر) مكانة وموضع عند عامة الشعب البسيط الذي لا يعرف إلا ما يسمعه منهم، وبسبب أمية هذا الشعب وعدم قرائته في كتب العلماء الحقيقيين -سواء قدامى أو معاصرين- بات العامة يتعلمون دينهم من هؤلاء حتى فُتنوا في دينهم..
وكلمة أصاغر لا أعني بها صغار في السن فقط.. بل صغار العلم الذي يتجرأ على الفتيا وشرح السنة، لمجرد أنه قرأ حديث أو آية، لم يجلس لشيخ ولم يتعلم على يد عالم كبير، ولكنه بمجرد أن حفظ آية أو قرأ حديث رأى أنه جهبذ من الجهابذة الذين يُشار إليهم بالبنان..
وقد سُأل ابن المبارك عن الأصاغر قال: "أهل البدع"، وهذا طبعًا بسبب ما ابتدعوه في الدين بجهلهم -أو عن قصد بغية الشهرة-..
وقال ابن حزم رحمه الله: "لا آفة على العلوم وأهلها أضّر من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدّرون أنهم يصلحون"،
فهولاء الذين يُطلون بوجوهم في الإعلام ويفتون الناس بغير علم، ويشككونهم في علمائهم وأئمتهم، هم دخلاء مفسدون يفسدون عقول البسطاء ويشككونهم في ثوابت الدين وأصوله وعلمائه الأجلاء..
ولكن ولله الحمد فلا زال هناك من علمائنا من يرد على مثل هؤلاء ويدافع عن الدين وأئمة الحديث -وهم كُثر لمن يريد الحقيقة-، مثل شيخنا الجليل أبي إسحاق الحويني، الذي وصف مثل هؤلاء باللقطاء في هذا الدرس الرائع: (لقيط العلم - الدفاع عن صحيح البخاري).
وما جعلني أكتب هذا وأتعجب لما وصلنا إليه.. موقف حدث بيني وبين أحدهم، إذ سمعني أقول حسبي الله في من يشكك ويقول عن البخاري أنه ليس صحيح، فقال لي: "يعني البخاري ده كان قرآن، إيه المشكلة يعني لما يقال إن أحاديثه ضعيفة ومش صحيحة".
قلت لا، ليس بقرآن. ولكنه من العلماء الذي جابوا الأرض شرقًا وغربًا على الدواب وأحيانًا على أقدامهم من أجل التأكد من صحة الحديث وإن كان حديث واحد فقط.. فقال: "وهو هيعرف منين يعني إنه صحيح وهو جه بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بـ300 سنة".
فقلت له بالنص: "يعني إنت مش عارف حديث خير القرون، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ابن تيمية في مجموع الفتاوى:223/2)، ده إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم عن خيرية هذه القرون، والبخاري من القرن الثالث الذي هو من خير القرون التي ذُكرت في الحديث، وهو يستطيع معرفة صحة الحديث عن طريق اتصال المحدثين بمعنى حدثني فلان عن فلان عن فلان فإذا انقطع في أحدهم ولم يجد صلة بينه وبين من قبله لا يأخذ بهذا الحديث، غير أنه كان يبحث في سيرة هؤلاء المحدثين وده يسمى بعلم الرجال، عرفت إزاي كان حريص على أن يأتي بالحديث الصحيح".
» (صحيحفقال: "يا سلام يعني هو هيلاقي ناس من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده علشان يتأكد؟".
قلت: "يعني أنت جدك من أواخر القرن الـ19 ووالدك جه في القرن الـ20 وأنت جيت في القرن الـ20 وأنجبت ونحن الآن في القرن الـ21 يعني من جدك حتى أولادك ثلاث قرون لو أنت حكيت لأولادك شيء قاله والدك عن جدك فهل هنا فارق زمني كبير ضاعت فيه الحقيقة التي تذكرها، فكر فيها وأنت تعرف أن ثلاثة قرون ليست بالفارق الزمني الكبير في سلالة البيت الواحد، وتحدث أحداث يخرج منها الإنسان بسيرته الذاتية إما صادق وواعي لما يقول أو غير ذلك، ومن هنا يكون علم الرجال الذي حدثتك عنه والذي كان يتحراه البخاري ومسلم في جمع الحديث فيعلم هل هذا المحدث ممن عُرف عنه الصدق أم لا، وقد قال العلماء عن البخاري ومسلم: (ليس بعد كتاب الله تعالى أصحّ من صحيحي البخاري ومسلم)".
ليت الجميع قبل أن يسمع لمثل هؤلاء المبتدعة الأصاغر يفكر من يكون هؤلاء لنصدقهم في أكاذيبهم عن علماء كبار أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الدين وتبليغه حتى وصل إلينا.. رب يقنا ويقي الأمة شر الفتن ما ظهر منها وما بطن..