كذبة نيسان في الميزان
للوهلة الأولى يظن القارئُ الكريمُ أنّ العنوانَ السابق هو عنوانُ مقال، تناولتُ فيه نيسانَ وكذبته، ووضعتها في الميزان، لكن، عندما يقرأ المضمون فإنه سيرى أنّ هذا ليس مقالاً مكوناً من كلماتٍ معدودة، بل هو كتابٌ كاملٌ يحمل ذلك العنوان، وفي طياته أسئلةٌ كثيرةٌ يجيبنا عنها: ها قد أتى شهرُ نيسانَ، فهل لهذا الشهر ميزةٌ على غيره من الشهور؟ ولماذا كلَّما أتى هذا الشهرُ المظلومُ، رأينا بعضهم يكذبون في أوله؟! وهل الكذبُ جائزٌ في بداية نيسانَ، ومحرَّمٌ في آخره؟
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
للوهلة الأولى يظن القارئُ الكريمُ أنّ العنوانَ السابق هو عنوانُ مقال، تناولتُ فيه نيسانَ وكذبته، ووضعتها في الميزان، لكن، عندما يقرأ المضمون فإنه سيرى أنّ هذا ليس مقالاً مكوناً من كلماتٍ معدودة، بل هو كتابٌ كاملٌ يحمل ذلك العنوان، وفي طياته أسئلةٌ كثيرةٌ يجيبنا عنها:
ها قد أتى شهرُ نيسانَ، فهل لهذا الشهر ميزةٌ على غيره من الشهور؟ ولماذا كلَّما أتى هذا الشهرُ المظلومُ، رأينا بعضهم يكذبون في أوله؟! وهل الكذبُ جائزٌ في بداية نيسانَ، ومحرَّمٌ في آخره؟
ونرى بعضَ الناس يمزَح بالكذب القبيحِ، فيضحكُ عندما يحزن الآخرون، ويُسَرُّ عندما يغتاظ الآخرون..
متى يكون الكذبُ مُباحاً؟ ومن هو أولُ من كذب وسنّ هذه السُّنةَ السيئة، والعادةَ القبيحةَ، واخترع كذبة نيسانَ؟؟
هذه الأسئلةُ وغيرُها نرى أجوبتها في الميزان الذي وضعه العلاّمةُ محمدُ خير رمضان يوسف، صاحبُ المصنفات والمؤلفات والتحقيقاتِ، فقد ألَّف كتاباً سمَّاه: (كذبة نيسان في الميزان)، وهذا الكتابُ يتألف من (126) صفحةً، بدأه المؤلفُ بحوارٍ بينه وبين أحد أنصار الكذبِ، وهذا الحوارُ شيِّقٌ حيث ينتصر كلٌّ لرأيه.
ثم ذكر المؤلفُ بعد ذلك سببَ تأليفه لهذا الكتابِ عندما قال:
"ولا أُخفي عليك، فإن الذي بعث هذه الأوراقَ القديمةَ من رقادها، ما لجأ إليه زميلٌ في العمل من إشاعة كذبةٍ في أول هذا العامِ الميلادي - كان ذلك عام 1997 - وكان في الستينَ من عمره أو ينوف! فتعجبت، وعلمتُ إلى أيِّ مدىً تستحكم العادةُ السيئة في الإنسان"؛ (ص 9).
- وهذا الكتابُ يتألف من فصلين:
* الفصلُ الأول: من (ص 13) إلى (ص 76)، والفصل الثاني من (ص 79) إلى (ص 120).
- بدأ المؤلفُ الفصلَ الأول بتعريفِ الكذب، ثم قال: "وهو حرامٌ، فإن عُلم الضررُ فيه كان من الكبائر، وإلاّ فمن الصغائر"؛ (ص 13)، ثم تحدّث بعد ذلك عن حقيقة الكذب، ودلالته، وأسبابه ودوافعه، وعن الكذبة الأولى التي سيُردفُها بثانيةٍ وثالثةٍ، حتى يصبحَ الكذبُ عنده رذيلةً متأصِّلةً!
ثم ذكر الآياتِ والأحاديثَ التي تُرَهِّب من الكذب وتحذِّر منه، فمن الآيات – مثلاً - قولُه تعالى: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) [النحل: 105]، ومن الأحاديث: قولُه - عليه الصلاةُ والسلامُ -: (إيَّاكُم والكذبَ فإنه مع الفجورِ، وهما في النار)؛ (ص 21).
ثم تحدث عن صور الكذب ومظاهره، ومنها:
النِّفاقُ، وشهادة الزور، والكذبُ في البيع والشراء، والكذب المقرونُ بالحسد، والكذب في البحوث العلمية، وغيرُها من مظاهر الكذب وصوره، (ص 27-31).
ولَم ينسَ المؤلف - حفظه الله - مبالغاتِ المديح، وبخاصَّةٍ عند بعض الشعراء. (ص 32 – 36).
وبعد ذلك أكّد على ضرورة الدِّقة، وتحرِّي الصدقِ حتّى مع الأطفال الصِّغار، وأجاب على سؤال يقول فيه: متى يُباح الكذبُ؟
وذكر ضِمن الإجابة حديثَ النبيِّ - عليه الصلاةُ والسلام - الذي يقول فيه: ((ليس الكذَّابُ الذي يُصلح بين الناس فيَنْمي خيراً أو يقولُ خيراً))؛ (ص 42).
ثم تحدَّثَ عن الفرق بين المزاح والكذب؛ فقال: "لعلَّ الذي يكذب في أول نيسانَ يقول: إني كنت أمزح؟ وفرَّقَ بين المزح والكذب، والكذب لا يكون مزاحاً، كما نُهِيَ عن المزاح بالكذب"؛ (ص 46).
ثم تحدَّثَ عن المعاريض، وهو خلافُ التصريح، وعن خطورة الكذب وضرره، وعن عقوبة الكذَّاب، وعلاج الكذب، مع ذكر بعض النصائح في ذمِّ الكذب، ولزوم الصدق، والآثارِ الحميدة للصدق، وذكر طامَّةَ الكذب في الغرب فـ 91% من الأمريكيين الذين شَمَلهمُ استطلاعٌ أُجريَ على ألفَي شخصٍ يكذِبون بصفةٍ متواصلةٍ؛ (ص 67).
وفي نهاية هذا الفصل تحدث عن الكذب حتى في الأبحاث العلمية! وأورد أمثلةً على ذلك. (ص 71 - 75).
* وأما الفصل الثاني: فقد بدأه المؤلفُ بالحديث عن شهر نيسانَ والتعريف به، ثم ذكر أنَّ أقدمَ كذبةٍ ورد ذكرُها في اللغة الإنكليزية في مجلة كانت تعرف بمجلة (دريك) عام 1698.
ثم ذكر (ص 93) أنّ الصُّحف في الغرب تتبارى في الكذب، وكذلك بعض قنوات التلفاز، وبعض محطات الراديو.
وذكر مثالاً على ذلك: الخبرَ الكاذبَ الذي أذاعته محطة (راديو سود) في منطقة الجنوب الغربي الفرنسي (ص 94)، ثم ذكر أمثلة على الكذب بشتى أنواعه. (ص 96 – 101).
تحدث عمَّا ما جرى للأديب إبراهيمَ عبدِ القادر المازني في أول نيسان، وكيف كذب عليه بعضُ أصدقائه حتى كادوا يوقعون الفتنة بينه وبين زوجته. (ص 102 – 106).
ثم جاء بأمثلةٍ كثيرة عن الكذب السخيف بين بعض الأصدقاء في أول هذا الشهرِ، وخاصة عندما تكون الأضرارُ كبيرةً جدًّا، كما في (ص 107 - 108).
وفي نهاية الكتاب وضَعَ المؤلِّفُ كلمةً تحذيريةً حذَّرَ فيها من الكذب بشكلٍ عامٍّ، ومن كذبة نيسانَ بشكل خاص، وكان مما قال: كم رأينا وسمعنا لهذه الكذبة من عواقبَ سيئةٍ وحقدٍ وضغائنَ وتقاطعٍ وتدابرٍ بين الناس! وكم جرَّت هذه الكذبةُ على الناس من ويلاتٍ بين الإخوة وبين أهل البيت الواحد! وكم عطَّلت على الناس من مصالحَ نتيجةَ ذلك! وكم أوقعتهم في خسائرَ ماديةٍ ومعنوية وغيرِ ذلك بسبب هذا التقليد المتَّبَعِ من عهدٍ قديمٍ في معظم الدول الأوربية. (ص 119).
ثم وضع المؤلفُ فهرس المراجع والدوريَّات، ثم فهرسَ الموضوعات، وأكثرَ من مائة عنوانٍ من الكتب التي حققها وألفها، (ص 127 – 129).
فجزاه الله عنا كل خير، ونسأل الله تعالى أن يطهِّرَ قلوبَنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتَنا من الكذب، وأعيننَا من الخيانة، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
مصطفى قاسم عباس