حلقات تحفيظ القرآن الكريم (2) من أخبار المقرئين من التابعين
وَفِي إِفْرِيقْيَا الفَقِيرَةِ أَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ فِي الإِقْرَاءِ، وَهِيَ عَلَى فَقْرِهَا تُخَرِّجُ أَكْثَرَ حُفَّاظِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ، فَلِلَّهِ دَرُّ قَوْمٍ فَرَّغُوا نُفُوسَهُمْ لِلْقُرْآنِ قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً، وَشُغِلُوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ فَكَانَ لَهُمْ صَاحِبًا وَجَلِيسًا وَأَنِيسًا، وَنِعْمَ الشُّغْلُ شُغْلٌ بِالقُرْآنِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ كِبَارِ المُقْرِئِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ مُؤَسِّسِي حَلَقَاتِ التَّحْفِيظِ فِي العِرَاقِ، قِيلَ لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّكَ لَتُقِلُّ الصِّيَامَ"، فَقَالَ: "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ"..
الحَمْدُ للهِ الخَلاَّقِ المَنَّانِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، {عَلَّمَ القُرْآنَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ . عَلَّمَهُ البَيَانَ} [الرَّحمن:2-4]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا؛ تَابَعَ عَلَيْنَا النِّعَمَ، وَدَفَعَ عَنَّا النِّقَمَ، وَكَفَانَا بِالإِسْلاَمِ، وَهَدَانَا لِلْإِيمَانِ، وَعَلَّمَنَا القُرْآنَ؛ رَحْمَةً وَهُدًى وَمَوْعِظَةً وَشِفَاءً؛ {فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: من الآية 239]، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ وَفَّقَ مَنْ شَاءَ لِهُدَاهُ فَأَبْصَرُوا الحَقَّ وَاتَّبَعُوهُ، فَسُعِدُوا فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا كُتِبَ لَهُمْ مِنْ فَوْزِ الآخِرَةِ، وَضَلَّ عَنْ هُدَاهُ مَنْ شَقَوْا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، {لَهُمْ عَذَابٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ الله مِنْ وَاقٍ} [الرعد:34]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْتَزِمُوا أَمْرَهُ، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ، وَعَظِّمُوا كِتَابَهُ فَاحْفَظُوهُ وَاقْرَؤُوهُ وَرَتِّلُوهُ، وَتَدَبَّرُوا آيَاتِهِ، وَافْهَمُوا مَعَانِيَهُ، وَنَشِّئُوا أَوْلاَدَكُمْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ كَلامُ اللهِ تَعَالَى إِلَيْكُمْ؛ {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزُّمر:23].
أَيُّهَا النَّاسُ:
حِفْظُ القُرْآنِ وَتَحْفِيظُهُ، وَالانْقِطَاعُ لِقِرَاءَتِهِ وَإِقْرَائِهِ عَمَلٌ هُوَ مِنْ أَجَلِّ الأَعْمَالِ وَأَفْضَلِهَا؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى عَنْ كَلاَمِ النَّاسِ، وَاسْتِغْنَاءٌ بِالقُرْآنِ عَنْ غَيْرِهِ، وَاغْتِرَافٌ مِنْ عُلُومِهِ اليَقِينِيَّةِ القَطْعِيَّةِ، فَهُوَ كِتَابٌ {لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصِّلت:42].
لَقَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيمَةَ القُرْآنِ مُنْذُ تَنَزُّلِهِ، وَحَرِصَ عَلَى حِفْظِهِ حِينَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ، وَحَزِنَ حُزْنًا شَدِيدًا حِينَ فَتَرَ الوَحْيُ بَعْدَ النُّزُولِ الأَوَّلِ، وَخَشِيَ أَنْ يُحْرَمَ هَذَا الكَلاَمَ العَظِيمَ الَّذِي يَسْمُو بِرُوحِهِ وَقَلْبِهِ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، وَيَصِلُهُ بِالخَالِقِ جَلَّ وَعَلاَ، فَحُقَّ لَهُ أَنْ يَحْزَنَ بِفَتْرَةِ الوَحْيِ، وَحُقَّ لَهُ أَنْ يَفْرَحَ حِينَ تَنَزَّلَ مِنْ جَدِيدٍ.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَاءَ تَنَزُّلِ القُرْآنِ يُعَجِّلُ فِي قِرَاءَتِهِ، وَيُعْطِيهِ كُلَّ حَوَاسِّهِ، وَيَنْصَرِفُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، يُرِيدُ أَنْ يَحْفَظَ حُرُوفَهُ، وَيَعِي مَعَانِيَهَ، فَنَهَاهُ رَبُّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ السُّرْعَةِ فِي الْقِرَاءَةِ، وَتَكَفَّلَ بِتَخْزِينِهِ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَنْسَى مِنْهُ شَيْئًا، وَقُلُوبُ الْعِبَادِ بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَيَمْلَؤُهَا بِمَا شَاءَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "كَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ}؛ يَخْشَى أَنْ يَنْفَلِتَ مِنْهُ، {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أَنْ نَجْمَعَهُ فِي صَدْرِكَ، {وَقُرْآنَهُ} أَنْ تَقْرَأَهُ، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} يَقُولُ: أُنْزِلَ عَلَيْهِ: {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أَنْ نُبَيِّنَهُ عَلَى لِسَانِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اسْتَمَعَ، فَإِذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَقْرَأَهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُ).
وَزَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِرْصَ عَلَى الْقُرَآنِ فِي قُلُوبِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَحَثَّهُمْ عَلَى حِفْظِهِ، وَأَمَرَ الْكَتَبَةَ مِنْهُمْ أَلاَّ يَكْتُبُوا شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، وَأَخْبَرَ عَنْ أُجُورٍ عَظِيمَةٍ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَتَعَلُّمِهِ.
وَوَعَى الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ، فَكَانُوا يُقْرِئُونَ تَلَامِذَتَهُمُ الْقُرْآنَ، وَانْقَطَعَ مِنْهُمْ أُنَاسٌ لِهَذِهِ الْغَايَةِ النَّبِيلَةِ؛ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى فِي الْعِرَاقِ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فِي الشَّامِ، فَأَسَّسُوا حَلَقَاتٍ لِتَحْفِيظِ الْقُرْآنِ وَنَظَّمُوهَا، فَصَارَ الْإِقْرَاءُ وَالتَّلْقِينُ وَالضَّبْطُ عَلَى الْقُرَّاءِ سُنَّةً مُتَّبَعَةً فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَخَذَهَا عَنِ الصَّحَابَةِ جَمْعٌ مِنَ التَّابِعِينَ، فَانْقَطَعُوا لِلْإِقرَاءِ، وَحِينَ عَصَفَتِ الْفِتَنُ بِالْأُمَّةِ بَقِيَ الْإِقْرَاءُ فِيهَا، وَمَا تَزَحْزَحَ الْمُقَرِئُونَ عَنْ زَوَايَاهُمْ فِي الْمَسَاجِدَ، يُقْرِئُونَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، وَيَتَلَّقَى مِنْهُمُ النَّاسُ الْقُرْآنَ.
وَاْلَحِديثُ عَنْ إِقْرَاءِ التَّابِعِينَ لِلْقُرْآنِ حَدِيثٌ يَطُولُ؛ لِكَثْرَةِ الْمُقْرِئِينَ مِنْهُمْ؛ وَلَمَّا حَفِلَتْ بِهِ سِيَرُهُمْ مِنْ فَرَائِدِ الْأَخْبَارِ فِي الانْقِطَاعِ لِلتَّلْقِينِ وَالْإِقْرَاءِ، وَحَسْبُكُمْ أَنَّ أَسَانِيدَ الْقُرَّاءِ الْعَشَرَةِ انْتَهَتْ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ قُرَّاءِ التَّابِعِينَ.
كَانَ مِنْ أَشْهَرِهِمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَبْدِ اللهِ بْنُ حَبِيبُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، رَوَى عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَولَه: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»، فأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ الحَجَّاجُ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
سَمِعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ وَالْإِقْرَاءِ، فَانْقَطَعَ لِذَلِكَ، وَتَخَرَّجَ عَلَيْهِ آلَافٌ مِنْ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ، فَيَا لَهُ مِنْ تَطْبِيقٍ فَوْرِيٍّ عَمَلِيٍّ اسْتَوْعَبَ عُمُرَهُ كُلَّهُ.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "إِنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ يُقِرئُ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ أَرْبَعِينَ سَنَةِ. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ مُشْتَغِلًا بِإِمَامَةِ الْمَسْجِدِ، فَمَا فَارَقَ الْمَسْجِدَ وَالْقُرْآنَ، فَنِعْمَ الْعَيْشُ كَانَ عَيْشَهُ، حَتَّى لَمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ مَا تَرَكَ إِمَامَةَ الْمَسْجِدِ وَلَا الْإِقْرَاءَ، أَخْبَرَ تَمِيمُ بْنُ سَلَمَةَ: أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ إِمَامَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ يَحْمِلُ فِي الطِّينِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِير".
وَكَانَ عَفِيفَ الْيَدِ، لَا يَتَأَكَّلُ بِالْقُرْآنِ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا عَلَى الْإِقْرَاءِ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ أَحَدَ أَبْنَاءِ الْأَكَابِرِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ نَعَمًا وَإِبِلًا مِنْ أَنْفَسِ الْمَالِ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: "إِنَّا لَا نَأْخُذُ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرًا"!
وَكَانَ يُرَبِّي طَلَبَتَهُ عَلَى تَوْثِيقِ الْعِلْمِ، وَالْأَخْذِ عَنِ الثِّقَاتِ، قَالَ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَنَحْنُ أُغَيْلِمَةٌ يَفَاعٌ، فَيَقُولُ: لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ، غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَكَانَ يَسْتَغِلُّ كُلَّ وَقْتٍ حَتَّى وَقْتَ الْمَشْيِ فِي الْإِقْرَاءِ وَالسَّمَاعِ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: "كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ يَمْشِي".
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: "كَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْرِئُ عِشْرِينَ بِالْغَدَاةِ، وَعِشْرِينَ بِالْعَشِيِّ، وَيُعَلِّمُهُمْ أَيْنَ الْخَمُسِ وَالْعَشُرِ، وَيُقْرِئُنَا خَمْسًا خَمْسًا"؛ أَيْ: خَمْسَ آيَاتٍ، خَمْسَ آيَاتٍ.
وَرَجُلٌ قَضَى عُمُرًا مَدِيدًا فِي الْقُرْآنِ وَالْإِقْرَاءِ، وَإِمَامَةِ النَّاسِ، فَحَرِيٌّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَاتِمَةٌ حَسَنَةٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَبْدِ الله بْنِ حَبِيبٍ وَهُوَ يَقْضِي فِي مَسْجِدِهِ، فَقُلْنَا: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، لَوْ تَحَوَّلْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ الْعَبْدُ فِي صَلاةٍ مَا كَانَ فِي مُصَلاَّهُ يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ، تَقُولُ الْمَلائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ» (متفق عليه)، قَالَ: "فأُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا فِي مَسْجِدِي".
فَيَا لِلْحَيَاةِ الْحَافِلَةِ بِالْقُرْآنِ وَإِقْرَاءِ النَّاسِ الَّتِي امْتَدَّتْ إِلَى تِسْعِينَ سَنَةً، وَيَا لِلْمَيْتَةِ الْحَسَنَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَدُعَاءُ الْمَلَائِكَةِ يَتَوَاصَلُ لَهُ.
إِنَّ لِلْمُقْرِئِينَ مِنَ التَّابِعِينَ أَخْبَارًا عَجِيبَةً فِي قَرَاءَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَخُشُوعِهِمْ، اسْتَوْدَعُوا كَلَامَ اللهِ تَعَالَى قُلُوبَهُمْ، فَظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى جَوَارِحِهِمْ، وَمَا كَانُوا يُقْرِئُونَ النَّاسَ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، بَلْ كَانُوا أَهْلَ قِرَاءَةٍ وَتَهَجُّدٍ وَخَشْيَةٍ، مِنْهُمُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سِتِّ لَيَالٍ، وَفِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ.
وَمِنْهُمْ عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي خَمْسِ لَيَالٍ، وَقَدْ قَامِ بِالْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.
وَمِنْهُمْ أَبُو رَجَاءَ الْعُطَارِدِيُّ كَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ عَشْرِ لَيَالٍ.
وَمِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ، كَانَ مُقْرِئَ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ عَابِدًا خَاشِعًا قَدْ ظَهَرَ أَثَرُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْمَشُ: "كَانَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ إِذَا قَضَى الصَّلَاةَ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ تُعْرَفُ فِيهِ كَآبَةُ الصَّلَاةِ"، وَكَانَ الْأَعْمَشُ مُعْجَبًا بِقِرَاءَتِهِ، وَصَفَ إِنْصَاتَ النَّاسِ لَهُ بِقَوْلِهِ: "كَانَ يَحْيَى بَنُ وَثَّابٍ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ قِرَاءَةً، وَرُبَّمَا اشْتَهَيْتُ تَقْبِيلَ رَأْسِهِ؛ لِحُسْنِ قِرَاءَتِهِ، وَكَانَ إِذَا قَرَأَ لَمْ يَحُسَّ فِي الْمَسْجِدِ حَرَكَةً كَأَنْ لَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ"! وَيَصِفُ خُشُوعَهُ فَيَقُولُ: "كُنْتُ إِذَا رَأَيْتُهُ قُلْتُ: هَذَا قَدْ وَقَفَ لِلْحِسَابِ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَذْنَبْتُ كَذَا".
كَانَتْ تِلْكُمُ جُمَلًا مِمَّا نُقِلَ مِنْ أَخْبَارِ الْمُقْرِئِينَ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَحْوَالِهِمْ وَقَصَصِهِمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْإِقْرَاءِ، وَأَكْثَرُهُمْ عُمِّرُوا طَوِيلًا فَقَارَبَتْ أَعْمَارُهُمُ الْمِئَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَاوَزَهَا، قَضَوْا جُلَّهَا مَعَ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى قِرَاءَةً وتَعَلُّمًا، وَإِقْرَاءً وتَعْلِيمًا، وَهِيَ أَخْبَارٌ تَبْعَثُ الْهِمَمَ فِي نُفُوسِ أَهْلِ الْقُرْآنِ، قَارِئِينَ وَمُقْرِئِينَ، وَمُعَلِّمِينَ وَمُتَعَلِّمِينَ؛ عَسَى اللهُ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَنَا فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ وَخَاصَّتُهُ، وَأَنْ يَجَعْلَ الْقُرْآنَ شَارِحًا لِصُدُورِنَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنِيسًا لَنَا فِي الْقَبْرِ، وَشَفِيعًا لَنَا يَوْمَ الْعَرْضِ، اللَّهُمَّ آمِينَ؛ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ} [البقرة:121].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَأَعْطُوا الْقُرْآنَ مَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْعِنَايَةِ وَالاهْتِمَامِ، وَوَجِّهُوا أَوْلَادَكُمْ لِحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَتِلَاوَتِهِ؛ فَإِنَّهُ عَامِرُ الْقُلُوبِ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ، وَإِنَّهُ طَارِدُ الْجُحُودِ وَالشَّكِّ وَوَسَاوِسِ الشَّيَاطِينِ؛ {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
فِي زَمَنِ انْحِطَاطِ الْمُسْلِمِينَ وَتَخَلُّفِهِمْ، وَتَوَجُّهِ أَكْثَرِ سَاسَتِهِمْ وَإِعْلاَمِيِّيِهِمْ وَمُفَكِّرِيهِمْ وِجْهَةَ الغَرْبِ الَّذِي مَزَجَ النَّصْرَانِيَّةَ المُحَرَّفَةَ بِالإِلْحَادِ الصَّارِخِ، وَفِي زَمَنِ تَقْدِيسِ قِيَمِ الغَرْبِ المُنْحَطَّةِ وَنَقْلِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، بَلْ وَفَرْضِهَا عَلَيْهِمْ عَبْرَ بَوَّابَاتِ السِّيَاسَةِ وَالإِعْلامِ وَالاقْتِصَادِ؛ فَإِنَّ القُرْآنَ وَأَهْلَهُ مِنْ قُرَّاءٍ وَمُقْرِئِينَ لاَ يَحْظَوْنَ بِاهْتِمَامٍ يَلِيقُ بِمَكَانَتِهِمْ، وَلاَ يَجِدُونَ مِنَ الرِّعَايَةِ مَا يَسْتَحِقُّونَ، وَلاَ يُنَزَلُونَ مَنَازِلَهُمْ، وَلاَ يُنْفَقُ عَلَى مَحَاضِنِ الإِقْرَاءِ عُشْرُ مَا يُنْفَقُ عَلَى مَرَاتِعِ اللَّهْوِ وَالعَبَثِ وَالضِّيَاعِ.
وَلِذَا فَإِنَّ مَنْ يَنْقَطِعُونَ لِإِقْرَاءِ أَوْلاَدِ المُسْلِمِينَ القُرْآنَ، وَكَذَلِكَ مَنْ يُفَرِّغُونَ أَوْقَاتَهُمْ، وَيُكَرِّسُونَ جُهُودَهُمْ لِلْإِشْرَافِ عَلَى حَلَقَاتِ تَحْفِيظِ القُرْآنِ وَإِدَارَتِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ يَدْعَمُونَ القُرْآنَ وَأَهْلَهُ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا، وَمَنْ يَدْرَؤُونَ عَنْ هَذِهِ الحلَقَاَتِ المُبَارَكَةِ عُدْوَانَ المُعْتَدِينَ، وَإِفْكَ المُنَافِقِينَ، وَبُهْتَانَ المُفْسِدِينَ الَّذِينَ يَتَمَنَّوْنَ القَضَاءَ عَلَى القُرْآنِ، وَيَسْعَوْنَ فِي تَجْهِيلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِكِتَابِهَا؛ لِإِخْضَاعِهَا لِأَعْدَائِهَا، كُلُّ أُولَئِكَ العَامِلِينَ فِي حِلَقِ القُرْآنِ وتَعْلِيمِهِ إِنَّمَا يَرْجُونَ المَثُوبَةَ مِنَ اللهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأَعْمَالِ الجَلِيلَةِ، وَلاَ يَنْتَظِرُونَ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا مِنَ النَّاسِ، وَثَوَابُهُمْ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِمْ؛ لِكَثْرَةِ الطَّعْنِ وَالحَطِّ عَلَيْهِمْ، وَقِلَّةِ المُعِينِ وَالنَّصِيرِ لَهُمْ؛ وَلِتَعَدُّدِ الصَّوَارِفِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَنِ القِرَاءَةِ وَالإِقْرَاءِ، مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى مُجَاهَدَةٍ وَمُصَابَرَةٍ عَلَى هَذَا الثَّغْرِ العَظِيمِ مِنْ ثُغُورِ الدِّينِ.
وَمِنْ حِفْظِ اللهِ تَعَالَى لِلْقُرْآنِ المَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. أَنْ يَنْبَرِيَ لِهَذِهِ المُهِمَّةِ الجَلِيلَةِ، وَالغَايَةِ النَّبِيلَةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ رِجَالٌ فَرَّغُوا أَنْفُسَهُمْ لِلْقُرْآنِ قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً، وَفِي عَصْرِنَا نَمَاذِجُ عَجِيبَةٌ تَصِلُنَا بِأَخْبَارِ السَّابِقِينَ فِي هَذَا المَيْدَانِ العَظِيمِ، مِنْهُمْ مَنْ مَكَثَ ثَلاثًا وَسَبْعِينَ سَنَةً فِي إِقْرَاءِ القُرْآنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ مَكَثَ خَمْسِينَ سَنَةً، وَمِنْهُمْ مَنِ انْقَطَعَ مِنْ كُلِّ شُغُلٍ إِلاَّ الإِقْرَاءَ، وَتَحْفِيظِ أَوْلاَدِ المُسْلِمِينَ القُرْآنَ، فَكَانَ جُلُّ يَوْمِهِمْ مِنَ الفَجْرِ إِلَى مَا بَعْدِ العِشَاءِ الآخِرَةِ لِلْإِقْرَاءِ. حَلَقَاتٌ فِي إِثْرِ حَلَقَاتٍ طِيلَةَ اليَوْمِ وَشَطْرًا مِنَ اللَّيْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَمْضَى عَلَى هَذَا الحَالِ ثَلاثِينَ سَنَةً وَأَكْثَرَ.
وَفِي إِفْرِيقْيَا الفَقِيرَةِ أَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ فِي الإِقْرَاءِ، وَهِيَ عَلَى فَقْرِهَا تُخَرِّجُ أَكْثَرَ حُفَّاظِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ، فَلِلَّهِ دَرُّ قَوْمٍ فَرَّغُوا نُفُوسَهُمْ لِلْقُرْآنِ قِرَاءَةً وَإِقْرَاءً، وَشُغِلُوا بِهِ عَنْ غَيْرِهِ؛ فَكَانَ لَهُمْ صَاحِبًا وَجَلِيسًا وَأَنِيسًا، وَنِعْمَ الشُّغْلُ شُغْلٌ بِالقُرْآنِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ كِبَارِ المُقْرِئِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَمِنْ مُؤَسِّسِي حَلَقَاتِ التَّحْفِيظِ فِي العِرَاقِ، قِيلَ لَهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "إِنَّكَ لَتُقِلُّ الصِّيَامَ"، فَقَالَ: "إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضْعِفَنِي عَنِ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ"..
أَلاَ وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...
أنبه إلى أمرين:
التنبيه الأول: من أشرتُ إليهم في الخطبة من المقرئين المعاصرين ممن شغلوا بالإقراء سنوات طويلة أذكر منهم: الشيخ المقرئ أبو الحسن محيي الدين الكردي، من أهل الشام، أقرأ القرآن الكريم ثلاثاً وسبعين سنة، توفي بعد مغرب الجمعة 16/8/1430هـ رحمه الله تعالى، ومنهم الشيخ عبد الله المنجد، والد الدكتور صلاح الدين المنجد، مدير معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، مكتوب على قبره في الشام الآن: "هذا أقرأ القرآن خمسين عاماً".
والكتابة على القبر منهي عنها، ولكن المقصود خبر إقرائه، وقد حدثني بخبر هذين العلمين الكبيرين أخونا الشيخ المقرئ المتقن المتفنن في علوم القرآن: عادل السنيد حفظه الله تعالى.
وأدركتُ وأنا صبي في العاشرة من عمري الشيخ محمد بن سنان رحمه الله تعالى يقرئ القرآن ويدير مدرسة تحفيظ القرآن بعتيقة عام 1398هـ إلى أن تقاعد منها، واستمر في الإقراء إلى أن توفي رحمه الله تعالى قبل بضع سنوات، وأدركتُ معه آنذاك الشيخ محمد قاسم حفظه الله تعالى، ولا زال يقرئ إلى الآن في مسجد آل فريان القديم حسب علمي، ولا أدري كم سنة أقرأ الشيخان قبل أن أدركهما، لكن الشيخ محمد بن سنان -حسب علمي- هو من أسَّس مدرسة تحفيظ القرآن الأولى في الرياض، وحفظ القرآن عليه مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، وذلك في عام 1373هـ أي قبل ستين سنة، فيقيناً أن الشيخ ابن سنان جاوزت سني إقرائه للقرآن خمسين سنة، ومن المرجح أنها تزيد على ذلك بكثير.
وكذلك أتم حفظ القرآن على الشيخ ابن سنان الشيخ عبد الرحمن آل فريان رحمه الله تعالى الذي رأس جمعية تحفيظ القرآن سنوات طويلة. وقد سمعت أن عدداً كبيراً من كبار علماء الرياض درسوا القرآن على الشيخ ابن سنان.
وفي ظني أن ثمة نماذج كثيرة لمقرئين انقطعوا للإقراء في طول العالم الإسلامي وعرضه لعل همة بعض المتخصصين تتوجه بقراءة هذه الكتابة إلى تصنيف تراجم للمقرئين المعاصرين يركز فيها على سنوات الإقراء، وخاصة المنقطعين منهم لذلك، وعلى طريقة الشيخ في الإقراء، ونسبة الحفاظ الذين يتخرجون عليه كل عام.
التنبيه الثاني: يلاحظ طعن الليبراليين وبعض أدعياء السلفية في حلقات تحفيظ القرآن، ورميها بكل نقيصة، والتنفير منها، وادعاء أنها مراتع للتطرف أو البدع، مع أن أكثرها في طول العالم الإسلامي وعرضه للإقراء فقط، وهذا خالٍ من البدع.
وكثير منها محاضن للتربية على معالي الأمور، فيا ليت أن أحداً ينبري لتفنيد ذلك، مستلهماً تجربة الصحابة والتابعين وسلف الأمة في الإقراء، وأنهم كانوا يربون طلبة القرآن على السنة، والبعد عن البدع، كما أوردت في الخطبة نهي أبي عبد الرحمن السلمي طلبته عن حضور مجالس القصاص.
- التصنيف:
- المصدر: