(23) وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
أم سارة
دفن الرسول صلوات ربي عليه في بيت عائشة أحب نساء الرسول إلى قلبه، بعد أن جاء أبوها أبو بكر الصديق أحب الناس إلى قلبه بالقول الفصل في مكان دفنه صلوات ربي وسلامه عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين.
- التصنيفات: السيرة النبوية -
من أعظم المصائب وأجلها مصيبة الموت، فهي تقطع الإنسان عن الدنيا وعن الأهل والمال، ولا يخرج منها بشيء إلا ما كان يعمله، إما عملاً صالحًا فينفعه،،وإما طالحًا فيورده موارد الهلاك، وقد أصيبت أمة الإسلام بأعظم مصيبة يمكن أن تصاب بها أمة يوم توفي رسولها ومبعوثها الكريم الرحيم بأمته رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وعن ذلك اليوم يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ، فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ.." (صحيح الترمذي:3618). وحقٌ له أن يقول ذلك..
وعن الساعات الأخيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في (كتاب الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
- حَدَّثَنَا أَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "آخِرُ نَظْرَةٍ نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، « » يَوْمَ الاثْنَيْنِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَادَ النَّاسُ أَنْ يَضْطَربُوا، « »، وَأَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّهُمْ « »، وَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
جاء في كتاب (سنن ابن ماجة للسندي) قوله: "« » أي كان عنده كشف الستارة وبسببه حتى كأنه نفسه كشف الستارة (كأنه ورقة مصحف)، قال النووي عبارة عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته، والمصحف مثلث الميم، قلت: هو عبارة عما ذكره مع زيادة كونه محبوبًا معظمًا في الصدور وإلا لما كان لخصوص الورقة بالمصحف وجه فليتأمل قوله: « » بكسر السين وسكون الجيم وهو الستر".
- حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ، وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ بَارِقٍ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي أَبَا أُمِّي سِمَاكَ بْنَ الْوَلِيدِ يُحَدِّثُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يُحَدِّثُ: "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « »، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: « »، قَالَتْ: فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: « »" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
عن الحديث جاء في كتاب (جمع الوسائل في شرح الشمائل للقارىء): "..المراد هنا بالفرط الولد الذي مات قبل أحد أبويه فإنه يهيئ لهما نزلاً ومنزلاً في الجنة كما يتقدم فرط القافلة إلى المنازل فيعد لهم ما يحتاجون إليه من سقي الماء وضرب الخيمة ونحوهما.. فقالت له عائشة: "فمن كان له فرط من أمتك" أي: فما حكمه قال « » أي: كذلك « » أي: لتعلم شرائع الدين أو في الخيرات والأسئلة الواقعة موقعها، قالت: "فمن لم يكن له فرط من أمتك"، قال: « »، أي: أمة الإجابة فإنه قائم لهم في مقام الشفاعة « »، أي: بمثل مصيبتي فإني عندهم أحب من كل والد وولد فمصيبتي عليهم أشد من جميع المصائب فأكون أنا فرطهم، وهو شامل لمن أدرك زمانه ومن لم يدركه كما يدل عليه تعبيره بأمتي بل المصيبة بالنسبة إلى من لم يره أعظم من وجه، والجملة استئناف تعليل لقوله فأنا فرط لأمتي.. وفي هذا تسلية عظيمة لأمته المرحومة"، نسأل الله أن يسقينا من يديه شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا
- حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الله بن الزبير، شيخ باهلي قديم بصري قال: حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: "لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
قال الشراح: "ما، أي: أمر عظيم، فاعل حضر، « »، أي: من الوصول إليه أحدًا، وذلك الأمر العظيم هو « »، أي: الحضور، ذلك اليوم المستلزم للموت قبله، وقيل: الموافاة فاعل تارك، أي: لا يترك الموت أحدًا لا يصل إليه، ثم بَيِّنَ ذلك الأمر الذي يوصّل الموت إليه كل أحد بقوله: « » الواصل إليه كل ميت، وفيه ركاكة، والقصد تسليتها بأنَّه لا كرب عليه بعد اليوم، وأمَّا اليوم فقد حضره ما هو مقر عام لجميع الخلق، فينبغي أن ترضي وتسلمي" (شرح الزرقاني).
- حدثنا الحسن بن الصباح البزاز، قال: حدثنا مبشر بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن العلاء، عن أبيه، عن ابن عمر، عن عائشة، قالت: "لا أغبط أحدًا بهون موت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها يدل على ما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة سكرات الموت، ويثبت هذا ما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: "مات النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم".
وعن الموت وشدته أخرج ابن سعد عن عوانة بن الحكم قال: "كان عمرو بن العاص يقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه، فلما نزل به قال له ابنه عبد الله: يا أبتِ إنك كنت تقول: عجباً لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه؟ فصف لنا الموت قال: يا بنيّ الموت أجل من أن يوصف، ولكن سأصف لك منه شيئاً، أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي الشوك، وأجدني كأن نفسي تخرج من ثقب إبرة".
- حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ نُبَيْطٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ نُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: « » فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: « -أَوْ قَالَ-: » فَقَالُوا: نَعَمْ. فَقَالَ: « »، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيفٌ، إِذَا قَامَ ذَلِكَ الْمَقَامَ بَكَى فَلا يَسْتَطِيعُ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ، قَالَ: « »، قَالَ: فَأُمِرَ بِلالٌ فَأَذَّنَ، وَأُمِرَ أَبُو بَكْرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَدَ خِفَّةً، فَقَالَ: « »، فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ، وَرَجُلٌ آخَرُ، فَاتَّكَأَ عَلَيْهِمَا فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِينْكُصَ « »، حَتَّى قَضَى أَبُو بَكْرٍ صَلاتَهُ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ..
فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لا أَسْمَعُ أَحَدًا يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا، قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ أُمِّيِّينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ، فَأَمْسَكَ النَّاسُ، فَقَالُوا: يَا سَالِمُ، انْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادْعُهُ، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَتَيْتُهُ أَبْكِي دَهِشًا، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: أَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ، يَقُولُ: لا أَسْمَعُ أَحَدًا يَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ إِلا ضَرَبْتُهُ بِسَيْفِي هَذَا، فَقَالَ لِي: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَجَاءَ هُوَ وَالنَّاسُ قَدْ دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْرِجُوا لِي، فَأَفْرَجُوا لَهُ فَجَاءَ حَتَّى أَكَبَّ عَلَيْهِ وَمَسَّهُ، فَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، ثُمَّ قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَعَلِمُوا أَنْ قَدْ صَدَقَ..
قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ وَيُصَلُّونَ، وَيَدْعُونَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ، ثُمَّ يَدْخُلُ قَوْمٌ فَيُكَبِّرُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَدْعُونَ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ، حَتَّى يَدْخُلَ النَّاسُ، قَالُوا: يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُدْفَنُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: أَيْنَ؟ قَالَ: فِي الْمكَانِ الَّذِي قَبَضَ اللَّهُ فِيهِ رُوحَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ إِلا فِي مَكَانٍ طَيِّبٍ، فَعَلِمُوا أَنْ قَدْ صَدَقَ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَغْسِلَهُ بَنُو أَبِيهِ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ يَتَشَاوَرُونَ، فَقَالُوا: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ نُدْخِلُهُمْ مَعَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ، فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ لَهُ مثل هَذِهِ الثَّلاثِ { } [التوبة:40]، مَنْ هُمَا؟ قَالَ: ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ بَيْعَةً حَسَنَةً جَمِيلَةً" (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
- حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْنُ الْمُلَيْكِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: "لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شَيْئًا مَا نَسِيتُهُ، قَالَ: « » (الشمائل المحمدية للترمذي رحمه الله).
وهكذا دفن الرسول صلوات ربي عليه في بيت عائشة أحب نساء الرسول إلى قلبه، بعد أن جاء أبوها أبو بكر الصديق أحب الناس إلى قلبه بالقول الفصل في مكان دفنه صلوات ربي وسلامه عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين.